بعد جهود حثيثة من جانب أطراف عدة، تم اللقاء بين الرجل الثاني أو الثالث في حكومة بينيت وبين الرئيس محمود عباس.
كان لقاءً مطولا كما أعلن، وبالتأكيد جرى فيه حديث مستفيض حول كل الأمور بما في ذلك الجانب السياسي المُدَّمر في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، إلا أن ما يمكن تحويله من الحديث الشامل إلى عمل هو بعض الجانب الاقتصادي الذي هو الآن وغدا عنوان ومضمون المرحلة، صار عنوانا ومضمونا بفعل اليأس من إمكانية فتح المسار السياسي من جديد، لذلك فضل العالم تركيز الجهود في إدارة الأزمات وفق مبدأ أنه أجدى بكثير من تركها على حالها.
لقاء كهذا لا يكتمل تحليله والاستدلال على خلاصاته إذا لم ينظر مليا إلى الظرف الذي تم فيه وهو وفق كل المؤشرات مزدحم بما هو سلبي على الأرض، وهنا أتحدث باختصار دون التوسع في التفاصيل فهي معروفة للجميع.
ضائقة مالية فلسطينية طلب العالم من إسرائيل أن تقوم بالإسهام الأكبر في معالجتها ويجري الحديث عن لقاءات بين وزارة المالية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية حول ما يمكن أن يقدم في هذا السياق، ثم تواصل السياسة المتصاعدة في مجال الاستيطان والمداهمات وحتى القتل في الضفة، وكذلك الحصار على غزة مع تجمد لملف إعادة الإعمار ما أدى إلى احتقان فلسطيني وصل إلى حافة الانفجار.
ثم ما أعلن من مواقف إثر لقاء بينيت بايدن، والخلاصة التي تهم الفلسطينيين هي رعاية أمريكية للجمود السياسي، ما جعل الوضع المحتقن بحاجة إلى بعض تنفيس يسمح لإسرائيل بالقول إنها بصدد علاقات جيدة مع الفلسطينيين "فها نحن نبحث في تسهيلات مالية وكذلك نجري لقاءات على أعلى المستويات الفلسطينية فلا داعي إذا للقلق".
ثم ينبغي أن لا يغيب عن الصورة اقتراب موعد مهرجان الخطب الذي سيبدأ في الأمم المتحدة ومهما تجاهلت إسرائيل الانتقادات الموجهة إليها حيال التعامل الفظ والمفرط في الضغط على الفلسطينيين إلا أنها ستجد موضوعا تحاول من خلاله تحسين صورتها القاتمة وسياساتها الغاشمة.
على مألوف العادة سوف يشتعل الشارع الفلسطيني المحتقن أساسا بجدل صاخب حول اللقاء فمن معه سيقدمونه على أنه خطوة هامة وضرورية لحل الكثير من المشكلات العالقة مع الإسرائيليين، أما معارضوه فلديهم الكثير ليقولوه في مجال الطعن فيه.
الخلاصة... السلطة في رام الله لا تملك إلا التعايش مع حالة الإغلاق السياسي، والحديث عن انفتاح اقتصادي فالحاجة هي أم السياسات، أما السلطة في غزة المشتبكة في مفاوضات غير مباشرة وقليلة الجدوى مع الإسرائيليين، من أجل تخفيف الحصار ولو بالعودة إلى ما كان الأمر عليه قبل "سيف القدس" فموقفها يكاد يكون محفوظا عن ظهر قلب.. الإدانة والتنديد والتحذير.
كنت أشرت في معالجات سابقة إلى أن انقلابا جذريا قد وقع على الصيغة القديمة للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية فنرى ليس فقط تقدم المسار الاقتصادي على حساب السياسي بل إهمال السياسي إلى حد يقترب من الإلغاء وهذا ما سعى بينيت لتثبيته في واشنطن وسيعمل على تثبيته هنا.