خاص الحدث
حذر اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية الفلسطيني من انهيار شركات توريد الأدوية والتجهيزات الطبية في ضوء تزايد الديون المستحقة على الحكومة الفلسطينية ووصولها إلى حد غير مسبوق، معتبرا أن انهيار هذا القطاع يؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان وتوفير العلاج له.
شركات التوريد تنهار
وحول السبب الذي دفع الاتحاد لإصدار البيان في هذا الوقت بالذات رغم أن الديون تراكمت على الحكومة على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، قال رئيس الاتحاد مهند حبش إن "السبب هو أنه في الفترة الماضية كانت هناك لقاءات ووعودات وبعض الاهتمام من الجهات الرسمية، وأحيانا إدارة مشتركة للأزمة، لكن في الأشهر الأخيرة هناك حالة من عدم الاكتراث من قبل الحكومة، والتي تتبع معنا سياسة المماطلة وعدم الاهتمام، ولم يتم الرد على أي من رسائلنا التي حذرنا فيها من انهيار الشركات".
وأضاف حبش في مقابلة مع "صحيفة الحدث" أن "هذه الطريقة في التعاطي من قبل الحكومة جعلتنا نخشى ونقلق بشكل كبير على مستحقاتنا. في البداية كانوا يتذرعون بأن الحكومة جديدة وتحتاج للدعم والمساندة من القطاعات كافة، وبالفعل ساندناهم في ظروف استثنائية كما في حالة الطوارئ خلال أزمة كورونا وكان همنا في حينه أن تستطيع الحكومة إدارة الأزمة المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، ولم نهتم حقيقة في تعاظم المديونية لدى الحكومة وكانت لدينا ثقة في أنهم سيردون لنا هذه المساندة من طرفنا".
وأكد رئيس موردي الأدوية والتجهيزات الطبية الفلسطيني أنه "عندما استنفذنا كل مقدراتنا المالية، تعرضنا للضغط من قبل وزارة الصحة، وأُلزمنا بتوريد المستلزمات الطبية، وفي تلك الفترة أعطونا سندات حكومية، وقد صرف بعضها، والبعض الآخر لم يصرف حتى اليوم رغم استحقاقه، وبالتالي يمكن إضافة قيمة مبالغ السندات الحكومية التي لم تصرف إلى مديونية الحكومة، وهذا يعني أن المديونية تفوق ما صرحنا به في البيان (570 مليون شيقل)، وتجدر الإشارة إلى أن هذه السندات مدتها طويلة وتتراوح ما بين 8 - 12 شهرا، والتي استحقت منها في شهري يوليو الماضي وأغسطس الجاري لم تصرف".
ولفت حبش إلى أنه "عندما يرفض البنك صرف السند الحكومي، فإن هذا يزيد من مخاوفنا على مستحقاتنا المالية، وبصراحة فقد وصلنا إلى طريق مسدود وكان لا بدّ من إطلاق هذه المناشدة من خلال البيان الذي وزعناه، وكان من الضروري أن نضع الرأي العام في صورة ما يحدث مع الحكومة، وهذا يعطي مؤشرات للوضع الصحي بعد أن نصبح غير قادرين على توريد الأدوية والمستلزمات الطبية، باختصار ستكون هناك كارثة".
وردا على سؤال ما إذا كانت المديونية العالية المستحقة على الحكومة لقطاع توريد الأدوية والمستلزمات الطبية تنذر بتوقف عمل القطاع، قال حبش إن "مديونتنا على الحكومة تجاوزت كل التوقعات، وتجاوزت كذلك كل سقوف التسهيلات التي كانت ممنوحة لنا من قبل البنوك، وهي من ناحية فعلية أضعاف رأس المال العام في شركات التوريد التي أصبحت مهددة بالانهيار، والبنوك رفضت أن نرفع سقف المديونية والتسهيلات، وقد أبلغونا بشكل واضح بأن "لن نسمح لكم بالانتحار.. التوصيف الحقيقي لرفع المديونية هو الانتحار".
وتابع رئيس اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية حبش قائلا: إذا لم تعد لدينا أموال للتوريد، ولا سندات حكومية تصرف في البنوك، ولا حتى الحد الأدنى من السيولة لتأمين المشتريات، ولم تعد هناك إمكانية للتوريد للعطاءات التي رست على الشركات. هذه الحالة أيضا أثرت على التوريد للقطاع الخاص، واضطررنا في بعض الأحيان لتوريد بعض أنواع الأدوية من حصة القطاع الخاص لوزارة الصحة لأننا تعرضنا للتهديد من قبل وزارة الصحة باتخاذ إجراءات قانونية بحقنا. بكل صراحة، لن تكون هناك قدرة على الاستمرارية والالتزام بالتوريد، لأنه لم يعد أمامنا أي خيار ممكن، وفي المستقبل القريب - شهر على أبعد تقدير - قد لا تكون هناك إمكانية لتوفير الأدوية التي تباع للقطاع الخاص كالصيدليات والمستشفيات والمراكز الطبية.
وأضاف: أتمنى أن يكون هناك اهتمام أكبر من قبل الحكومة في شركات توريد الأدوية والمستلزمات الطبية لأنها أحد مكونات القطاع الصحي، وهذا القطاع هو الذي يحافظ على الأرواح، وهذا يستلزم وجود وضوح في الرؤية لدى الحكومة فيما يخص التعاطي مع هذا القطاع، ومن الضروري تسديد المستحقات في الوقت القريب من أجل أن تستطيع الشركات التوريد الاستمرار في العمل، وهذه الأزمة انعكست أيضا على كادر العمل في هذه الشركات لأنه لن تكون هناك إمكانية لتسديد رواتب الموظفين في المستقبل القريب.
وحول تهديد وزارة الصحة لاتحاد الموردين باتخاذ الإجراءات القانونية، أوضح حبش أن "اتخاذ الإجراءات القانونية حسب ما هو مدرج في شروط العطاء يعني إما إحالة الأصناف التي رست على الشركة على من يليه، وطبعا من يليه يكن أعلى منه سعرا ويتم تحميل فارق السعر للشركة ويقومون باقتطاع قيمة ذلك من مستحقاتها كما يشاؤون، أو من خلال كفالة "حسن التنفيذ" واستخدام أموالها لمشتريات أدوية أخرى، وأيضا قد يتم حرمان المورد في السنوات القادمة من المشاركة في العطاءات".
وشدد مهند حبش على أن "هناك مشكلة في وعي الحكومة لمشكلة الشركات، وهذا كان يتضح لنا من الإجابات التي كنا نواجهها، مثل: (مين حكالك تدخل بالعطاء؟).. وفي الرد على هذه النقطة بالذات لا بد من التوضيح أنه في 17 سبتمبر 2019 التقينا في مقر وزارة المالية بوزير المالية شكري بشارة ووزيرة الصحة مي كيلة وكبار الموظفين بالوزارتين، وأبلغناهم أننا لن نستطيع المشاركة بالعطاء لأننا لا نستطيع الالتزام بالتوريد والسبب أنه لا يوجد لدينا المال الكافي للالتزام بالشروط، وقد اعتذرنا بشكل رسمي، وقد وعدنا وزير المالية بسداد مستحقاتنا التي بلغت في ذلك 110 ملايين شيقل، بتسديد 50% بشكل مستعجل، و 25% نقدي و25% سندات حكومية، وخلال الاجتماع طلبت مني وزيرة الصحة الاتصال على كل الشركات للمشاركة بالعطاء، وبناء على حديث الوزيرين شاركنا في العطاء، لكننا لم نحصل على أي من الوعود، وما حدث في قضية العطاء كان بمثابة عملية توريط أو كمين، واضطررنا بعدها لرفع سقوف المديونية من البنوك والتزمنا بشروط العطاء، وكان هناك شرط بإمكانية زيادة كمية الدواء بـ25% بنفس سعر الأدوية والتزمنا بذلك".
وقال: "دفعوا لنا في شهر يناير 7% من إجمالي المديونية بسندات لـ 12 شهرا، والسندات المستحقة خلال هذا العام لم تصرف، وهذا يهدد قيود شركات التوريد ومكنوناتها واستمرار عملها، ولدينا أيضا مديونية على المستشفيات الخاصة التي تسدد الديون المستحقة عليها لشركات التوريد في حال دفعت لها الحكومة مقابل التحويلات، وأعتقد أن ديون المستشفيات الخاصة تجاوزت أكثر من مليار شيقل، وبالتالي مديونتنا على المستشفيات الخاصة هي مديونية غير مباشرة على الحكومة".
وتساءل حبش: حتى السندات لم تصرف! أين مصداقية الحكومة؟ كيف يمكن الثقة بها؟ الكل سمع وزير المالية عندما خرج في مؤتمر صحفي وتحدث عن وجود آلية جديدة لتسديد مستحقات القطاع الخاص من خلال السندات الحكومية. واستدرك قائلا: في الواقع، تحولت هذه السندات التي بدأ العمل بها في عام 2017 إلى نقمة على القطاع الخاص.
وبحسب رئيس اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية الفلسطيني، "اختلف بند الدفع بهذا الشكل لأول مرة خلال فترة وجود السلطة الفلسطينية، حيث تضمن البند توضيحا بأن لا سقف زمني محدد للسداد، وإنما يعتمد ذلك على السيولة المالية للحكومة، وعمليا حرمونا بذلك من إمكانية التوجه للقضاء في حال عدم السداد لأن الرد سيكون لا يوجد سقف زمني للسداد. مع الإشارة إلى أن سقف السداد كان 6 أشهر، وقبل ذلك 120 يوما، وفي البداية كان 90 يوما. وللعلم فإن هذا البند يخالف قانون الشراء العام، وهناك قرار صدر في ديسمبر 2019، بأن الدفع يكون خلال 60 يوما من تسليم الفاتورة، وطالبت بتطبيق قانون الشراء العام، ولم تكن هناك أي استجابة من وزارتي الصحة والمالية".
وحاولت "صحيفة الحدث" التواصل مع وزارتي المالية والصحة؛ ولم تتلق ردا حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.
وكان اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية الفلسطيني، قد أصدر يوم الجمعة الماضي، بيانا صحفيا موجها للرأي العام الفلسطيني، ناشد فيه الحكومة بإنقاذ القطاع الصحي، وقد جاء فيه: "انطلاقاً من التزامنا الوطني والإنساني والأخلاقي في اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية والذي يمثل أهم القطاعات الصحية والاقتصادية - قطاع الحفاظ على حياة المواطن - وحيث أن الشركات التي نمثلها هي المورد الرئيس للأدوية والمستلزمات الطبية لوزارة الصحة والقطاع الخاص، فقد وجدنا ضرورة ملحة في التوجه إلى الرأي العام، لوضع شعبنا ومؤسساته ومكوناته، في صورة ما تحملته وتتحمله شركاتنا بسبب الضائقة المالية الخانقة التي تضغط علينا وتشل قدراتنا وتجعلنا وجهاً لوجه أمام انهيار شامل".
وتابع الاتحاد في بيانه: "ولوضع النقاط على الحروف نقول إن ديون جميع الشركات الموردة قد تراكمت على وزارة الصحة الفلسطينية منذ ما يزيد عن 3 سنوات حتى وصلت 570 مليون شيقل، حيث لم نحصل خلال مدة طويلة سوى على وعود لا تسمن ولا تغني من جوع، ومحصلة ما تقاضيناه بعد مطالبات حثيثة لم يتجاوز 7% من المديونية الكاملة منذ بداية العام الحالي، وهذا لا يكفي حتى لصرف رواتب الموظفين والعاملين في الشركات المعنية".
وقال الاتحاد في بيانه "نعلن للجميع أن كثيرا من الشركات الموردة لم تعد قادرة على توريد المزيد من الأدوية والمستلزمات لوزارة الصحة، ونحن لا نتحمل مسؤولية أي نقص، وإنما نحمل المسؤولية لوزارتي الصحة والمالية، خصوصاً وأن الموجة الرابعة من تفشي فيروس كورونا تداهمنا، وبالتالي فإن الوضع العام سيصبح صعباً وخطيراً على الجميع".
وبحسب بيان الاتحاد، "قدرة تحملنا وصلت حدودها القصوى والبنوك العاملة أصبحت لا تستطيع إقراض المزيد بسبب تجاوز أسقف المديونية العالية، وحفاظا منا على ديمومة شركاتنا والموظفين العاملين فيها من الانهيار، فإننا نطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بتسديد ديون شركاتنا، ونحن لا نطالب بمساعدات أو هبات وإنما نطالب بحقوقنا وليس سواها".
وختم بيان اتحاد موردي الأدوية والتجهيزات الطبية الفلسطيني بيانه بالمناشدة بالإفراج عن الديون المستحقة المستحقة لكي يستمر في تقديم الخدمات الطبية اللازمة لوطننا ومواطنينا، ودعا الجهات المعنية بأن لا تدفع الشركات للإفلاس والغياب عن المشهد الطبي والصحي.