السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الكورونا بين الكمامة والتطعيم/ بقلم: ناجح شاهين

2021-09-05 08:15:35 AM
الكورونا بين الكمامة والتطعيم/ بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

قبل سنة بالتمام والكمال كان اللقاح شحيحاً إلى حد توزيعه على قلة من الناس المحظوظين، أما الفقراء فلم يتوافر من المطاعيم ما يكفي لكي يتمتعوا بحماية فايزر أو أسترازينيكا أو أي اسم آخر. في ذلك الوقت وقف الناطق باسم الحكومة السيد ملحم يواجه شعبه وفي يده كمامة وقال: هذا هو لقاحكم، ليس في إمكاننا حتى إشعار آخر إلا أن نعتمد على لقاح الكمامة.

بالطبع غضب الناس أيما غضب، فقد تركوا لمواجهة مصيرهم بدون حماية، بينما تمتع أبناء النخب بامتياز الحقنة السحرية. بعد ذلك انتشر المرض في مناطق السلطة على نطاق واسع، ومات الناس بالآلاف، لكن ذلك الحال لم يختلف عن حال "جارنا" المحتل الذي تمكن بفضل كونه شعب الله المختار، إضافة إلى علاقات نتانياهو الشخصية مع مدير فايزر من الحصول على لقاح الشركة الأمريكية قبل توزيعه في الولايات المتحدة ذاتها. كانت نسبة الإصابات والوفيات في دولة الكيان أسوأ مما لدينا على نحو واضح.

المهم أن المرض انتشر كالنار في الهشيم إلى درجة أن بعض التقديرات تذهب إلى الزعم بأن الناس كلهم أو جلهم قد أصيبوا بالفعل. وفي لحظة معينة بدا أن المرض قد بدأ في التراجع بفضل اللقاح الذي غطى نسبة كبيرة من أبناء الكيان. لكن المفارقة قوضت وهم بطولة اللقاح بالنسبة لمن لديه عيون تبصر أن مناطق السلطة التي لم تتلق منه إلا أقل القليل، قد تراجع فيها المرض إلى درجة الاختفاء. من المناسب بسبب هذه المفارقة أن نستنتج منطقياً أن الناس قد طورت مناعة طبيعية ضد الفيروس مما أدى إلى تراجع الإصابات على نحو حاسم.

اليوم تعود فيروسات كورونا "لتضرب" من جديد. لقد انتهى شهر عسل المناعة الطبيعية المكتسبة، ولا بد من جولة جديدة تقود إلى مناعة جديدة. لكننا اليوم ننعم في مناطق السلطة بكميات وافرة من اللقاحات المختلفة، بما فيها لقاح فايزر السحري. وهكذا تغير موقف الحكومة ووزارة الصحة ووزارة التعليم إلى حد التناقض: لم يعد التباعد مهماً ولا لبس الكمامات، أصبحت كلمة السر هي تلقي اللقاح، ولا بد للموظفين جميعاً شاؤوا أم أبوا أن يتلقوا ترياق فايزر السحري. وذلك الأمر ينطبق على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية، وبعد قليل الابتدائية ورياض الأطفال.

الآن لم يعد مهماً أبداً أن يجلس التلاميذ على مسافات بعيدة بدرجة معقولة: المدارس غدت مكتظة تماماً في الحكومة والوكالة والخاصة. ويصل عدد التلاميذ في صف الوكالة إلى ما يناهز الخمسين، كما أن عددهم في الحكومة يزيد في الأعم الأغلب عن الثلاثين ويقترب أحياناً من الأربعين. لا يوجد كمامات حتى على نحو شكلي مثلما ساد سابقاً، عندما كانت توضع حول الرقبة أو أعلى الرأس مثل النظارة الشمسية. اختفت الكمامة واختفى التباعد وحل الزحام الشديد، وعادت الحياة الطبيعية في كل تفصيل باستنثاء الزعيق في كل مكان حول ضرورة التطعيم. في المدارس والمساجد والوزارات والدوائر الحكومية، هناك بيانات طوال الوقت تطلب وتحذر وتتوعد وتستنكر ...الخ والغاية الواحدة الوحيدة من ذلك الضجيج هي أن نتلقى جرعة فايزر المتاحة في كل مكان بسهولة شديدة.

يقول المعترضون إن دولة الكيان تتعرض لانتشار الفيروس من جديد بقوة كبيرة على الرغم من تطعيم الشطر الأوسع من السكان، وهذا يعني أن اللقاح لا يستطيع وحده شيئاً، وأنه لا بد من ممارسة الوقاية بدرجة أو بأخرى. ولا بد من تعزيز مناعة الناس بالأغذية والفيتامينات...الخ نقول ذلك على الرغم من أن التجربة قد برهنت أن جهاز المناعة الموروث هو كلمة السر الأولى وربما الأخيرة في طريقة استجابة الناس للمرض إن تعرضوا للعدوى، أو حتى في مقاومتهم للالتقاط العدوى من ناحية مبدئية.

من الواضح أن االمواطن لا يستطيع في المتوسط أن يصل إلى قرار منطقي/تجريبي بسهولة بسبب الكثير من الضباب الذي يحيط بالموضوع. هناك بالطبع مصالح عملاقة تكتنف قصة الفيروس الصغير لتحوله إلى فيل هائل الحجم. وفي هذا السياق يستعصي على الخبراء أن يستخرجوا "إبرة الحقيقة" من تحت كومة القش الهائلة، وهكذا ينساق الناس وراء الاتجاه السائد مهما كان خطابه.

قبل سنتين تقريباً كان الجمهور يصب جام غضبه على "عمال إسرائيل" الذين يجلبون المرض بسبب "جشعهم" وحبهم للمال. وقد كان دفاعنا عن حاجتهم للعمل يقود فوراً إلى موجة غاضبة من النقد لهم ولدفاعي على السواء. اليوم نسي الناس على نحو كامل أن هناك ممارسة طبية اسمها التباعد والوقاية ...الخ وأصبح جل اهتمامهم منحصراً في تلقي اللقاح.

إن كاتب هذه العجالة ليس طبيباً ولا صيدلانياً ولا عالم أوبئة، وهو لا يزعم امتلاكه أية حقائق راسخة حول هذا الموضوع، لكنه يتوهم أن المعطيات التجريبية السابقة مع قليل من التحليل المنطقي الصارم يمكن أن تسمح لنا بالاستنتاج أن أهم ما نقوم به لتخفيف حدة انتشار المرض هو التباعد في مجالات التعليم بمراحله المختلفة من الروضة حتى الجامعة، إضافة إلى ضبط الازدحام في الصلاة والمناسبات الاجتماعية المتصلة بحفلات الزفاف ومجالس العزاء.

في ظننا أن اللقاح وحده لن يقدم أية حماية تذكر بالنظر إلى توافر فرصة لقياس مقارنة دقيق مع مجتمع الاحتلال الذي ينتشر فيه الفيروس من جديد على الرغم من تطعيم معظم الناس. وقد ذهبت بعض الأرقام إلى تسجيل أن ستين في المئة من المصابين في دولة الكيان قد أتموا فروض التطعيم كلها. ومن هنا فإن من الذكاء بمكان أن نعود إلى فكرة الدوام المدرسي بصفوف قليلة العدد تعتمد على دوام الطلبة يوماً بعد يوم، وهذا بالمناسبة يفيد في تطوير مشاعر لطيفة تجاه التعليم في صفوف التلامذة والمعلمين إضافة إلى كونه وصفة سديدة على الأرجح لمنع انتشار موجة جديدة من الوباء على نطاق واسع.