منذ أن أعلنت شرطة ومخابرات الاحتلال عن إعادة اعتقال أسرى عملية " نفق الحرية" محمود العارضة ويعقوب قادري، بثت وسائل إعلام العدو بتوجيه من أجهزة مخابراتها عن وجه قصد نشر الإرباك والبلبلة والفتنة بين أبناء شعبنا، بأن عملية إلقاء القبض عليهما تمت بواسطة وشاية أو معلومة قدمت لها من قبل أحد المتعاونين معها، والتي اتضح لاحقاً كذب وزيف هذه المعلومة، حيث أكدت أجهزة أمن الاحتلال بأن أحد رجال شرطة السير، هو من لاحظ وجودهما وأبلغ أجهزة أمن الاحتلال وشرطته بذلك لتكثف البحث والملاحقة والمطاردة لهما، ومن ثم اعتقالهما، وما إن نشر الاحتلال روايته حتى تلقفها الكثيرون دون تحليل أو تمحيص، وبدأوا حملة ظالمة ضد أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 – تطعن وتشكك في وطنيتهم وانتمائهم.
هذه الحملة لم تتم إدارتها فقط من قبل الاحتلال وأجهزته الأمنية والشرطية، والتي أتت في سياق الثأر والانتقام من شعبنا هناك، على خلفية مشاركتهم الفاعلة في هبات نيسان الماضي المقدسية، باب العامود والأقصى والشيخ جراح والوقوف بشكل حازم ضد العدوان على أهلنا وشعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة خلال معركة "سيف القدس" ، أيار/2021 ، حيث أن المشاركة والدور الذي لعبه أهلنا وشعبنا في الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت كل فلسطين التاريخية، هي التي جعلت المحتل يعيد حساباته عن أهلنا وشعبنا هناك، فهم شكلوا مصدر قلق وإرباك كبيرين له، حيث إنهم يحفرون في عمق جبهته الداخلية ويعملون على تفكيكها. وهم وجهوا رسائل واضحة للمحتل، بأن 73 عاماً من الاحتلال ومحاولات الأسرلة والتذويب والدمج في المجتمع الصهيوني، لم تنجح في نزع فلسطينتهم أو دمجهم وتذويبهم، بل قاوموا بكل قوة تلك المحاولات والقوانين والتشريعات والقرارات، التي استهدفت وجودهم وحقوقهم الوطنية السياسية وأرضهم، ولذلك كانوا هم جذر وأصل هذه الحكاية، صمودهم وبقائهم على أرضهم يسجل لهم، فهم من حمى الأرض من مخاطر الابتلاع والضياع، وكذلك حموا القضية من مخاطر التفكك والتلاشي. ولولا صمودهم وبقائهم لا أبالغ القول، إذا ما قلت بأننا كنا سنصبح هنوداً حمر.
نعم المحتل أراد أن يعاقب شعبنا وأهلنا هناك على دورهم في الانتفاضة الشعبية، هذا المارد الذي خرج ليقول، نحن شعب فلسطين، نحن شعب حي لا يموت، وإن كان أوسلو قد قطع الوصل والتواصل بين أبناء الشعب الواحد، فنحن نقول بأننا لن نكون غير فلسطينيين، عرب أقحاح لا نقبل المزايدة علينا من أحد، ولا أحد يبيعنا وطنية، ونحن من الآن فصاعداً أسقطنا توصيفنا ب"عرب إسرائيل"، ومعركة "سيف القدس"، أثبتت بأن شعبنا هناك قد استعاد دوره ومكانته الحاسمة في المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة مقاومة الاستيطان والاحتلال، وأبعد من ذلك مشاركة شعبنا في الانتفاضة الشعبية، وخاصة في المدن البلدات والمدن المختلطة، اللد، الرمله، حيفا، يافا وعكا وغيرها من مدن وبلدات الداخل- 48- ، أوجدت ميزان ردع جديد غير قابل للكسر، فهي أعادت مكانة تلك القرى والمدن كجزء أصيل من الجغرافيا الفلسطينية، في وقت أوسلو الكارثي نزع عنها فلسطينيتها، تذكروا هذه المقولة "نزع عنها فلسطينيتها".
نعم هذه الحملة المشبوهة التي أدارها الاحتلال بكل أجهزته الأمنية والشرطية والإعلامية.. لها أهدافها في "تطويع" عقولنا من أجل أن تحتل روايته كافة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأن يخلق الفرقة والفتنة والبلبة والتشكيك بين مكونات الشعب الواحد، وأن ينتقم من أهلنا وشعبنا في الداخل- 48- على خلفية دورهم ومشاركتهم الفاعلة في هبات القدس الثلاث، باب العامود والأقصى والشيخ جراح، وكذلك المشاركة بالتظاهرات والفعاليات الشعبية والمسيرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية ضد العدوان على شعبنا وأهلنا في قطاع غزة، معركة" سيف القدس"، والمحتل أراد أيضاً أن يقتل الروح المعنوية الواثبة عند شعبنا، ويعمل على تحطيم معنوياتنا وكسر إرادتنا، والقول لنا بأن المحتل وأجهزته قادرون أن يجعلونا ندفع ثمناً باهظاً لمقاومته، وأن هذا الطريق والخيار كلفته عالية، ومن خلاله لن تحصلوا على شيء.
نعم هذه الحملة الظالمة لم تشارك فيها فقط أفراد جماعات محلية فلسطينية، بل وجدنا بأن هناك صفحات ومواقع إلكترونية تدار من جماعة عرب الهرولة التطبيعية شاركت بفعالية في هذه الحملة الظالمة، بسبب موقف شعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني -48 - الرافض للتطبيع والتطويع.
ولو فرضنا جدلاً بأن من قدم المعلومة أو الوشاية لأجهزة أمن الاحتلال عن وجود مكان الأسيرين العارضة والقادري، وأحد من المتعاونين مع الاحتلال، فهذا ليس بالشيء الخارق وغير المألوف، وليس بالمستبعد، فالشعوب التي تقع تحت الاحتلال، التاريخ يًعلم بأن هناك أفرادا وجماعات يتساقطون ويتعاونون مع المحتل، ونحن لسنا أنبياء وخارج المألوف، تجربة الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث خلق الفرنسيون جيشا من المتعاونين، وتجربة حكومة فيشي عندما احتل هتلر جنوب فرنسا في الحرب العالمية الثانية، التي تعاونت مع الألمان، وتجربة جيش لبنان الجنوبي، عندما احتلته دولة الاحتلال، وتجربة روابط القرى التي أٌقامها الاحتلال، بعد اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1978 .
ولذلك أن يجري تخوين جزء من شعبنا وتوجيه الاتهامات له بالسقوط والعمالة، هذا لا يعبر لا عن وعي ولا حرص ولا وحماسة ولا وطنية زائدة، فهو بقصد وبدون قصد يصب في مصلحة المحتل، فالمتعاونين تجدهم في الداخل الفلسطيني- 48 – والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة، دور الاحتلال أن يعمل على تجنيد أفراد وجماعات تقدم له خدمات وتساعده في حماية أمنه وتنفيذ مشاريعه ومخططاته، ودور القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والتعليمية والدينية، القيام بعملية التوعية وتحصين النسيجين الوطني والمجتمعي وحمايتهما من الاختراق، مستخدمة الطرق والأساليب التي تراها مناسبة وفاعلة ورادعة، لكي تحصن مجتمعها وتحمي مقاومتها وعناصرها وشعبها.
شعبنا في الداخل الفلسطيني – 48 -، جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني، لم يستطع الاحتلال أن "يصهره" و"يذوبه" ويدمجه في دولة الاحتلال ومؤسساتها على مدار 73 عاماً، ووعي أبنائه رغم تعرضه لكل محاولات التشويه و"الكي" و"التطويع" و"الصهر" و "التجريف"، بقي أصيلاً وإن شابته بعض الشوائب، ومن يشاهد مقابلة الصديق سامي أبو شحاده أحد قادة التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل، على القناة العبرية 13، والتي حاولت فيها المحاورة أن تجعل الصديق أبو شحاده، يصف أبطال شعبنا ب"الإرهابيين"، ليرد ويقول لها بأن كل ما يحدث سببه وجود الإحتلال، وليس هؤلاء المقاومون له، وكذلك الهتافات الوطنية ولهؤلاء الأبطال من أمام المحكمة المركزية في الناصرة مساء أمس من قبل جماهير شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- عندما أحضرت شرطة الاحتلال الأسرى الأربعة المحررين المعاد اعتقالهم إلى المحكمة، تؤكد على أن هذا الشعب وقواه الحية، نبضها فلسطيني وخيارها، خيار هذا الشعب الذي يريد التحرر من نير الاحتلال، ولذلك هذه الحملة الظالمة والمشبوهة على شعبنا في الداخل الفلسطيني -48 -، لا تمثل لا إرادة ولا موقف شعبنا ولا كل من هو وطني فلسطيني.