الحدث- محمد مصطفى
تحولت سيارات الأجرة العاملة في قطاع غزة، لاسيما التي تنقل المواطنين ما بين المدن، إلى أماكن للنقاش في الأمور السياسية والحياتية اليومية، يتبادل المواطنون خلالها الآراء، ويناقشون كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالشأن السياسي المحلي والعربي والدولي، ويحاولون استقراء الواقع.
وفي إحدى المركبات التي كانت متوجهة من مدينة رفح إلى محافظة غزة، أدار السائق مؤشر المذياع إلى إحدى المحطات الإخبارية، واستمع والركاب إلى موجز أنباء قصير، كان نهايته خبر يفيد بقرب تشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، بعد إعفاء الحكومة الضرائب عن الوقود المخصص لها.
الخبر سرعان ما فتح شهية الركاب للنقاش، الذي بدأ بالتركيز على أزمة الكهرباء، ثم ما لبث أن اتسع ليشمل الوضع الاقتصادي الصعب وارتباطه بالحالة السياسية، وصولاً إلى التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن.
واستمر النقاش طوال الطريق، ولم يتوقف أطرافه عن تقديم الحجج والأدلة لدعم مواقفهم، وإقناع الآخرين بها.
ويقول المواطن سليمان رزق، إن الوضع السياسي الصعب، وبحث المواطنين عن أي أفق للحل، يجعلهم أكثر متابعة لمجريات الأمور، وهذا يخلق حالة من الوعي السياسي المتقدم، لذلك من السهل فتح باب نقاش في أي مكان، سواء في السيارة أو في المجالس، أو حتى داخل المنزل، والجميع يدلو بدلوه، ويفتي في كل صغيرة وكبيرة تخص السياسة.
وأوضح رزق لـ"الحدث"، أنه شارك في العديد من النقاشات المشابهة، واستمع لآراء عديدة، بعضها كان منسجماً مع موقفه وأخرى معارضة، وحاول استقراء مواقف الآخرين، والاجتماع على قواسم مشتركة، ومحاولة توقع ما ستؤول إليه الأيام المقبلة.
أما السائق أحمد شكري، فأكد أنه يومياً تدور داخل مركبه حوارات ونقاشات جلها تناقش الوضع السياسي العام، وتوصف ما نحن فيه.
وأكد لـ"الحدث"، أن بعض هذه النقاشات يكون حضاري يدور بصورة هادئة، وأخرى تكون صاخبة، خاصة إذا ما كان أطرافها يمتلكون وجهات نظر متباينة، أو ينتمون لفصائل متخاصمة "فتح" و"حماس".
وأوضح شكري أنه وفي بعض الأحيان يضطر للتدخل، ويطلب من الجميع الصمت، أو يدير مؤشر المذياع على محطة تبث وصلات غنائية، ما يجبر المتناقشين على الصمت.
وأكد أنه بات يكره أن يدور نقاش داخل مركبته، فما يقدمه المتحاورون غالبا ما يشعره باليأس، خاصة إذا ما كان بينهم رجل مثقف، ويقدم رؤيا سوداوية للواقع.
وتقول الفتاة لبنى عبد الله، وتدرس إعلام في المستوى الرابع، إنها تستمع يومياً لنقاشات في السيارات العمومية، لدى ذهابها وعودتها من الجامعة، لكنها تفضل أن تستمع دون المشاركة في تلك النقاشات، التي يتسم معظمها بالصراخ ومحاولة فرض وجهات النظر.
وأوضحت عبد الله لـ"الحدث"، أنها تشعر بارتفاع مستوى الثقافة والوعي السياسي لدى سكان القطاع، لكنها في ذات الوقت لاحظت أمر غريب، فالجميع لديهم قدرة كبيرة في وصف الواقع، وتشخيص أسباب الأزمات، لكنها لم تستمع في مرة لحلول مقترحة وخلاقة، ربما تساهم في حل أو تخفيف الأزمات.
وأكدت عبد الله على ضرورة وجوب استغلال حالة الوعي السياسية الفائقة لدى سكان القطاع، من أجل خلق حالة نضالية واعية ومتفق عليها من قبل الجميع، تتخذ أشكال متنوعة، كالمقاطعة، أو الحراك السلمي، أو الحملات الجماهيرية، التي تشكل ضغوطات على كل الأطراف، سواء المحلية من أجل إتمام المصالحة، أو الخارجية من أجل إجبار إسرائيل على فك الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة.