ترجمة الحدث
نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرا عن مخيم جنين، ووصفته فيه بـ"غزة الصغرى".
ترجمته الحدث وجاء فيه:
قبل حوالي أسبوعين، تجمع مقاومون في مخيم جنين للاجئين في عرض عسكري بهدف ترهيب "إسرائيل". إلى جانب المقاومين الذين كانوا يقفون على منصة في أحد شوارع المخيم، ظهر فلسطينيون يرتدون أكفانا بيضاء. كانت وجوههم مغطاة وأسلاك كهربائية بارزة من السترات التي كانوا يحملونها. كانت هذه الصور شائعة في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، لكنها اختفت منذ ذلك الحين من المشهد في الضفة الغربية.
الأكفان البيضاء رمزت في الانتفاضة الثانية إلى الفلسطينيين الذين كانوا يستعدون لتنفيذ عمليات فدائية في قلب المدن الإسرائيلية. ليس من المؤكد أن السترات التي ظهرت منذ أسبوعين كانت معبأة بالمتفجرات، لكن الرسالة كانت مهمة. خلال العرض، هدد المقاومون الملثمون "إسرائيل" من القيام بعمل غبي ودخول المخيم. وعادت تهديدات الاستشهاديين إلى بؤرتهم الأهم، مخيم جنين.
أصبح المخيم من أعظم رموز الانتفاضة الثانية. في المعارك التي دارت في مخيم جنين خلال عملية السور الواقي عام 2002، قُتل 23 جنديًا، بينهم 13 جنديًا احتياطيًا في يوم واحد، بينما ارتكب الاحتلال مجزرة راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين.
تلاشت الروح المعنوية على مر السنين، لكن إرث المخيم بين الجمهور الفلسطيني لا يزال قائماً. أدى تسلسل الأحداث في منطقة جنين على مدى الأشهر الستة الماضية إلى إحساس سكان المخيم بأن المكان قد عاد عشرين سنة إلى الوراء.
تم إنشاء مخيم جنين للاجئين عام 1953 من قبل الأونروا، وهي منطقة استأجرتها الأمم المتحدة من الأردن. ويعتبر ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية ويبلغ مساحته 473 دونمًا. ويقطن المخيم 12000 لاجئ، معظمهم (5800 منهم) أقل من سن 40.
مع نهاية الانتفاضة الثانية وإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية، بدأ المقاومون في مخيمات اللاجئين يشعرون بأنهم أزيحوا عن المشهد. بدأ الاقتصاد الفلسطيني ينمو، والنظام الذي تغير من أيام ياسر عرفات إلى أيام محمود عباس غير أولوياته، وأعيد بناء المؤسسات الحكومية، وغابت نجومية بعض الأسماء التي كان لها دور في المقاومة.
وعلى الرغم من انضمام بعضهم إلى قوات الأمن الفلسطينية، إلا أن النواة الصلبة للمقاومين بقيت في أحياء المخيمات محبطة وممتعضة. ظلت مخيمات اللاجئين خارج نطاق سيطرة الأمن الفلسطيني. كل دخول للأجهزة الأمنية الفلسطينية إليها كان مصحوبا بمقاومة وتبادل لإطلاق النار. لذلك، فإن التنسيق الأمني مع "إسرائيل" تكاد لا تكون له أي أهمية طالما أن السلطة الفلسطينية لا تحكم على الأرض.
عادت جنين إلى العناوين الرئيسية في السياق الأمني، لكن يجب العودة إلى الأيام الأولى لأزمة كورونا، عام 2020، لفهم كيف حدث ذلك. في بداية الوباء، وجدت السلطة صعوبة في فرض الإغلاقات والقيود المفروضة على الفلسطينيين والتي كان الهدف منها تقليل معدلات الإصابة بالأمراض. بدأت بالاستعانة بتنظيم فتح في مناطق مختلفة من الضفة الغربية للتعامل مع القضية، وحدث نفس الشيء في مخيم جنين للاجئين. هذان العاملان سهلا على الفصائل الأخرى في منطقة جنين رفع رؤوسها.
وبعد ذلك فاجأ الرئيس عباس الجميع وأعلن إجراء انتخابات المجلس التشريعي. وأعلنت حماس موافقتها على المشاركة وبدأت في تشكيل قائمة ستواجه فتح، وقررت الجهاد الإسلامي كعادتها عدم الدخول في النظام السياسي ككل.
كيف يرتبط كل هذا بمخيم جنين؟ الجهاد الإسلامي لها قوة ونفوذ في المنطقة، وفي الواقع، محافظة جنين هي بؤرة نفوذ الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وقد ساعدها الحد من الاعتقالات بسبب كورونا والانتخابات على إعادة تنظيم نشاطاتها وتوسيعها.
لأسباب عملياتية، قررت "إسرائيل" تقليص نطاق القوات التي قامت بتأمين منطقة التماس والجدار الفاصل في المنطقة. وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة حجم تهريب الأسلحة. منطقة جنين مليئة بالأسلحة: M-16 ، كلاشينكوف، بنادق بدائية الصنع من طراز كارلو، مسدسات، مختبرات لإنتاج المتفجرات والعبوات الناسفة.
منذ بداية وباء كورونا، أغلقت "إسرائيل" الحواجز بينها وبين السلطة الفلسطينية أو قلصت النشاط هناك. أحدها هو حاجز جلبوع (الجلمة)، الشريان الاقتصادي الرئيسي لجنين. في نهاية كل أسبوع، يأتي عشرات الآلاف من فلسطينيي الداخل للتسوق وقضاء بعض الوقت في جنين. بفضل هذه الحركة، ازدهرت مئات الأعمال في المدينة. كان إغلاق الحاجز بمثابة ضربة قاضية للتجار. أدت الضربة الاقتصادية إلى ازدهار تجارة الأسلحة.
هذا الوضع لعب لصالح الجهاد الإسلامي في جنين بشكل عام وفي مخيم اللاجئين بشكل خاص. اكتسبت الحركة، التي كانت قوية بالفعل هناك، المزيد من القوة. على عكس المخيمات الأخرى، داخل مخيم جنين للاجئين، يتم إجراء تدريب عسكري للمقاومين بشكل منتظم. عندما تكون هناك اقتحامات للجيش الإسرائيلي للمخيم، لا يمكن أن يمر دون اشتباك.
في مخيّم جنين، هناك شراكة مصيرية نادرة بين الفصائل: على عكس الاستقطاب القائم في الخارج بين حماس وفتح، على سبيل المثال، داخل المخيم، يقاتل المسلحون من مختلف الفصائل جنبًا إلى جنب.
لهذا السبب قام مخيم اللاجئين بتقليد نموذج غزة في الغرفة المشتركة بين جميع الأذرع العسكرية: الجهاد الإسلامي، حماس ومقاتلون من فتح، الذين ما زالوا يصرون على تسمية أنفسهم كتائب شهداء الأقصى، على الرغم من أنها لم تعد موجودة بالفعل وتم حلها، والقاسم المشترك بينهم الرغبة في محاربة إسرائيل بكل الطرق.
يبدأ عمل الغرفة المشتركة في مخيم جنين فور ورود تقرير عن نشاط لجيش الاحتلال الإسرائيلي في المخيم أو في إحدى القرى المجاورة. يتم تبادل الرسائل باستخدام الرسائل النصية أو واتس آب. بالإضافة إلى ذلك، يوجد في الغرفة المشتركة مجموعة من المراقبين، تتمثل مهمتهم في تصوير وتعقب وتحديد أي حركة مرور مشبوهة في المنطقة - بما في ذلك المركبات السرية.
الذين يديرون هذا النظام هم مسؤولون داخل المخيم؛ بسام السعدي، وهو أحد قادة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وكتائب شهداء الأقصى بقيادة جهاد أبو الكامل.
على مدى الأشهر الستة الماضية، كانت قوات الأمن الإسرائيلية تعمل في جنين والقرى المجاورة. وأدت العملية إلى اعتقال مقاومين واستشهاد نحو عشرين فلسطينيا. حوّلت هذه العمليات جنين إلى برميل متفجرات حقيقي. هروب السجناء الستة من سجن جلبوع - جميعهم من سكان محافظة جنين وخمسة منهم أعضاء في الجهاد الإسلامي (باستثناء زكريا الزبيدي) زاد من حدة الوضع.
ظاهرة فريدة تحدث في جنين هي تشجيع حماس على تحويل الجهاد الإسلامي إلى مساعد قوي لها في المنطقة. في الأشهر الأخيرة، كانت حماس تمول العمليات العسكرية للجهاد، والأخيرة تستخدم هذا التمويل لشراء أسلحة في محاولة لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وقال مصدر في المخيم إن حركة الجهاد الإسلامي لديها قائمة بالعمليات التي يجب تنفيذها، توزع على المجموعات العسكرية.
هؤلاء الشباب يخضعون أولاً لتدريب عسكري داخل منطقة المعسكر. في الأشهر الأخيرة، أصبحت منطقة حاجز الجلمة، بين "إسرائيل" وجنين، أيضًا منشأة تدريب، حيث يطلق مقاومون فلسطينيون من المخيم ومحيطه النار عليه ويرشقوه بقنابل أنبوبية.
من الصعب أن نرى في الأفق حلاً للمشكلة التي يخلقها مخيم جنين لكل من "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية دون عملية عسكرية مكثفة. على الرغم من التقارير المختلفة حول هذا الموضوع، فإن مثل هذه العملية ليست مطروحة حاليًا على الطاولة، بسبب العواقب المصاحبة لها، والتي يمكن أن تقوض استقرار السلطة الفلسطينية والاستقرار الأمني النسبي بشكل عام في الضفة الغربية. مثل هذه العملية يمكن أن تثير ردا من حركة الجهاد الإسلامي من قطاع غزة.