جريمة الطيونة بإطلاق النار بشكل مباشر من قبل قناصة متحصنين في بنايات تابعين للقوات اللبنانية، سمير جعجع، حسب تأكيدات من حزب الله وحركة أمل على رؤوس محتجين سلميين أمام القصر العدلي، هي نقلة نوعية في استدراج المقاومة إلى مربع الفتنة والحرب الأهلية، ويعتقد البعض الواهم والحالم بأنه يمكن النيل من محور المقاومة وحزب الله من خلال تسييس ملف جريمة مرفأ بيروت، وربما تراهن القوى الداخلية المسؤولية عن هذه الجريمة التي نفذتها نفس الجهة الحزبية والسياسية التي نفذت جريمة مجزرة بوسطة عين الرمانة قبل 46 عاماً وأدخلت لبنان في حرب أهلية استمرت 15 عاماً، أنها قد تستطيع النيل من حزب الله من خلال مجزرة الطيونة وتسييس جريمة المرفأ، كما سيست من قبلها جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، من خلال تعيين المحقق الألماني ديتليف ميليس، وكان المطلوب منه تحميل مسؤولية عملية الاغتيال إلى سوريا وحزب الله وهي تعتقد بأن رداً قاسياً من حركة أمل وحزب الله، قد يدفع أمريكا إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن وفرض تدخل دولي عسكري تحت البند السابع، ومن الواضح أنه بعد الفشل الأمريكي في إقامة ما بشرت به وزير خارجية أمريكا الأسبق "كونداليزا رايس" في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل لأول مرة بالوكالة عن أمريكا في تموز/2006، بإقامة ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، تلك الحرب أتت بتواطؤ من قبل دول النظام الرسمي العربي وفي المقدمة منها النظام السعودي، الذي قال بأن تلك الحرب تم خوضها بدون قرار من الدولة اللبنانية، وأن الحزب يخوضها من أجل أجندات خارجية.
نعم فشلت تلك الحرب في ترميم صورة إسرائيل التي تهشمت بعد انسحابها المذل من الجنوب اللبناني في 25/ أيار/2000 وتحرير الجنوب اللبناني وخلق دولة لبنانية ضعيفة غير مستقرة تضبط مقاومة ضعيفة، وكذلك لم تنجح تلك لا في تدمير البنية التحتية العسكرية لحزب الله ولا مخزونه وترسانته من الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى.
هذه الأهداف الثلاثة فشلت مجتمعة، وأنا لست بصدد الشرح والتفصيل لهذا الفشل.
أمريكا بعد انسحابها المذل من أفغانستان، تدرك جيداً بأن خروجها من العراق وشمال شرق سوريا مسألة وقت ليس أكثر، ولذلك هي تستخدم أدواتها في تفجير الأوضاع الداخلية في العراق ولبنان.. وتريد أن ترتب الأوضاع في المنطقة، بما يضمن لحليفتها الاستراتيجية دولة الاحتلال عدم تهديد وجودها وبقائها… وهنا نشير إلى أن السفيرة الأمريكية دورثي شيا المحرك الرئيسي والموجه لكل القوى والأحزاب السياسية الساعية إلى شيطنة حزب الله وقياداته واعتباره المسؤول المباشر عن كل ما حل في لبنان من أزمات اقتصادية ومالية وفقر وجوع، وليس حصار دولتها المالي والاقتصادي الذي فرضته على لبنان، ودورثي أصيبت بحالة من الهستيريا، عندما نجح حزب الله في كسر حصارها الاقتصادي على لبنان وسوريا وإيران، من خلال جلب النفط الإيراني إلى لبنان من إيران وعبر ميناء بانياس السوري، فهذا خلق صورة وحالة معاكسة عن حزب الله حيث هو الساعي لإنقاذ لبنان من أزمة المحروقات والأزمة الاقتصادية، وبالتالي ارتفعت شعبيته وزاد حضوره وتأثيره والثقة به لبنانياً… ومن هنا كان قرارها بأن أوعزت إلى الأردن ومصر باستجلاب الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان، حتى لو أدى ذلك لكسر قانون "قيصر للعقوبات على سوريا… ودورثي ونائبتها فيكتوريا نولاند تدسان أنفيهما في كل تفاصيل الشأن اللبناني، فدورثي تتدخل في القضاء اللبناني، وتقول " القاضي خط أحمر" والمقصود القاضي طارق البيطار، الذي يراد له أن يكونا "بطلا" هوليوديا، يسيس قضية جريمة المرفأ ويوجه الاتهام لحزب الله، ونولاند تواجدها في لبنان، ليس بالصدفة، في ظل تنفيذ كمين الطيونة، والهجوم الإسرائيلي الجوي عن طريق قاعدة " التنف" الأمريكية في سوريا، على برج للاتصالات في تدمر بريف حمص.
من قاموا بمجزرة الطيونة، كانوا يراهنون على ردة فعل حزب الله وحركة أمل، بأن الدم يجلب الدم وأن كرة النار تتدحرج، ويتحقق الهدف الذي يسعون إليه هم وحلفاؤهم الخارجيين، بدفع لبنان نحو الحرب الأهلية، حيث لم ينجح كمين خلدة في هذه المهمة، وكذلك كمين الطيونة، جنب لبنان بفضل حكمة حزب الله وحركة أمل وضبط جمهورهما وعناصرهما الغاضبة، من الرد على تلك الجريمة.
نحن ندرك بأن كمين الطيونة أتى بعد فشل الحرب العسكرية المباشرة في إضعاف المقاومة ونزعها من بيئتها الحاضنة، وكل محاولات شيطنتها، وكذلك لم تفلح كل الحرب على الأفكار والتي رافقتها حرب إعلامية وضخ إعلامي غير مسبوق، يحمل نفسا طائفيا ومذهبيا، في تحقيق أهدافه في " تطيف" المقاومة، وكذلك " تطيف" السياسة الخارجية لإيران، وما جرى تنفيذه من مجزرة في منطقة الطيونة، صحيح نفذ من خلال القوات الجعجعية، ولكن بدعم مباشر من النظام السعودي الذي تخلى عن الحريري لصالح جعجع، فهذا النظام يريد توسيع الهامش أمام المحقق العدلي وانكفاء المقاومة، وكذلك أيدي إسرائيل ليست بالبعيدة عن تأجيج الفتنة، حيث نقل إعلامها الخبر، بأن هناك تبادل إطلاق نار بين الشيعة والمسيحيين، وهم لا يردونها فتنة شيعية – سنية فقط، بل فتنة إسلامية – مسيحية، فالبقدر الذي يكون فيه لبنان ضعيفاً، تستطيع إسرائيل أن تفعل ما تريد، وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن الإمارات التي لها 20% من حصة الغاز الإسرائيلي في البحر المتوسط، هي الأخرى معنية بانفجار الوضع الداخلي اللبناني وتسييس قضية التحقيق.
ولذلك جاءت المرحلة الثالثة من الحروب بالعمل على تسييس التحقيق في جريمة المرفأ، وقول السفيرة الأمريكية دورثي، القاضي خط أحمر، فهو ينفذ الخطة والدور المطلوبين منه.
صحيح الهدف دفع لبنان الى حرب أهلية، وهي بالمناسبة ليست حربا داخلية، بل هناك شركاء أساسيون من الخارج فيها، أمريكا و"إسرائيل" والسعودية والإمارات وقوى غربية استعمارية، ولكن لا أعتقد بأن حزب الله الذي يشكل قوة إقليمية سيتم النيل منه من بوابة تسييس جريمة مرفأ بيروت.