لا يمكن اختزال ما قام به مواطن "تعس" من تحطيم لرأس أسدين حجريين على دوار المنارة في ظهيرة يوم فلسطيني غائم، بعبارات "التخلف" و "الجهل" و"الغوغائية"و"الداعشية"، أو بتقزيمه في أنه مجرد تعبير جليِّ لتغلغل المد الديني في قلوب بسطاء الناس؛ أو باعتباره أحد تمثلات الانقسام العامودي الذي طال الفلسطيني وفلسطينيته في كل قضيةٍ ورأي. ومع صحة كل تلك الآراء، إلا أنها آراء تسطيحية لعملية مسرحة فلسطين، التي يتحول فيها كل حدث، إلى حدث قادرٍ على الاستحواذ، والإلهاء –ولربما الترفيه- والتعبئة، وبث الحماسة، بل والتمفصل بصيغة الأحداث الرئيسية لامتلاكه ميزة التركيب على الحدث الأصلي الكبير خارج أروقة المسرح، بما له من ميزة تنافسية متمثلة في قابليته القصصية العالية بخصائصها الأولية؛ فهناك حكاية بزمان ومكان وحبكة وأدوات، وبشخوص رئيسيين وثانويين.
وفي قصتنا هذه يلعبُ دور البطولة رجلٌ، مجهول الاسم، يحمل مطرقة ينهالُ بها بعزم قوته على رأس أسدين، بينما أسدٌ ثالثٌ إلى جانبهما، أكبر منهما، لعله ينتظرُ دوره في إثرهما. وفي لحظة سوريالية من هذا المشهد التحطيمي ذي التصاعدية الدرامية التشويقية التوتيرية، يظهر صوتان من خلفية عملية التوثيق، لكن دونما صورة: أحدهما لرجل يشجعُ حامل المطرقة على قطع رأس الأسد الثالث؛ وآخرُ لامرأة تطلب استدعاء الشرطة التي تحضر مسرعة لإلقاء القبض على الفاعل، بينما يفر المحرض وتبدأ الشرطة في عملية بحث محموم عنه، لينتهي العرض بسُبَّة احتجاجية موجهة للفاعل. هكذا بسرعة وبساطة، وكأنما نشاهدُ واحدة من مسرحيات هنريك ابسن المتميزة بالاقتصاد في الأسلوب والإحكام في البناء.
ومع كل التكثيف الرمزي الذي في القصة للأسد ودلالاته وتمركزه في وسط المدينة، والاستقواء على الأسدين الأصغرين، وإنقاذ الأسد الكبير في اللحظة الأخيرة من قبل عناصر الأمن، التي تمارس مهامها في حماية الأسود في حدود دوار المنارة، يبدو العنفُ كأنما هو الحاضرُ الغائبُ في كل هذه المسرحة. إذ يتحول إلى شرطٍ لا يتحققُ بصيغته الطبيعية الكاملة، وكأنما هي ممارسةٌ للعنف في الـ لا عنف، أو تفريغٌ للعنفِ على الذات المُعنَّفة، والمقهورةِ اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. أو لربما هو افتقادٌ للمسلوب من حقٍ في العنف، ومن حق في إمكانية ممارسته في مجراه البديهي على شكل مقاومة المحتل، أو على شكل تحدٍ للسلطة السياسية التي تحتكرُ العنف وحدها وتمارسه ضد كل من يحاولُ أو يُفكر في تحطيم رأس الأسد.