الحدث- الأناضول
للمرة الأولى منذ بدئه عام 1948 يدخل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي منحىً قضائياً، ففي وقت لجأت فيه دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن منظمات إسرائيلية عمدت مدعومة من حكومتها إلى تكثيف مقاضاة السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، ومسؤولين فلسطينيين عبر القضاء الأمريكي بالإضافة إلى الجنائية.
وأصبحت فلسطين في الأول من أبريل/نيسان الجاري، عضواً رسمياً في المحكمة الجنائية الدولية، وينتظر المسؤولون الفلسطينيون إنهاء المدعية العامة للمحكمة، فاتوا بنسودا، دراسة تمهيدية (تحقيق أولي) أطلقتها في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، حول الحالة في فلسطين، قبل التقدم بإحالات ضد مسؤولين إسرائيليين بتهمة "ارتكابهم جرائم حرب" ضد الفلسطينيين.
وقال صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في تصريح لوكالة الأناضول، إن "الدراسة التمهيدية تعتبر مرحلة هامة للغاية، خاصة أن المدعية العامة في إطار دراستها لشروط الاختصاص والمقبولية تنظر أيضاً في القضايا الممكن الملاحقة على أساسها، وتباشر بتحديد الأشخاص الأكثر مسؤولية عن الجرائم الأكثر خطورة".
وبحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة الجنائية، فإنها تختص بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان.
ويقول مسؤولون فلسطينيون، إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين إضافة إلى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية هي "جرائم حرب".
ولم يسبق أن لجأ الفلسطينيون إلى مقاضاة إسرائيل دولياً، ما يجعل الانضمام إلى هذه المحكمة نقطة تحول في العلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية من اعتماد كامل على المفاوضات التي استمرت أكثر من 20 عاماً دون تقدم إلى اللجوء للقضاء.
وفي هذا الصدد، رأى عريقات أن "هذه الإستراتيجية تعتبر نقطة تحول في التاريخ الفلسطيني المعاصر، باعتبارها استجابة لضرورة وطنية ملحة، وحقاً إنسانياً وقانونياً لحماية شعبنا وصموده، وشكلاً من أشكال الاشتباك القانوني مع الاحتلال، وتكريس سبل نضال شعبنا على جميع الجبهات".
وقال: "لم يعد بالإمكان الاستمرار بإستراتيجية المفاوضات والحل السلمي فقط، في ظل تملص إسرائيل من التزاماتها السياسية والقانونية والاتفاقات الموقعة، وفرضها لسياسة الأمر الواقع، من تكثيف الاستيطان، وتهويد القدس ومحيطها، وعمليات التطهير العرقي التي تقودها من هدم المنازل وتشريد سكانها، وإلغاء وجودهم عن الخارطة السياسية والجغرافية".
وبحسب عريقات، تعكف منظمة التحرير الفلسطينية بالتعاون مع خبراء القانون المحليين وفي الخارج، على إعداد ملفي الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والاستيطان في الأراضي الفلسطينية لتقديمها إلى المحكمة.
وفي هذا الصدد، قالت اللجنة الوطنية الفلسطينية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية فيما أسمته "ورقة موقف" وصلت نسخة منها لوكالة الأناضول: " قررت دولة فلسطين انتهاج إستراتيجية تدويل قضيتها، من أجل تحقيق الحقوق غير القابلة للتصرف، والعدالة التي طال انتظارها لشعبنا، وإنهاء عقود من الاستعمار، والتشرد، والتهجير، والطرد القسري، بما في ذلك الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على أبناء شعبنا في قطاع غزة المحتل العام الماضي".
وتخشى إسرائيل الملاحقة القضائية لمسؤوليها وجنودها في حال قيام دولة فلسطين بإحالة دعاوي إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب".
وسعت الحكومة الإسرائيلية من خلال الضغط وعبر الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى لإقناع السلطة الفلسطينية بعدم المضي قدماً في طلب العضوية في المحكمة الجنائية الدولية، بحسب مسؤولين فلسطينيين.
وفي ظل إخفاقها في تحقيق مطلبها، فإن إسرائيل تلوح الآن بإجراءات ضد الفلسطينيين في حال التقدم بدعاوي ضد جنودها ومسؤوليها إلى المحكمة.
وبحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين، فإن الإجراءات تبدأ باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها، وقد تصل إلى حد ضم أراض في الضفة الغربية إلى إسرائيل.
ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية بأنها" مناورة سياسية، منافقة وساخرة".
غير أن الرد الإسرائيلي لم يتوقف عند بيانات الإدانة، إذ قالت منظمة "شورات هدين" الإسرائيلية (اليمينية وغير الحكومية) في تصريح مكتوب أرسلت نسخة منه للأناضول: "لقد بدأنا بالفعل الرد على الجهود الفلسطينية للتحقيق مع ضباط الجيش الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية".
ولفتت "شورات هدين" (التي تعني بالعربية مركز القانون)، و تترأسها المحامية نتسانا دارشن ليتنر، على موقعها الإلكتروني إلى أنها" تعمل مع وكالات استخبارات غربية ( لم تحددها) ، ومؤسسات فرض القانون، وشبكة من المتطوعين حول العالم، لتقديم دعاوي قانونية نيابة عن العالم اليهودي"، وفق مراسل الأناضول.
ولا تكتفي هذه المنظمة بتقديم الدعاوي ضد الفلسطينيين في المحاكم الأمريكية، وإنما أيضاً في المحكمة الجنائية الدولية ذاتها.
وإسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
ويتضح من الموقع الإلكتروني للمنظمة أنه منذ يناير/كانون الثاني 2014 تقدمت بقضايا إلى المحكمة الجنائية ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، ورئيس المخابرات العامة الفلسطينية، اللواء ماجد فرج، ورئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله.
وتتهم المنظمة مشعل، والرئيس عباس، والرجوب، بارتكاب "جرائم حرب"، أما فرج، والحمد الله، فتتهمهما بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
وحتى الآن لم تعلن المحكمة الجنائية الدولية أنها بدأت النظر في هذه الدعاوي غير أنها أعلنت أنها شرعت بتحقيق أولي حول الحالة في فلسطين.
ولكن وإن كانت المنظمة الإسرائيلية لم تنجح حتى الآن في المحكمة الجنائية، فإنها نجحت في قضية تقدمت بها إلى محكمة فيدرالية في ولاية نيويورك الأمريكية قررت في شهر فبراير/شباط المنصرم أن تدفع السلطة الفلسطينية تعويضات بقيمة 218 مليون دولار أمريكي لعائلة قتلى أمريكيين سقطوا في عمليات وقعت في الأراضي الفلسطينية في الفترة ما بين 2002-2004 .
واتهمت المنظمة في دعواها تلك، السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بـ"تقديم الدعم للمسلحين الذين نفذوا هذه العمليات"، فيما استأنفت السلطة الفلسطينية ضد قرار المحكمة.
وقالت المنظمة إن "الفلسطينيين بانضمامهم إلى المحكمة الجنائية الدولية يسعون إلى ملاحقة مسؤولين وجنودا إسرائيليين وتقديمهم إلى المحكمة ".
وأضافت في تصريح مكتوب وصل وكالة الأناضول نسخة منه "بعد أن أخفقوا في تحقيق أهدافهم المتطرفة من خلال المفاوضات المباشرة فإن الفلسطينيين يسعون الآن لنقل الصراع إلى الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية المتحاملة (على إسرائيل)".
ورأت أن "عضوية الفلسطينيين في المحكمة الجنائية هي تغيير لقواعد اللعبة، ولا يمكن تجاهل تهديد لوائح اتهام جرائم الحرب، لا توجد وسيلة متوفرة لدى إسرائيل لمنع أو الرد على اتهامات جرائم الحرب هذه أمام المحكمة الجنائية الدولية المنحازة ضدها".
وفي إشارة إلى ما ينتظر الجنود الإسرائيليين في حال تقديم الدعاوي الفلسطينية إلى المحكمة، قالت"شورات هدين": "لن يكون بإمكان الجنود السفر إلى الخارج وسيرتدعون عن الانخراط في الوحدات القتالية، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير القوات المسلحة".
وأشارت إلى أنه في حال جرى ذلك "سيتم إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، وهو ما سيؤدي إلى كارثة دبلوماسية، وأنه إذا ما تم توجيه لوائح اتهام ضدها فإن إسرائيل ستخضع للعقوبات والعزلة الدولية ".