الحدث- عمار الدويك
يُطرح بين الفينة والأخرى، على خجل، موضوع اختيار نائب للرئيس. وقد تم تداول هذا الموضوع على مستوى اللجنة المركزية لحركة فتح ووصل النقاش إلى درجة الحديث عن آلية داخلية لانتخاب نائب للرئيس، لكن الموضوع ما لبث أن تراجع لاسباب غير واضحة. يثير هذا الموضوع اسئلة سياسية وقانونية، والأهم من ذلك أنه يطرح اسئلة حول ما هي ترتيبات انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس، في ظل غياب المجلس التشريعي وحالة الانقسام السياسي.
من الناحية السياسية، يعكس الحديث عن اختيار نائب للرئيس حالة القلق من غياب اتفاق على من هو الرجل أو الشخص الثاني في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحتى في حركة فتح. فالرئيس عباس لم يتخذ خلال فترة حكمة أية خطوات لتهيئة شخص ثان، بل على العكس أضعف كل شخص وصل إلى مرحلة يمكن أن يوصف فيها بأنه الشخص الثاني. وبالتالي أصبح هناك مجموعة لا بأس بها من الشخصيات التي تعتبر نفسها مرشحة قوية لخلافة الرئيس عباس، وهذا بدوره قد يخلق صراعات وانقسامات داخل حركة فتح إذا لم تتم إدارتها بحكمة قد تؤدي إلى أزمة سياسية يمكن أن تطال وجود السلطة الفلسطينية. وبالتالي يمكن قراءة مسألة الحديث عن تعيين نائب للرئيس في هذا الوقت على أنها محاولة لتهيئة الشخص الثاني الذي يمكن أن يكون مرشحا قويا في حال شغور منصب الرئيس، وحسم الخلاف بشكل مسبق وفي وجود الرئيس محمود عباس قبل أن تصبح إدارة الخلاف بعد ذلك عملية معقدة تصعب السيطرة عليها. لكن يبدو أن الاتفاق على الشخص الثاني الذي سيكون نائباً للرئيس في الوقت الحالي ليست بالمهمة السهلة ايضا.
أما من الناحية القانونية والدستورية، فلا يوجد شئ في النظام الدستوري الفلسطيني اسمه نائب رئيس، وبالتالي فإن الحديث عن اختيار نائب للرئيس، دون تعديل القانون الاساسي، سوف لا يعدو أن يكون موضوعاً داخلياً لا قيمة أو أثر قانوني له، وفي حال استحداث هذا المنصب بمرسوم رئاسي وتعيين شخص فيه لن يكون لشاغل هذا المنصب أية صلاحيات دستورية أو قانونية، ولن تؤول إليه رئاسة السلطة بشكل تلقائي في حال شغور منصب الرئيس، وإنما سيكون منصبه مراسيمياً لا تتعدى مسؤولياته متابعة الملفات التي يعهد إليه الرئيس بها مثله مثل أي مستشار أو مساعد للرئيس. لكن، سيكون لهذا المنصب أهمية ومغزى سياسي بحيث أنه في الأغلب سيكون نائب الرئيس هو المرشح الأوفر حظا لتمثيل حركة فتح أو تيار السلطة الفلسطينية والفصائل المتحالفة معه في الانتخابات القادمة، ما لم يكن الحديث هنا عن تعيين نائب رئيس على طراز عبد الحليم خدام، الذي استمر في منصب نائب الرئيس بعد وفاة حافظ الاسد وانتقال السلطة لابنه بشار، وفي هذه الحالة لن يكون لهذا المنصب أي مغزى سياسي أو قانوني.
السؤال الأهم المطروح، والذي من حق المواطنين الفلسطينيين أن يتلقوا عليه جواباً واضحاً ومطمئناً، ما هي ترتيبات أو آليات انتقال السلطة في حال شغور منصب الرئيس؟ في ظل الانقسام وتعطل كثير المؤسسات الدستورية، لا يمكن تقديم جواب قاطع لكن يمكن التنبؤ بعدة سيناريوهات: السيناريو الاول أن يتم المرور عبر القناة التي حددها القانون الاساسي في المادة 37 والتي تنص على أنه في حال شغور منصب الرئيس بسبب الوفاة أو الاستقالة أو فقد الأهلية، يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.
هذا السيناريو هو الأمثل قانونيا وسياسيا وهو ذات السيناريو الذي اتى بالرئيس أبو مازن للسلطة. وهو الأسلم والأفضل لتقوية شرعية اي رئيس قادم ولإعادة الحياة للمؤسسات الدستورية التي تراكم عليها غبار الانقسام وتآكلت شرعيتها بفعل عوامل الزمن. لكن قد يبدو تنفيذه صعبا في ظل غياب المجلس التشريعي، وعدم اتفاق الفصائل على صحة ولاية رئيس المجلس، الدكتور عزيز الدويك، الذي انتخب لسنة واحدة حسب النظام الداخلي للمجلس التشريعي. كما أن تنظيم انتخابات بحاجة إلى توافق اطراف عديدة محلية واقليمية ودولية، بما في ذلك موافقة اسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس وفي كافة المناطق دون إعاقة. لكن هذا السيناريو على صعوبته ليس مستحيلا بالمطلق. فمن الممكن، عند الحاجة، أن يتم التوافق بين حركتي فتح وحماس على دعوة المجلس التشريعي للانعقاد وانتخاب رئيس له ليكون الرئيس المؤقت، وهنا يمكن أن يتم التوافق على اختيار رئيس للمجلس التشريعي من خارج الحركتين ليقوم بهذا الدور. كما أن تنظيم الانتخابات في الضفة وغزة، بما في ذلك القدس، هو أمر ممكن عمليا إذا توفرت الظروف السياسية الملائمة والدعم الدولي، ولدى لجنة الانتخابات الطواقم والخبرات اللازمة لتنظيم الانتخابات خلال المدد الزمنية الدستورية.
السيناريو الثاني، هو أن يتعذر السير في الترتيبات الدستورية حسب السيناريو الأول، لأي من الأسباب التي هي كثيرة، وبالتالي لا يتم اجراء انتخابات وإنما يجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير ويختار رئيساً للسلطة أو يفوض شخصا بتسيير الرئاسة بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات. هذا السيناريو هو الأرجح أن يحصل بسبب سهولته وسرعة إنجازه بحيث لا يترك أي فراغ دستوري. كما أنه لا يحمل مفاجآت أو مخاطر لتيار السلطة والفصائل المتحالفة معه في حال التفافهم على مرشح واحد. وهنا قد تأتي أهمية اختيار نائب للرئيس في الوقت الحالي حيث سيكون على الارجح هو الشخص الذي سيختاره المجلس المركزي. مشكلة هذا السيناريو، أن هذا الترتيب لا يوفر الشرعية الكافية للرئيس القادم باعتباره غير منتخب، وهذا من شأنه أن يعمق الازمة الداخلية ويضعف قدرة الرئيس الذي يتم اختياره وفق هذه الالية في تمثيل الشعب الفلسطيني داخليا وخارجيا. كما أن خلافات عميقة قد تنشب على تحديد هذا الشخص وقد تحصل انقسامات تحول دون وصول المجلس المركزي إلى قرار، وبالتالي يصبح هناك فراغ حقيقي.
سيناريو ثالث، هو أن يصبح هناك رئيس لمنظمة التحرير يتم اختياره من قبل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبمباركة المجلس المركزي، دون أن يكون هناك رئيس للسلطة، وأن يتولى رئيس الوزراء بشكل مؤقت تسيير السلطة إلى حين انتخاب رئيس لها. هذا السيناريو أيضا له ما للسيناريو الثاني وعليه ما عليه، ويضاف إلى ذلك أنه يضعف بشكل أكبر من شرعية منصب الرئيس وشرعية الكثير من القرارات التي قد يتخذها رئيس الوزراء ويخلق فراغاً دستوريا.
في جميع السيناريوهات، ستكون هناك عقبات محتملة قد تفشل عملية اختيار رئيس قادم برمتها. ولتجنب المزيد من الانقسامات والتفتت في النظام السياسي الفلسطيني، أو حدوث فراغ دستوري، فإن أفضل ترتيب ممكن هو ما يلي: أن يقوم الرئيس أبو مازن بالدعوة إلى اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وأن يعلن عدم نيته الترشح لكن دون أن يقدم استقالته من رئاسة السلطة، وبالتالي يستمر في عمله إلى حين تنصيب رئيس جديد، وفي هذه الحالة لا تطبق أحكام المادة 37 من القانون الأساسي، التي حصرت الحالات التي يتولى فيها رئيس المجلس الرئاسة بشكل مؤقت في 3 حالات فقط وهي الوفاة، الاستقالة، فقد الاهلية. وهنا يشرف الرئيس بنفسه على العمليه الانتخابية ويقوم بتذليل أية عقبات سياسية قد تواجهها، ويضمن انتقال سلس للسلطة في عهده إلى رئيس منتخب جديد.
ويمكن أيضاً للرئيس محمود عباس أن يحتفظ بمنصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لمدة مؤقتة يتم خلالها الاتفاق على آلية لانتخاب المجلس الوطني وهيئات منظمة التحرير الأخرى. وهذا سيؤدي إلى انفصال في منصبي رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة، بحيث يصبح منصب رئيس السلطة أقرب إلى منصب رئيس الوزراء، وعندها قد لن تكون هناك حاجة إلى منصب رئيس الوزراء ويفضل أن يجمع رئيس السلطة بين المنصبين، وان ينحصر دوره في إدارة شؤون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين يتولى رئيس منظمة التحرير الملفات الخارجية المصيرية التي تهم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.