السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لا لتبرير التطبيع| بقلم: سامي سرحان

2021-10-28 08:43:36 AM
لا لتبرير التطبيع| بقلم: سامي سرحان
أرشيفية

 

مسؤول سوري كبير، هكذا وصفته وسيلة الإعلام التي نقلت عنه التصريح ولم يفصح عن اسمه أو موقعه السياسي، قال هذا "المسؤول الكبير" إن الفلسطينيين يتحملون مسؤولية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية إعلان المبادئ المعروف باتفاق أوسلو مع الكيان الإسرائيلي، فهل هذا المسؤول يدرك أن دولة عربية مركزية أقدمت على توقيع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل وأن علاقات من تحت الطاولة بين معظم الحكام العرب وقادة الكيان الصهيوني قائمة قبل عقود من اتفاق أوسلو وأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى لم تكن غير شعار شعبوي يرده الحكام العرب لتخدير شعوبهم التواقة للتحرير من الاستعمار والخطر الصهيوني الذي يهدد حاضرهم ومستقبلهم، وهل هذا المسؤول الكبير يدافع عن المطبعين ويبرئ ذمتهم من القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى والواجب القومي ويبرر لهم فعلهم الخياني تجاه القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني، بالطبع ليس أكثر من سوريا من يتمسك بشعار "القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى"، ويدرك أن ما حل بسوريا من دمار وخراب وحصار وتهجير وقتل على مدى أحد عشر عاما هو ضريبة لموقفها القومي من القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية، ولكن ألا يثير هذا التصريح اشمئزاز الفلسطينيين ويطرح السؤال التالي: هل أن انفتاح بعض دول التطبيع كالإمارات على سوريا وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها يقتضي التغاضي عما أقدم عليه حاكم الإمارات من خيانة للقدس والأقصى وفلسطين والجولان حيث تحلق اليوم طائرات الإمارات الحربية مع الطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلة.

إن سوريا دولة مواجهة مع الكيان الإسرائيلي وجزء من أرضها محتل بل أكثر من محتل عندما أقدمت إسرائيل على إعلان ضمها للجولان المحتل كما القدس المحتلة، وبارك سيء الذكر دونالد ترامب هذا الضم واعترف به. وهذا يعني أن سوريا لن تذهب في طريق التطبيع وهي التي خاضت عدة حروب مع الكيان الصهيوني ولا تزال تعلن في كل مناسبة أن الجولان أرض سورية محتلة يجب تحريرها وبالتالي فإن تبرير التطبيع أمر غير طبيعي من أي مسؤول سوري كبير أو صغير.

ويدرك السوريون أن الفلسطينيين في اشتباك يومي مع الاحتلال الإسرائيلي في كل شبر من الأرض الفلسطينية لتحرير وطنهم من الاحتلال والحفاظ على هويتهم وقدسهم وأقصاهم أقصى المسلمين والعرب بمليار وثمانمئة مليون منهم ويسقط منهم الشهداء يوميا وتهدم بيوتهم وتصادر أرضهم، والسجون الإسرائيلية مليئة بالمناضلين منهم من كل الفصائل والأحزاب والمنظمات، ويواصل نضاله في أعقد وأصعب الظروف مثل أوسلو وبعده الذي بات شماعة للخونة و للمتخاذلين من حكام العرب ومسؤوليهم ولم يكن أوسلو سوى خطوة على طريق نضال الشعب الفلسطيني سواء اتفقنا معه أم اختلفنا من أجل إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وقد أدركت إسرائيل خطورة اتفاق أوسلو على مشروعها وكيانها التوسيعي فتنكرت له إلى حد قتل إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي توصل إلى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، ليست أي فلسطيني ولا منظمة التحرير الفلسطينية من يفرط بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وليست فلسطين مكسر عصا لأحد لتبرير تطبيع الإمارات والمطبعين الآخرين في البحرين والمغرب والسودان.

إننا مع سوريا شعبا وحكومة ورئيسا في أن تتجاوز سوريا المرحلة الصعبة التي تمر بها وتعود إليها عافيتها وتعود إلى الجامعة العربية فاعلة ومؤثرة بمواقفها القومية الراسخة وأن يرتفع صوتها عاليا في القمة العربية القادمة يندد بالتطبيع والمطبعين ويسهم في جمع شمل العرب وتوحيد كلمتهم ومواقفهم حول الحقوق العربية في فلسطين وفي سوريا والعراق وكل الأقطار العربية التي تتعرض لهجمة شرسة من أعدائها البعيدين والقريبين وباتت  معظم الدول العربية دولا فاشلة لا وزن لها في الساحة الدولية ولا ثقة لشعوبها بحكامهم وللأسف كما نسمع هذا الكلام عن التطبيع والترويج له و تبريره من مسؤول سوري كبير نسمعه من مسؤولين عرب آخرين، فالعراق الأبي الذي خاض جيشه وشعبه كل حروب فلسطين وانغرست رفات شهدائه في أكثر من مكان من فلسطين واختلط دمهم بتراب فلسطين دفاعا عن عروبة فلسطين، نسمع اليوم من مسؤولين فيه ومن بعض المرشحين للانتخابات والنواب العراقيين أن التطبيع مع إسرائيل قضية متداولة في العراق على المستوى السياسي والحزبي ويذهب البعض إلى القول إن الانتخابات النيابية التي جرت في العاشر من الشهر العاشر 2021 هي استفتاء شعبي على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ولم يعد التطبيع في عرف هؤلاء محرما وفقا لفتوى المرجعيات الدينية الشيعية والسنية وغيرها من مرجعيات الشعب العراقي متعدد الإثنيات والقوميات والديانات والمذاهب، وبعد الرفض العراقي الرسمي والشعبي الواسع للمؤتمر الذي عقد تحت ظلال التطبيع في عاصمة إقليم كردستان أربيل فهل بات التطبيع من الكيان الإسرائيلي في العراق مجرد وجهة نظر وهل لبرلمان منتخب من 14% ممن لهم حق التصويت من الشعب العراقي مخول في بحث أو مجرد طرح قضية التطبيع.

إن حكومة عراقية تنبثق عن هذا البرلمان لا أخالها تقدم على مثل هذا الأمر الخطير الصادم للوجدان العراقي وما تربى عليه الشعب العراقي الأبي من عزة وكرامة رغم ما يعانيه الشعب العراقي من تدمير لمؤسساته وفقدانه أبسط مقومات الحياة الكريمة وهو الدولة التي تعيش على بحر من النفط والثروات الطبيعية الأخرى والثروة البشرية التي تؤهله أن يكون في مصاف الدول المتقدمة في العالم ولا تحتاج إلى معونة من أحد غربا أو شرقا، والأمر كله بيد شعب العراق لينهض ويوحد صفوفه ويستذكر مجده ويسعى إلى مستقبله ليس العراق البحرين أو الإمارات أو المغرب التي تصادر فيها إرادة الشعوب وتتسلط عليها نظم ملكية وحكام فاسدون يرون في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي مخرجا من أزماتهم وفي  التبعية للولايات المتحدة وسياستها الموالية لإسرائيل النجاة من الأخطار التي تحيط بأنظمتهم.

 ولتكن العبرة للأحزاب التي تسعى إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بدافع من حكام بلدانها ما حل بحزب العدل والمساواة المغربي الذي دفع رئيسة العثماني لاتفاق التطبيع مع إسرائيل وكيف لفظه الشعب المغربي في أول انتخابات جرت بعد التطبيع حتى كاد أن يمحى من الخارطة الحزبية في المغرب بعد أن كان يحظى بأغلبية أصوات مجلس النواب المغربي مع حلفائه أهلته ولو شكليا برئاسة الحكومة رغم معرفة الجميع أن رئيس الحكومة في المغرب لا رأي له في الشؤون السياسية الخارجية أو علاقات المملكة المغربية مع الكيان الإسرائيلي التي يرسمها الملك ومستشاروه، ولتكن فلسطين وحقوق شعب فلسطين والقدس ورئاسة لجنة القدس فداء لاعتراف الولايات المتحدة بالصحراء أرضا مغربية لتوقظ خلافا بين الجزائر والمغرب يمتد لعقود حول نزاع الصحراء.

 ولعل السودان بحكامه العسكريين هو النموذج الأمثل للحكام العرب الذين لا يكادون يفارقون كرسي الحكم حتى يعودون إليه مهما كان الثمن والمصير الذي ينتظرهم فهم مستعدون للتضحية بوحدة البلاد وإفقار العباد وقتله جوعا ومرضا وإطلاق الرصاص عليه إن تطلب الأمر في سبيل الحفاظ على الكرسي ونشوة السلطة وامتيازاتها.

 خرج شعب السودان بالملايين كالطوفان وأسقط البشير وظن أنه أسقط نظام البشير عندما جاء بمجلس السيادة السوداني بمكونيه العسكري والمدني وأجلس على رأسه عبدالفتاح البرهان برتبة فريق كان قد أحيل إلى التقاعد في عهد البشير الذي امتد لنحو ثلاثين عاما فأغرق السودان بالديون وانفصل جنوبه عن شماله وبات رغيف الخبز أسمى أمنيات المواطن السوداني الذي يشق بلاده أعظم نهر في الدنيا هو نهر النيل.

ما إن جلس البرهان على رأس مجلس السيادة الانتقالي في الفترة الأولى التي أنيطت بالعسكريين حتى اكتشف أن سر بقائه في المنصب هو التطبيع مع إسرائيل فكان لقاؤه الشهير مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي في حينه في أوغندا، وكان ذلك اللقاء فاتحة عصر التطبيع مع السودان وكانت الجائزة لحكام السودان الجدد رفع اسم السودان من قائمة أمريكا للدول الراعية للإرهاب وشطب مليارات الدولارات من الديون التي تراكمت على السودان من الثلاثين سنة الماضية، لكن كل ذلك لم يفد الشعب السوداني بشيء ولم يتوفر له الخبز والطبابة والعمل وبات الحال أسوأ مما كان عليه، ومع اقتراب نهاية فترة البرهان في رئاسة مجلس السيادة الانتقالي وتولي المكون العدلي لرئاسة المجلس قام البرهان وعسكره بانقلاب على نفسه وعلى المكون المدني والحكومة برئاسة عبدالله حمدوك فحل مجلس السيادة الانتقالي الذي يرأسه وحل الحكومة واعتقل شريكه حمدوك الذي تواطأ معه على التطبيع وسجن عددا من الوزراء الطامحين للسلطة.

السؤال الذي يثار اليوم يتعلق بموقف الولايات المتحدة من انقلاب البرهان على حمدوك طالما أن الاثنين من دعاة التطبيع مع إسرائيل ومن الممثلين للتوصيات الأمريكية وسياستها في المنطقة التي تقوم على حماية مصالح إسرائيل وتفوقها على غيرها من دول المنطقة خاصة وأن الانقلاب تم في حضور فيلتمان المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي والمعروف بتأييده لإسرائيل والساعين للتطبيع معها، والملاحظ أن الموقف الأمريكي المعلف من الانقلاب هو رفض الانقلاب والتمسك بالمسار الذي حددته وثيقة الشراكة بين المكونين المدني والعسكري التي تقضي بتسليم السلطة للمدنيين بعد انقضاء مدة البرهان لإجراء الانتخابات التي تفضي إلى تسليم السلطة للمدنين وتكوين مجلس تشريعي يقر الاتفاقيات التي عقدت مع مجلس السيادة الانتقالي بما فيها التطبيع مع إسرائيل والسير في هذا المجال إلى نهاياته بإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء في ظل نظام ديمقراطي سوداني مفترض ترغب فيه الولايات المتحدة شكليا في ظل إدارة جو بايدن.

والأمر نفسه ينطبق على لبنان، السباق في التطبيع والرغبة فيه على غيره من الدول العربية

فلبنان منقسم على نفسه شعبيا وحزبيا حول التطبيع مع إسرائيل ، فريق منه ذهب إلى التطبيع وإقامة علاقات عملية مع الكيان الإسرائيلي منذ العام 1982 وحتى قبل ذلك، والفريق الآخر يقاوم التطبيع والأطماع الإسرائيلية في أرض ومياه ونفط وغاز لبنان، وهذا الفريق سيتعرض لضغوط أمريكية وأوروبية وعربية وحصار سياسي واقتصادي ومالي وإعلامي لإرغامه على الخروج من المعادلة اللبنانية الذاهبة إلى التطبيع مع إسرائيل أو تقسيم لبنان إلى كانتونات ودولة طائفية.

 لقد أسقط اللبنانيون ومقاومتهم المشاريع الإسرائيلية في لبنان ودفع الانعزاليون ثمن تواطؤهم مع المحتل الإسرائيلي، غير أن أصواتهم ومحاولاتهم لم تتوقف بعد ويذهبون بدعواهم إلى "حياد لبنان "  عن الصراعات في المنطقة وبالتحديد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والتعايش مع دولة الاحتلال التي لا تحظى أطماعها في كل الجنوب اللبناني وحتى الليطاني ولا زال الطرف الذي يميل إلى التطبيع محاصرا رغم الدعم الخارجي له على المستوى السياسي والمالي ولكنه لا يكف عن محاولاته حتى اليوم.