احتفلنا بانتقاد الإدارة الأمريكية الحذر والمتحفظ للحرب التي أعلنها جانتس على المنظمات غير الحكومية الست، والتي يقدر أنها مقدمة لحرب أوسع على كل مكونات المجتمع الفلسطيني، وفعالياته النشطة وخصوصا تلك التي تستمد قوتها وتأثيرها من كونها غير رسمية وغير حكومية.
واحتفلنا كذلك بالموقف الأمريكي شديد اللهجة من الاستيطان، الذي ضاعفته الحكومة الإسرائيلية مستفيدة من كونها المدللة من قبل إدارة بايدن كثأر للديمقراطيين من الجمهوري الترامبي نتنياهو.
لا يلام الفلسطينيون على الاحتفال فهم يحتفلون حتى لو أصدر وزير خارجية "الواق الواق" موقفا لصالحهم، فالفلسطينيون دأبوا على جمع التأييدات قطرة قطرة ومن أي جهة جاءت.
غير أن ما ينبغي أن يقال لرئيس الإدارة الأمريكية الذي عانى سلفه الديموقراطي باراك أوباما من تطاول نتنياهو عليه، دون أن يقوى على مجرد انتقاده أو الرد على تطاوله ولو بتصريح مقتضب.
في فترة الديموقراطيين التي سبقت فترة ترمب، عانت السياسة الأمريكية الشرق أوسطية من عبث نتنياهو، ورأينا ذلك في ما حدث مع وزير الخارجية جون كيري صاحب السنة الشرق أوسطية بامتياز، ورأينا ذلك حين صفق الكونجرس لنتنياهو أكثر من ثلاثين مرة دون علم الرئيس بالدعوة وكل ترتيباتها، وتابعها كأي مواطن أمريكي من على شاشة التلفاز.
وإذا ما برّأنا باراك أوباما وبايدن من حكاية صفقة القرن وتصميم السياسة الأمريكية الشرق أوسطية في مطابخ الليكود طيلة أربع سنوات، فإن ما ينبغي أن يقال للسيد بايدن أن إسرائيل تمتلك قدرة على تجويف أي انتقاد أمريكي وجعله مجرد كلام وقد يُعتَذَر عنه، وتمتلك كذلك قدرة أكبر على توظيف موقف بايدن الذي يقول "مع حل الدولتين ولكن لا مجال لتطبيقه على المدى القريب وحتى المتوسط". فهي توظف هذا القول في سياق خدمة أجنداتها المضمرة والمعلنة التي تقوم على كسب الوقت لتنفيذها وتعزيزها وتجذير معطياتها، وكل ذلك حين يتوفر لإسرائيل الوقت بجعل من حل الدولتين الذي يفضله بايدن مجرد شعار مستحيل التطبيق.
أخيرا لا بد وأن يقال لبايدن كذلك إلى جانب شكرا على الموقف من الحرب الإسرائيلية على المنظمات غير الحكومية، وكذلك على الموقف المنتقد للاستيطان... ما دامت إسرائيل المدللة تحظى باستثناء صريح من كل القواعد والضوابط الدولية وحتى الأمريكية، فمصير الكلام أن يذهب أدراج الرياح، وما يبقى على الأرض هو ما تقرره وتفعله إسرائيل، وكما قالت العرب يا صديقنا بايدن مع الدعاء قليلٌ من القطران.
ويبدو أن لا قطران لدى بايدن سوى هادي عمرو الذي قد يتحفنا بزيارة جديدة.