الاقتصاد الفلسطيني متواضع جدا، بإمكاناته ومدخلاته وموارده وبنياته الهشة، إذ أن المتتبع بعمق للتسوية "السلمية" منذ بدايتها يدرك أن الاعتمادية الهيكلية على الاحتلال قد كانت شرطا صريحا في كثير من فقرات الاتفاق وضمنيا في القليل منها، وقد تجلى ذلك باتفاقية باريس المهينة.
الاحتلال سعى دوما للهو بنا، تارة عبر تفعيل أدوات العبث بنا سياسيا، وتارة أخرى اقتصاديا، بمحاذاة هذا وذاك يمارس ولأقصى مدى ممكن البطش الميداني على الأرض للفتك بنا بجانب تقوية أركانه بمختلف تظاهراته.
على الصعيد الاقتصادي، تجده وبصلف يتحكم بمنسوب النشاط الاقتصادي التفاعلي مستعينا بعصا الاعتمادية والتبعية شبه المطلقة لكينونته الاقتصادية، إذ أنه عمل ويعمل بصمت ودهاء الآن -تحت مظلة التسهيلات الاقتصادية والإنسانية- على دعم وإسناد زيادة منسوب النشاط الاقتصادي الفلسطيني بما يتجاوز حدود قدرته وظروفه ذات الطبيعة الخاصة وموارده المحدودة المتآكلة بالأساس، متعمدا إيهام المجتمع الدولي المتآمر علينا بأنه يقوم بالدور الإنساني في حين أن كل ما يقوم به يؤدي بالضرورة إلى تعميق مستوى هدر الموارد المحدودة جدا بطبيعتها من جهة، وإلى ارتفاع الأسعار من الجهة الأخرى، الأمر الذي يهدد كل شرائح وقطاعات الأعمال القائمة عبر التآكل التدريجي السلس المتبقي من الثروة الكامنة في أيدي المواطنين.
بلغة الاقتصاد، يؤدي ما أشرت إليه إلى زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات الأمر الذي يفضي إلى الزيادة المضطردة على تكاليف الإنتاج، إذ أن ذلك قد يوحي- لمن يتعامل بسطحية- إلى أن الأداء الاقتصادي قد تعافى من علله الكامنة به بسبب النشاط الوهمي الإيحائي بارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي التفاعلي، في حين أن ما سيتبع ذلك على المدى المتوسط-ربما- كسادا تضخميا لا يمكن السيطرة عليه سيما وأن السياستين المالية والنقدية لا حول لهما ولا قوة!
أعتقد بأن المورد الحقيقي الذي ما زال الرهان عليه جائزا يتمثل في وعي الكفاءات وإرادة الجماهير بمختلف التشكيلات القائمة سيما القطاعات الاقتصادية العاملة في الاستجابة الواعية لمواجهة الأزمة بتقشف واعتبار المتبقي من الموارد بمختلف تجلياتها مواردا قومية تمثل أحد مرتكزات الصمود، أي أن مخرجات النشاط الاقتصادي التوليفي من السلع والخدمات يجب أن يتم تنقيتها من التفاعل الإنتاجي والاستهلاكي الأخرق الفارغ من القيم الوطنية والأخلاقية..
بلا منها المقاهي والنوادي الليلية!!!