بقلم: حياة حمدان
لم يكن وقع خبر ارتفاع عدد من أسعار السلع الاستهلاكية نهاية الأسبوع المنصرم خفيفا على المواطن الفلسطيني، بل إنه كان مثقلا بسبب ازدحام توافد الأخبار بذات السياق ضمن إطار غلاء المعيشة العام في الوطن؛ ففي نفس الفترة كان اتحاد شركات التأمين قد عمم بيانا وضع فيه أسعارا جديدة للتأمين التكميلي (الشامل) بزيادة متوسطها 30 بالمئة، وأن تطبيق القرار سيكون بداية الشهر القادم، إلا أنه وبعد يوم واحد من الإعلان تم تجميد القرار، بعد رفض هيئة سوق رأس المال الفلسطينية له. كما شهدت المحروقات في فلسطين صعودا في الأسعار مطلع شهر تشرين أول أكتوبر مقارنة بشهر أيلول سبتمبر الماضي، حسب هيئة البترول التابعة لوزارة المالية.
فكيف كان تفاعل الشارع الفلسطيني مع هذه الارتفاعات وما هو رد المسؤول، في هذا التقرير سنوضح وجهات نظر كل من المواطن والتاجر والمسؤول وأيضا سنبحث الحلول المقترحة.
"سنلجأ للشارع للاحتجاج إذا استمر رفع الأسعار هذا"
شكل ارتفاع الأسعار مؤخرا حالة من التخوف لدى المواطن وسط عدم وضوح الأسباب، والتي أوصلته إلى ذعر وهلع وتذمر من الوضع العام، أما في مخيمات اللاجئين فبات الوضع أصعب، فقد أثّر ارتفاع الأسعار على ساكنيه بشكل كبير، سواء كأصحاب محال تجارية تموينية، او كمواطنين مستهلكين للسلع الغذائية. يقول المواطن صالح فرج من مخيم عايدة شمال بيت لحم وهو رب لأسرة: “إن الارتفاع بشكل عام في الأسعار مؤخرا، هو تضييق واضح على الشعب، كيلو الدجاج أصبح 18 شيقلا؟ لماذا؟ أين نعيش نحن؟ ربما أستطيع ان ابتاعها لكن غيري لا يستطيع، رواتب بحدود 1400 شيقل ماذا ستكفي لتسد الحاجات الأساسية على الأقل لعائلة فيها أطفال، وطلبة مدراس وجامعات؟ يجب ألا نقبل بهذا الغلاء، والا نشتري هذه السلع، وسنلجأ للشارع للاحتجاج على ذلك إذا ما استمر طويلا“.
"البعض يفكر بإغلاق محله التجاري "
وفي لقاء مع أحد أصحاب المحال التجارية للمواد التموينية مأمون دغش من مدينة الدوحة في بيت لحم، وسؤاله عن سبب رفع الأسعار، يقول: “لا نفهم بالضبط ما الذي رفع الأسعار مؤخراً، يأتي لنا التاجر بالمواد الاستهلاكية ويقول إن تكلفة الشحن للاستيراد زادت عليهم بنسبة ارتفاع أكثر من 100 بالمئة، مثل الزيت والعدس والبقوليات بكل أصنافها والبلاستيك كربطات كاسات البلاستيك جميعا زادت الضعف، وعندما يأتي الزبون للشراء فإنه يصطدم بالأسعار، فنحاول إقناعه أن الارتفاع ليس بقرار منا، بل من التاجر المزود. وبطبيعة الحال نكون على ثقة أن كلام التاجر حقيقي وصحيح، فيلجأ كثير من الزبائن لشراء صنف أقل سعرا، وبعض المخابز نبهتنا لارتفاع قادم لسعر ربطة الخبز، أيضا بسبب ارتفاع آخر محتمل على سعر الطحين“.
وفي مخيم عايدة، قابلنا المواطن محمد المساعيد وهو صاحب محل تجاري لمواد تموينية غذائية، الذي بات في حيرة من أمره حول الاستمرار بالبيع دون ربح او اغلاق المحل، وأوضح: “لقد وصل بي التفكير لإغلاق محلي بسبب الأوضاع التي نمر فيها، فلا مستوى ربح ولا إقبال على البضائع في المحل. ومقارنة برواتب العاملين، فإن ارتفاع الأسعار أحدث فرقا في رغبتهم بالشراء، فبات البعض يسترشد فيما يتوفر في منزله على امل رجوع الأسعار لما كانت عليه“.
يتابع محمد:" على مستوى المخيم الأوضاع صعبة جدا، واغلب الشباب يعملون في مطاعم بيت لحم بأجور متدنية جدا لا تكفي لتعيل أسرة، لقد تضررنا كثيرا كأصحاب محال تجارية تموينية، فقد رفع التاجر السعر، وبالتالي رفعناه على المستهلك الذي لم يتقبل ذلك، فاضطررنا للبيع بسعر التكلفة وأقل. وأردف: “بشكل عام من حوالي ستة أشهر تقريبا، نعلم أن الشحن الدولي ارتفع على الجميع، ولك أن ترفع السعر كتاجر ولكن ليس بنسبة 80 بالمئة زيادة على كل صنف! هناك أصناف محلية الصنع فلماذا يرتفع سعرها؟ وعندما تصل هذه المواد لمحلي، تكون الزيادة عليّ انا كتاجر ولا أستطيع رفعها على المستهلك بل انا من يتكفل بالفرق، لقد ركب كثير من التجار موجة رفع الأسعار دون مصادر واضحة وحقيقة حول الأسباب“.
حماية المستهلك: "هناك فوضى"
من أبرز مهام جمعية حماية المستهلك أن تعمل على حماية حقوق المستهلك الاقتصادية، وضمان عدم تعرضه الى اية مخاطر او اضرار او استغلال من التجار؛ فمن هذا المنطلق تتابع الجمعية موضوع ارتفاع الأسعار منذ سبعة أشهر، بعد ان رصدت مؤشرات تشير لارتفاع قادم في أسعار السلع الأساسية، وتوجهت فورا لوزارة الاقتصاد لضبط الموضوع والسيطرة عليه في حينه.
رئيسة جمعية حماية المستهلك في نابلس، فيحاء البحش قالت: “نلحظ الآن ارتفاعات غير مسبوقة بالأسعار؛ فمن خلال استطلاعات قمنا بها الفترة الماضية، وجدنا ارتفاعا في نسب تفوق الحد المسموح، بعض التجار يبيعون بسعر أعلى من السقف السعري المسموح والموحد من قبل وزارة الاقتصاد بنسبة ارتفاع من 30 إلى 40 بالمئة. وتواصلنا مع وزارة الاقتصاد ليكون هناك إجراءات على أرض الواقع، ومتابعة السوق، ليتم تعميم قائمة أسعار استرشادية، حتى لا يكون هناك تفاوت في الأسعار من محافظة لأخرى“.
وتابعت: “الشق الآخر في هذا الموضوع، هو أن على الحكومة دورا في اتخاذ إجراءات لتخفف على المواطن من الأعباء الإضافية التي من الممكن أن تستنزفه، وأن يتم إلزام القطاع الخاص بتحمل جزءا من المسؤولية، ليكون الهامش الربحي معقولا قدر الإمكان، بما يتناسب مع دخل المواطن، أو أن تقرّ الحكومة الغلاء المعيشي للموظفين، فالفئة الأكثر تضررا هم الموظفين من يعيلون أسرهم يوما بيوم، فهم من يلحظون فروقات الأسعار هذه“.
وبنظر جمعية حماية المستهلك، فإن استغلال وجشع بعض التجار لرفع الأسعار لا يوجد له علاقة بارتفاعات عالمية، ولا بموضوع الاستيراد، وباتت هناك فوضى يجب متابعتها من مصدرها الحقيقي، ومحاسبة المخالفين قانونيا، من الصحيح ان منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة(الفاو) كانت قد أعلنت ارتفاعات في أسعار بعض السلع، مثل الأرز والزيت، بمبرر أن هناك أجور شحن إضافية عليها، لكن باقي السلع ليست في أزمة اقتصادية عالمية.
حلول مقترحة
تتابع جمعية حماية المستهلك قولها: “أما فيما يتعلق بالحلول؛ فالدول التي أصبح فيها شح لبعض الموارد، وبالتالي ازداد سعرها بسبب زيادة الطلب، نقترح على الحكومة أن تجد بديلا عن هذه الدولة، فتستورد من دول أخرى بسعر أقل، لنكون مستعدين اكثر لأية ازمة اقتصادية سياسية عالمية، لذلك فإننا نقترح انشاء وتفعيل خطة تدعيم موضوع التخزين الاستراتيجي للمخزون الاستهلاكي الغذائي والانشائي، لأن الذي نملكه حاليا من الممكن أن يسدّ حاجتنا من شهرين الى ثلاثة، ولا يكفينا لمدة عام، لذلك يجب أن يكون هناك توجه لإنشاء مخازن خاصة، وإجراءات واقعية نضمن من خلالها توفر السلع في حدود أسعارها، في حال الارتفاعات المفاجئة لبعض السلع وان يكون تأثرنا في سلعة أو سلعتين وليس أكثر، فلا يستغل التاجر الظروف ليرفع السعر بقرار منه فقط“.
ووجهت جمعية حماية المستهلك رسالة للمواطن بألا يتهافت على الشراء والتخزين حتى استقرار السوق، لان بعض التجار سيرفع سعر بعض المواد، مستغلا حاجة المستهلك لها.
ومن المقرر أن تناقش لجنة السوق الفلسطيني التي تضم وزير الاقتصاد خالد العسيلي كرئيس لها، ومدراء عامين لمؤسسات اقتصادية وممثلين عن وزارتي الصحة والزراعة، والمواصفات والمقاييس وجمعية حماية المستهلك وغيرهم، دراسة ميدانية حول هذا الموضوع، من ضمنها التأكد من فواتير التجار الضريبية، للتحقق من أن هذه البضائع جديدة وخضعت لإدخال جديد بتكلفة شحن جديدة، ام انها بضائع مكدسة في مخازن التجار، وسيكون موعد مناقشتها والخروج بنتائجها يوم الاثنين القادم باجتماع سيضم أكثر من 50 تاجرا فلسطينيا.
وزارة الاقتصاد:" لن نترك المواطن لتغول بعض التجار"
وفي هذا الخصوص قال مدير مديرية الاقتصاد في بيت لحم ماهر القيسي: “نحن جزء من هذا العالم ورفع الأسعار الذي نعيشه هذه الأيام هو انعكاس لحالة موجودة في العالم خاصة بعد جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد بشكل عام، فبعض المصانع مقفلة وأجرة شحن الكونتينر التي كانت ألفي دولار الان اصبحت 8 الاف دولار، و60 الى 70 بالمئة من السلع الموجودة في السوق الفلسطيني هي استيراد من الخارج، ولكن هذا ليس مبررا لكافة التجار ما حصل من رفع أسعار بعض السلع بطريقة غير قانونية ولأسباب غير صحيحة وهناك متابعة ميدانية من قبل طواقمنا على السوق لالزام التجار بالبيع بسعر القائمة الاسترشادية التي وضعتها الوزارة للسلع الأساسية“.
واردف: “هذه ازمة متجددة حدثت قبل اعوام، لذلك ننصح المواطن بعدم التوافد على السلع وتخزينها
ولا داعي للهلع فالسلع موجودة والاستيراد لم يتوقف ولكن هناك ترويج للاخبار بطريقة تثير مخاوف المواطن، لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تبالغ احيانا في نقل الخبر بطريقته الحقيقة“.
وكان قد اصدر الرئيس محمود عباس توجيهاته بمتابعة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، مطالبا وزير الاقتصاد خالد العسيلي بإيضاح اسباب ارتفاع الاسعار وأهمية ضبطها وسبل معالجتها من أجل التخفيف على كاهل المواطن الفلسطيني، ويذكر أن الحكومة قد أحالت 300 تاجر الى النيابة العامة لعدم تقيدهم بالأسعار.