الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مقطع من رواية تشرفت برحيلك

2021-11-10 09:52:32 AM
مقطع من رواية تشرفت برحيلك
رواية تشرفت برحيلك

أدب

ننقل إليكم مقطعاً من رواية الكاتبة الجزائرية فيروز رشام "تشرفت برحيلك"، والتي تعالج فيها قضية العنف الزوجي المقترن بالتعصب الديني في المجتمع الجزائري. حيث ترصد التغييرات الفكرية التي حدثت خلال العشرية الدموية ونتائجها الاجتماعية في قالب روائي بسيط لغويًا ومفعم بالمواقف الانسانية المؤثرة.


مقطع الرواية
«في المدرسة يعرف الجميع بأني امرأة معنّفة. في البداية كنت أخجل منهم لكني تعوّدت عليهم كما تعوّدوا هم عليّ. مرات عديدة سمعت المعلمات يعلقن على أخبار الجرائد:
يا إلهي، هل سمعتن بالرجل الذي قتل زوجته!
وكنت أرد بجدية:
يوما ما ستقرأن خبر قتلي أنا أيضا!
كنت أفكر هل النساء المعنفات كثيرات أم أنني استثناء، لكن أخبار الجرائد التي تنقل قصص زوجات قتلن على أيدي أزواجهن أو كسرن وجرحن ليست من صنع خيال الصحفيين. على العكس لن تعرف الصحافة أبدا ولا السلطات الرسمية حجم المأساة طالما تمتنع أغلبية النساء، أو يمنعن، عن تقديم شكاوى رسمية وإجراء فحص عند طبيب شرعي.
من وضع هذه القوانين البائسة التي جعلت المرأة تحت رحمة أزواج لا رحمة في قلوبهم؟
سمعت فاتح مرارا يردد على ناصر:
“فاضربوهن”.. الله من قال ذلك يا أخي، أتعصي أوامر الله!
فتاوى فاتح وناصر لا تنتهي، يحيكان الدين على مقاسهما تماما. لا شيء يحلو لهما الحديث عنه أكثر من النساء! يكرران دائما نفس الجمل من نوع: الرجال قوّامون على النساء، وانكحوا ما طاب لكم من النساء…
لولا أن البيت ضيق جدا لكان فاتح قد ختم الأربع زوجات منذ زمن! كلما أخطأت حميدة هدّدها بضرّة ثانية! ولأنه لا عمل له ولا شغل سوى مراقبة النساء، والإفتاء في شؤونهن، بلغ درجة من النذالة لا تحتمل.
مرة سمعته يقول لأمه ساخرا، ضاحكا ضحكة صفراء كما يقال:
يا ليتني متّ شهيدًا في الجبل، لكنت الآن في جنة النعيم محاطًا بحور العين!
كم أشفق على حور العين! هل خلق الله حوريات خرافيات الجمال ليجبرهن على مضاجعة رجال من نوع فاتح وأمثاله! ألا يكفي ما تعانيه نساء الدنيا معهم! لو أنهم فقط يفقهون في الحب شيئًا، فبعضهم كزوجي،
لا يجيدون حتى التقبيل! من ينقذ حور العين من هذا المصير! كيف سيتحملن أقبح وأقذر الرجال! على الأقل حياة نساء الدنيا مؤقتة، أما حياتهن فأبدية!!
ابتسمت ساخرة مما قلته في نفسي.
منذ دخولنا في الألفية الجديدة تراجعت العمليات الإرهابية، وبدأت الجزائر تستعيد بعض عافيتها، لكنها مثلي منكوبة، معطوبة، مجروحة، ومكسورة من كل الجهات. ما زلتُ طبلًا يضرب عليه ناصر حسب إيقاعات غضبه، وما زلت العبد الضعيف الذي يعمل ولا يؤجر، والزوجة الوفية المطيعة بجسدها الخائنة بقلبها. وما زال ناصر يضربني كالمعتاد بسبب أو بدونه.
أما أولادي فلا أعرف كيف أربيهم في غرفة مغلقة، بين عقول مغلقة وقلوب مغلقة، وقد بدأ الضحايا الجدد في الظهور..
البداية ستكون مع أمال، الطفلة الهادئة الخجولة. ففي يوم مشؤوم كانت تلعب ككل البنات بما تبقى في أغراضي من أشياء أنثوية قد تسلي طفلة في عمرها: حذاء أبيض بكعب عال ارتديته يوم عرسي فقط، وبقايا أحمر شفاه لم أستخدمه إلا مرة أو مرتين عندما كنت عروسة، وكذا عقد وسوار لا يساويان شيئا. لم يكن عندها دمى أو ألعاب، ولا حتى مساحة كافية للعب. رأيتها تلعب لعبة النساء الكبيرات وشعرت بالأسى وقلت في قلبي:
لو تعلمين يا ابنتي كم تكبر هموم المرأة وأحزانها كلما كبرت، فلا تستعجلي لتكبري وظلّي طفلة ما استطعتِ.
تركتها تلعب وتعبث كما تشاء، فأنا أشعر بالشفقة عليها لأنها تكبر في جو عنيف كما كبرت أنا. تمشّت متبخترة منتشية بالكعب العالي، وعند المرآة وقفت تحمّر شفتيها. نظرت إليّ بخوف وخجل وقالت:
أنا عروسة..
ابتسمت في وجهها، وكدت أقول لها إياك أن تفكري في الزواج، ثم تراجعت عن ذلك كي لا أفسد عليها بهجتها، فحينما نكون صغارا نتمنى لو نكبر بسرعة، وعندما نكبر نتمنى لو نعود صغارا!
نبّهتها بألا تخرج من الغرفة وانهمكت في شغلي. كنت أغسل الملابس في الدوش حينما سمعت صراخها فجأة بعدما تلقت صفعة. من فرط رعبي لم أستطع الوقوف، وبصعوبة جريت نحو الغرفة لأجد ناصر يضربها:
يا سافلة، أنت مثل أمك لا تستحين!
خلّصتها من بين يديه لينقضّ عليّ كوحش:
هذا ما تعلمينه لابنتك عوض أن تربيها وتلبسيها الحجاب!
إنها طفلة وهي تلعب لا أكثر!
ها قد عادت قصة الحجاب من جديد!
أمال تحتمي ورائي، وأنا أحتمي وراء ذراعي. وبعد أن كفّ عن ضربي تعانقت مع ابنتي وبكينا بكل ما أوتينا من دموع. كل هذا لأنه لم يحتمل رؤية أحمر الشفاه يلمع على شفتيها! منذ ذلك الحين لم تلعب أمال تلك اللعبة أبدا. كرهتْ أحمر الشفاه، كرهت الكعب العالي، كرهت لعبة العروسة، وكرهت كونها أنثى!!
في الغد ألبستها الحجاب كما أمر حتى لا تتكرر مأساتي، فأنا لم أتحجب حتى شبعت الضرب من فؤاد. حجّبتها لأحميها من أب يفترض أن يكون هو حاميها!»