تهب الرياح الغربية الرطبة، فتتطاير ستارة النافذة ويدخل ضوء أعمدة الشارع للغرفة المعتمة، فتضيء تارة وتعود لعتمتها تارة أخرى، يمد خالد يده في أحد ثقوب طوبة كان قد وضعها ليسند بها سريره مكان رجل مكسورة. يخرج كيساً من النايلون فيه بضع سجائر عربية رخيصة الثمن، يشعل واحدة ثم يتناول بيده علبة حمص جافة ليستخدمها كمنفضة بعد ان كانت عشاءه وعشاء رفيقه رائد، يدخن ساهماً ويراقب بصمت بقع الضوء التي تتراقص على الحائط.
يبدو رائد نائماً بعد عودته متعباً من عمله المسائي في محطة المحروقات التي توفر له مصروفه واقساط جامعته وثمن استئجار السكن الذي يتقاسمه مع خالد، يفكر بحبيبته وبمشكلته معها والتي ستؤدي بعلاقتهما للفشل، يستحضر صورتها فيحضر معها اساه وحزنه يهرب النوم مرة اخرى، ينظر بين الحين والآخر لرفيقه، يراقب كيف يضيء وجهه مع كل نفس يسحبه من السيجارة، تسقط الجمرة من سيجارة خالد على جسده فينهض فزعاً بعد أن ينفضها عن جسده وتستمر في مكان ما.
يضحك رائد ويتهكم -ميزات الدخان العربي
-ألم تنم بعد؟ ثم هل نملك لندخن مالبورو؟، يشعل السيجارة ويضيف: أتظنني مثل فارس صديقك الذي يتقاضى 1500 دولار؟ نعمة أنن أستطيع أن أشتري دخاناً عربياً، ينهض رائد، يبعد الستارة ويربطها جانباً تاركاً للريح أن تلفح صدره شبه العاري، يجلس على حافة النافذة يشعل سيجارة عربية أخرى ويقول: لا يا صديقي لا أريدك أن تكون مثله. قالها بعد أن شعر بغصّة في صوت رفيقه، -حين كنت تحدثني عنه، كنت أقول: ألا يزال الاحتلال موجوداً ولدينا مثله؟!، - كنت مغرماً بثقافته وشعاراته ولم أكن أعرف أنه جبان هكذا. -المشكلة تكمن في كونه يبرر هذا الجبن بالأوضاع الراهنة، السياسية، الإقليمية وغيرها من الأفكار التي انتقاها ليحتال علينا ويبرر جبنه. –كل واحد منهم يبرر جبنه الذي لا مبرر له على هواه، ألم نقرأ معاً عن أن أكثر الناس قدرة على تبرير خيانتهم وجبنهم هم المثقفون؟ ألم نقرأها مراراً؟. يطفئ خالد سيجارته في علبة الحمص ويبدأ حديثه.-يحاول هؤلاء دائما باستخدام الأفكار بكل أطيافها ويبحثون دائما عن أفكار ينتقونها تبرر لهم جبنهم ونزعتهم الذاتية وربما خيانتهم، لكن الزمن الذي كان يحتال علي فيه عن طريق فكرة قد ولى منذ قصة حدثت معي في طفولتي.أأخبرتك اياها؟. يطرد رائد ابتسامة كادت أن تتسلل لشفتيه ويجيب بالنفي، فيبدأ خالد –كنت ذات يوم اصطاد العصافير بالشعبة، كنت طفلاً صغيراً، و...، يقطع خالد حديثه حين رأى ابتسامة خالد التي فضحتها أضواء الشارع ويسأل –أخبرتك إياها صحيح؟، يضحك رائد وينكر معرفتها، يحلفه خالد فينكر مرة اخرى، يكمل خالد قصته مع أنه بات واثقا أن صديقه يود أن يجعله يعيدها بخبث بعد أن جعله يعيدها مرات قبل ذلك، لكن تفاصيل وجه رائد وتفاعله مع القصة دائماً ينسي خالد أنه رواها ويكمل قصته –كل يوم، أستيقظ باكراً للصيد، أسمع أمي تقول "لو في مدرسة ما بتصحى بدري" يبتسم ويكمل، المهم كنت ذاهباً للصيد عند شجرة توت اعتدت الصيد عندها، كنت اصطاد الكثير من العصافير التي نعرفها بالمسميات الشعبية فقط مثل"سرِّاق حِنا امه، سيدي كركر، الزريق" والكثير من المسميات التي كانت تطلق على الطيور وفقاً لشكلها أو صوتها او الوانها، في صباح يوم ما كنت ذاهباً لتلك الشجرة وجدت شاباً أكبر مني بسنوات يجلس تحت الشجرة كما كنت أجلس دائماً. أخفى ما بيده وراء ظهره بحركة سريعة ورأى الشعبة في يدي، بادرني بالقول"إن كنت قادماً للصيد، حرام عليك، هذه الأشهر يسمونها الأشهر الحرام ويحرم الصيد فيها والله يعاقب كل من يصطاد فيها" دون أن أجيبه بأي شيء، استدرت وعدت، عدت بخيبتي وخوفي. أتساءل أكلّ العصافير التي اصطدتها كانت جرماً؟ ماذا سيفعل بي الله؟ هل سيعاقبني أم أنه سيسامحني؟ كانت هذه الأسئلة تهدمني. وفي الليل، يطاردني كابوس دائم، كنت أرى فيه الله عصفوراً ضخماً، أهرب منه إلى حضن أمي، يمسكني بمنقاره ويشدني، أنادي أمي ويكون صوتي مبحوحاً فلا تسمعني، احاول التفلت ولا استطيع، يطير بي إلى سمائه السابعة ويفلتني استيقظ فزعاً خائفاً فأهرب للنوم عند أمي لعلها تحميني منه، لم اجرؤ على اخبار صديقي الصغير الذي كان يأتي معي احياناً ونأكل صيدنا معاً عن الكابوس الذي يحط كل يوم علي لا اظهر له بمظهر الخائف الضعيف، ولا يزال ذلك الصغير صديقي واخي حتى اليوم. كانت العصافير في ذلك الحين أي الوقت الذي منعت فيه من الصيد، تقف أمامي وقفات مغرية للصيد. الكابوس أمامي فأخاف من ذلك العصفور الضخم فافتعل حركة أطير فيها العصفور كي لا يبقى بوضعيته تلك.
بعد أيام كنت ذاهباً للعب في مقهى قريب من الشجرة، وقبل وصولي باب المقهى بخطوات سمعت صوتاً أعرفه، صوت عصفور مصاب، التفت نحو مصدر الصوت فرأيت ذلك الشاب يركض نحو العصفور،أمسك به وجاء نحوي ليتباهى بصيده، وبحركة سريعة قطع بأصابعه رأس العصفور. تدفق الدم الحار بين أصابعه، اختفى صوت العصفور وانتهت حياته وانتهت الكذبة التي أبعدتني لأيام عن الصيد، عن طقوسي التي أعشقها، وانتهت كذبته التي عذبتني بتلك الكوابيس.
شعرت بغبائي، كيف يحتال علي بكلمات أو قصة؟ كيف؟ طوال لعبتي وانا افكر بالانتقام منه، انتهت اللعبة بخسارتي طبعاً وبقيت واقفاً أمام آلة اللعب دون أن يبارح ذهني كيف سأنتقم. فقط كيف انتقم، سمعت خطوات تقترب مني وصاح صاحبها بصوت مخيف.-خلصت اللعبة اطلع انصرف بره، قالها وهو يتقدم نحوي، هربت خوفاً من ركلاته المعروفة لأبناء جيلي.
كانت الدموع تتلألأ في عيني خوفاً من ركلاته تتحول بعدها لغضب وحقد ودعاني للتفكير في الإنتقام من صاحب المقهى والشاب، تمنيت لو كنت كأبناء عمومتي كبيراً وقوياً لاوسعهما ضرباً.
احضرت شعبتي وتسللت لبيت قديم قريب من المقهى ويطل على شجرة التوت، كان المقهى قد امتلأ بزبائن النهار الذين قدموا للعب ولاتقاء شمس حزيران، بدأت بتنفيذ خطتي، ضربت بشعبتي على زجاج المقهى، أصبت إحدى النوافذ ثقبت ثقبا صغيرا ويبدو انها لم تصدر صوتا عاليا فلم ينتبه أحد، بحثت عن حجر أكبر وسددت ضربتي الثانية فسقط لوح الزجاج متناثرا بجانب الزبائن، جن جنون صاحب المقهى أطل بغضب فرأى الشاب واقفا بشعبته ينظر نحو مصدر الصوت الذي أخاف عصافير الشجرة وطارت، ركض صاحب المقهى تجاهه بعد أن تفلت من الزبائن الذين حاولوا تهدئته، ومع غضبه وعجلته لم ينتبه لحبل يربط حماراً، تعرقل فيه وسقط فتلونت ملابسه بالتربة الرمادية مما زاد من غضبه وسخطه، ووصل للشاب وبدأ بضربه دون أن يعي الشاب ما يحدث، ضربات متلاحقة. شتائم بكاء وشعبة مكسورة، ملابس متسخة وغيمة رمادية من الغبار، كلها أثارت في شعور المنتصر على من يسيء وعلى من يحتال علي بكذبة ليبعدني عن شيء أحبه وعلى الأكذوبة التي غيبتني عن الصيد.
كان رائد يسمع بحب وينفعل مع صديقه كما لو انه سمع القصة لأول مرة، يعجب بصديقه، بأسلوبه في الانتقام على الرغم من عمره الصغير، لكن وبمجرد أن انتهت القصة قال رائد ساخراً: -لقد اخبرتني اياها، كبرت وصرت تنسى، وأطلقا معاً ضحكتهما الجميلة والمعهودة رغم مرارة الحياة.
أشار رائد لمجموعة من الكتب مركونة في زاوية الغرفة بفوضوية واضحة، كان قد أرسلها فارس، لأن مكتبة شقته الجديدة لا تتسع لكل هذه الكتب او بالأحرى لا تلائم هذه الكتب شبه الممزقة منظر رفوف مكتبته الجديدة، هكذا كانت تحليلاتهما. كان رائد يقول لخالد أن منظر هذه الكتب حين تكون في مكتبة فارس الجديدة يذكرني بمظهرك في عرس فارس بملابسك بين البدلات والفساتين.
تساءل رائد بعد اشارته لكومة الكتب –أيعقل أن تكون هذه الكتب أفسدته؟. أشعل خالد سيجارة أخرى، أخذ نفساً عميقاً وبدأ بالحديث بعد أن أطلق دخانه –الثقافة يا صديقي لا تفسد الناس، إنها فقط تفسد الجبناء لأنها تعطيهم اساليب وافكار لتبرير جبنهم وهم جبناء منذ البداية. ها انت تقرأ دائماً وذات الكتب ولم تزدك إلا وعياً وأساليب تفكير جديدة وأكثر نضجاً، وفي النهاية تعمق انتماؤك بالقضية والنضال وازددت اصراراً على مواصلة الطريق، اما هؤلاء فهم جبناء منذ البداية. منحازون لذاتهم، وبالثقافة صاروا يعلمون الثمن الذي من الممكن أن يدفعوه. والجبن يقسمهم لفئات أو يحتم عليهم جبنهم أن يكونوا ضمن فئات. يشعل رائد سيجارة فينتبه خالد لسيجارته المطفأة، يعود لإشعالها مرة أخرى ويكمل: هؤلاء الذين يكون الجبن جزءاً اصيلاً من مكوناتهم، يندرجون تحت فئتين، الأولى تدرك العواقب بالثقافة المكتسبة فتنسحب كما تسحب الشعرة من العجين هكذا هي طاقتهم، أما الفئة الثانية وهي الأخطر وغالباً هي التي ترتقي في سلم الأحزاب المترهلة والتي تكون سبباً رئيساً في ترهل أحزابها وحركاتها، هذه الفئة يحتم عليها الجبن المتأصل فيها أن تختار سقفاً منخفضاً للنضال الذي لا يرقى بعأء يريد التحرر من الاحتلال ويبقى نضاله او ما يسمى بالنضال في إطار الشعارات، هؤلاء طوعوا الثقافة لجبنهم ولتبرير جبنهم، باختصار كما تبحث أنت عن خبرات وافكار وتجارب تساعد في النضال، يبحث هؤلاء عن أفكار تبرر جبنهم وانحيازهم لذاتهم ومصالحهم الشخصية. يقاطع رائد رفيقه ويقول: - ما تود قوله هو ان الشجاع تتعاظم شجاعته كلما توسعت مداركه ويزيد إيمانه وإصراره واستعداده للتضحية مهما كان الثمن ومهما كانت العواقب، لأنه آمن بقضية نبيلة، أما الجبان فيزداد جبناً ومكراً كلما وسعت الثقافة مداركه لأنه منذ البداية منحاز لذاته ومصالحه، هذا ما اردت قوله صحيح؟.-بالضبط. -اذن لماذا كل هذه الإطالة؟ لقد أصبحت مثل الراديو وفوق ذلك تنسى، ويطلق ضحكته المستفزة.-دائماً تحول الأمور لمسخرة، سأخلد للنوم!. –امزح معك، أكمل.-المفترض ألا أتحدث معك بأي شيء جديد فقط تصلح للمسخرة. –غضبت؟. – لم اغضب. لدينا غدا محاضرات ومشوار مهم، ثم لست غشيماً عن مسخرتك، اخلد للنوم. –حسناً تصبح على خير. – تلاقي الخير.
هكذا كانت تمر لياليهما، يتحدثان عن الحياة، عن الذكريات عن الواقع والتناقضات عن قصص وهموم مشتركة وعن الأحلام حتى يعلن أول العصافير عن بزوغ الفجر.
في الليلة الثانية كان خالد يتحدث عبر الهاتف مع حبيبته، يجلس على سريره ويخربش بقلم على هوامش دفتر أمامه، يسمع صوت الباب، ينهي مكالمته بكلماته المعهودة لكن بسرعة لم تتح لحبيبته الرد عليها، كان خالد يشعر بصديقه، يحرص على مشاعره ولا يود اثارة حزنه ووحدته فلا يتحدث أمامه عن حبيبته، كي لا يشعر أن حبيبته تخلت عنه وعن حبه، وكي لا يتذكر ذلك على الرغم من انه يكابر دائماً لكن خلف ضحكته يقبع جبل من الأسى.
يتبادل الصديقان التحية، يضع رائد كيسا على الطاولة ويسأل رفيقه – أتناولت العشاء؟. –لا، انتظرك. –اذن حضر الطعام بينما استحم، -وكأنك احضرت لحماً؟، ماذا أحضرت اليوم؟. –كالعادة، لا أريد أن أعودك على شيء ثم اقطعه عنك، قالها رائد وهو يرمي ملابسه التي تفوح منه رائحة البنزين، وذهب ليستحم. عاد خالد لمكالمته وتفهمته حبيبته لانهائه المكالمة كما تتفهمه دائماً لأنها على اطلاع تام بقصة رائد وقد حاولت اكثر من مرة إعادة المياه لمجراها لكنها عبثاً كانت تحاول، أنهى وحبيبته المكالمة بصوت قبلات متبادلة اعتادا عليها طوال حبهما . ثم بدأ بتحضير العشاء الذي كان بيضتين مقليتين وحبات فلافل وحبات من البندورة.
انهى رائد حمامه، تناول العشاء مع رفيقه ثم توجها للغرفة التي ينامان فيها، أطفأ رائد الضوء واشعل له ولصديقه سيجارتين وجلس على حافة النافذة وسأل صديقه: -احزر من جاء اليوم ليعبئ وقوداً لسيارته –لا أريد أن أحزر.-اذن لا تزال غاضباً من ليلة أمس. يضحك خالد ثم يسأل، من؟ -جاء أنس بسيارة تشبه التي نراها في الأفلام. –انس ما غيره؟! وما نوع سيارته؟. –بي أم، حديثة جداً من إنتاج العام الماضي. – سبحان مغير الاحوال. جيفارا زمانه يركب بي أم؟ أهذا يريد أن يتحرر؟ - نعم وقد تحرر من فترة لكن من مسؤولياته ومبادئه وقيمه! –لا يتوقف الأمر على أنس، أنظر إليهم، فارس سامي وضياء عاهد، سجى، سوسن والكثير ممن يدعون تمسكهم بالثورة وقيمها، انظر الى نمط معيشتهم تعرف أي تناقص يعيشون وتعرف مدى تناقضهم مع الشعارات التي يطرحون وتعرف كم يبعدون عن الثورة التي يدعون.
يحدق رائد في الأضواء الغربية النائية، أضواء المدن الساحلية المحتلة، يتنهد تنهيدة طويلة ويقول: أفكر بهؤلاء وانظر لأضواء الساحل أشعر أننا أبعد من أن ننالها، وحين يكون في الجبال حين نقدم على عمل ما، أشعر أنها قاب قوسين أو أدنى منا، حتى لو كنا بعيدين عنها.
يمد خالد جسده على السرير، يركز نظره في نقطة ما ويبدأ الحديث –طبعا ستشعرها بعيدة بهؤلاء والكثير مثلهم، أتراها قريبة بعاهد؟ عاهد الذي ينفق على حفلة عيد ميلاد أكثر من أقساطنا الجامعية معاً، أم تراها بسامي الذي ينفق على الكحول والبارات ما تحتاجه اسرٌ بأكلمها. – لا تنس سوسن التي تجوب العالم وهي تتحدث عن العمال والفقراء في مؤتمرات دولية ومحلية وجامعات وهي تنفق في صالونات التجميل أكثر مما يتقاضاه أي عامل في الشهر، يضحك خالد ويقول –ألديك أظافر ثورية كأظافرها؟ أظافر بلون العلم!.. –أنظر الى فارس أيضاً، أكثرهم "ثورية" ينتهي عمله ظهراً يذهب إلى البار، يشرب الكحول ويتناول وجبة همبرغر، يلتقي بأحد اصدقائه وينظّر عليه قليلاً عن الأوضاع الراهنة، تقارب الساعة السادسة، يذهب للنادي الرياضي، يلعب ثم يعود إلى شقته يتناول وجبة ويذهب لمحاضرة في مركز ما يضم فيه عدداَ من الطلاب والنشطاء، يشرح لهم عن حركات التحرر في العالم والتغيرات الإقليمية ودور الشباب وأهمية الثورة والشباب، ينصحهم ببعض الكتب للقراءة ووسط انبهار الطلاب والشباب بسعة ثقافتهم، يرن هاتفه فيتوجه بعد المكالمة ليكمل سهرته في بالشباب أصدقاء وصديقات، وهكذا تمضي حياته وأيامه الثورية، بماذا يشبه الثائر؟. –لا تزاود، انه يشبه الثائر، يشبه الثائر بقدر ما يشبه الصرصور نسراً. يضحك خالد لتشبيه صديقه ومقارنته ويدعوه للخروج والمشي في الشوارع الفارغة في مثل هذا الوقت، وضع كل منهما هاتفه في الشاحن، أضاء رائد الغرفة وخرجا، تحدثا عن شوقهما ليوم غد، أثناء سيرهما وبعد لحظات صمت بادر رائد –اتشوق للغد كما كنت اتشوق للقاء حبيبتي أول مرة، كم كنت أتشوق للعيد في صغري –صحيح، وتشعر أن عقرب الساعة قد توقف ولا يود الصباح أن يأتي –أأنت خائف؟ -نعم اخاف في كل مرة، أخاف أن لا ننجح في المهمة..هكذا مرت الليلة الثانية..
في الليلة الثالثة، كان السكن فارغاً،هاتف خالد يرن داخله دون مجيب يجلس الصديقان على جبل يراقبان قنابل الاضاءة على بعد عدة جبال منهما، يستمعان بفرح لصوت سيارات الإسعاف. جيش الاحتلال يمشط الجبال التي انسحبا منها بسرعة.
فارس يتلقى الخبر على هاتفه الذكي، تتوالى الأخبار لهواتف من معه، يتجشأ فارس برائحة البيرة ويبدأ بتحليل مكان وزمان العملية وجدوى المقاومة وأهميتها في هذه المرحلة.