غادرنا عام 2020 بذيول العار والخزي المغربي بتطبيع حكومة المغرب علاقاتها مع الكيان الصهيوني وإخراج هذه العلاقات من السر إلى العلن. إذ إن المغرب الرسمي الملكي يقيم علاقات بشكل أو بآخر مع الكيان الصهيوني منذ ستينات القرن الماضي، وتعلم كل الأنظمة العربية والشعوب العربية بهذه العلاقات ويجد لها تبريرات. وقد أثبتت الأيام والسنوات تهافت هذه التبريرات وعقمها، ولعل الادعاء بتأثير المملكة المغربية والملك المغربي على الجالية اليهودية في الكيان الإسرائيلي الوازنة عدديا، وبالتالي التأثير المغربي في السياسة الداخلية الإسرائيلية وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية قد أثبت فشله. بل أثر سلبا على الحياة السياسية لغير صالح فلسطين والقدس. ذلك أن اليهود الذين هاجروا من المغرب إلى فلسطين هم اليوم من أكثر اليهود الإسرائيليين عداء للشعب الفلسطيني ولحقوقه.
هذا فضلاً، عن أن اليهود المغاربة قد أسلموا أمرهم في العقود الأخيرة لليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي وتحالفوا في العقد الأخير مع الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو الذي أنكر وجود الشعب الفلسطيني وتسلح بأوهام توراتية جعل منها مرتكزا لسياسته الداخلية والخارجية وجد فيها حاخامات الجالية اليهودية المغربية مادة لترويج ادعاءاتهم بأرض الميعاد وتبرير هجرتهم إلى فلسطين والمشاركة في حكومات إسرائيل واستعمار فلسطين.
وتحت شعار الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل وتأثيرها في السياسة الإسرائيلية وارتباطها المزعوم تاريخيا وعاطفياً بالمملكة المغربية وملك المغرب، أسندت رئاسة لجنة القدس إلى الملك المغربي الحسن الثاني للحفاظ على عروبة القدس وإسلاميتها. وتحت هذه الدعابة هودت القدس وأحيطت بسوار من المستوطنات وضمت إلى إسرائيل كعاصمة موحدة لها، ويتم تهجير أهلها الفلسطينيين وهدم بيوتهم والاستيلاء على أرضهم وعقاراتهم وحفرت الأنفاق تحت المسجد الأقصى.
وإذا كان عام 2020 قد غادرنا بتطبيع الحكومة المغربية لعلاقاتها مع إسرائيل وإخراجها من السر إلى العلن فإن عام 2021 يغادرنا برفع مستوى التطبيع المغربي مع الكيان الإسرائيلي إلى مستوى التحالف المغربي-الإسرائيلي إثر زيارة "وزير الأمن الإسرائيلي" بيني غانتس للمغرب وتوقيعه عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع النظام المغربي. ولم يترك المسؤولون الإسرائيليون صفة تمجيد إلا وأطلقوها على هذه الاتفاقيات فوصفوها بالتحالف الاستراتيجي والحدث التاريخي والتطور الهام في العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
ولنا الحق كفلسطينيين وعرب ومسلمين أن نتساءل عن هذا الحلف الاستراتيجي بين المغرب وإسرائيل فهل سيحارب الجيش المغربي إلى جانب إسرائيل في قمع الفلسطينيين وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة والقدس والجولان وجنوب لبنان وفي غارات الطيران الإسرائيلي على سوريا والعراق وإيران واليمن أم أن الجيش الإسرائيلي والشاباك والموساد ستقف إلى جانب الحكومة المغربية في صراع الصحراء الغربية والخلاف الجزائري المغربي؟
لقد أقدم المغرب الرسمي على تطبيع علاقاته مع إسرائيل وقبض ثمن ذلك اعترافاً أمريكياً بمغربية الصحراء، فأيقظ هذا الاعتراف خلافاً حول الصحراء كان يمكن تسويته بشكل أو بآخر، وأيقظ عداوات وخلافات دفينة بين المغرب والجزائر وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلدين عربيين شقيقين وجارين لا يمكن لأي خلافات بين نظامي الحكم فيهما أن تفصم عرى الأخوة بين شعبي البلدين.
وكان من أثر ذلك التطبيع- الخيانة أن شعر المغرب الرسمي بعزلته الشعبية، وعوض أن يخطو خطوة إلى الخلف في مسار التطبيع إذ به يخطو خطوتين إلى الأمام في الارتقاء بمسار التطبيع إلى التحالف الاستراتيجي. وفي رأي كل المراقبين أن هذا التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والمغرب الرسمي موجه في الأساس نحو الجزائر ليس لأن الجزائر تقدم الدعم لجبهة البوليساريو في نزاعها مع المغرب حول الصحراء المغربية، وإنما لأن الجزائر ما زالت على مواقفها المبدئية من الصراع العربي- الإسرائيلي وبالتحديد من حقوق الشعب الفلسطيني.
هذا أولاً، أما ثانيا، فلأن تأثير الجزائر على الساحة الدولية وخاصة في القارة الإفريقية هو تأثير هام وفاعل وتبين ذلك في معارضة الجزائر لقرار انضمام إسرائيل لمنظمة الوحدة الأفريقية بصفة عضو مراقب وإفشال محاولة حصولها على هذه العضوية.
ولعل قرار عقد القمة العربية في آذار القادم في الجزائر وتوقع حضور سوريا لهذه القمة وما يتوج عودتها إلى الجامعة العربية، وما يسجل للجزائر من فضل في ذلك، قد دفع المغرب الرسمي للتحالف الاستراتيجي مع الكيان الإسرائيلي، وربما لتعطيل عقد القمة العربية التي يعول عليها في رأب الصدع العربي والتشققات التي أصابت البنيان العربي.
لقد لحقت المغرب بركب التطبيع الرسمي العربي العلني في عام 2020 بعد الإمارات والبحرين، وهي اليوم تقود ركب التحالف الاستراتيجي الذي حاولت الإمارات أن تكون السباقة إليه، غير أنها أدركت المتغيرات في منطقة الخليج وعلى الساحة الدولية فانتشر أبناء الشيخ زايد بين دول المنطقة من سوريا إلى تركيا وإيران في خطوة إلى الوراء بعيدا عن التحالف الاستراتيجي مع الكيان الإسرائيلي الذي لن يجلب السلام والأمن للمتحالفين من العرب.
لا شك أن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي قد فقد بريقه الذي أضفاه عليه دونالد ترمب واستعراضاته واستعراضات بنيامين نتنياهو، وليس هو الطريق الأمثل لجلب الأمن والسلام للمنطقة، فالقفز من فوق الحقوق الفلسطينية الثابتة في وطنه أمر ترفضه الشعوب العربية، وتعبر عن هذا الرفض رغم قمع الأنظمة للتظاهر والتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وقد آن الأوان أن يستيقظ حكام العرب من غفوتهم وينزعوا لحاف أمريكا الذي يتدثرون به وينظروا أين تكمن مصالح شعوبهم ومصالحهم. أما إسرائيل التي اختاروها حليفاً استراتيجيا ليست إلا عبئا على الولايات المتحدة والدول الغربية منذ قيامها، وهي اليوم عبء على أنظمة التطبيع العربية يجب الخلاص منه وليس التحالف معه.