الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

على هامش إدخال 3000 عامل هايتك فلسطيني لإسرائيل| بقلم: ليث ا. قسيس

2021-12-01 10:16:10 AM
على هامش إدخال 3000 عامل هايتك فلسطيني لإسرائيل| بقلم: ليث ا. قسيس
ليث ا. قسيس

في إحدى السنوات لم تستأنس مؤسستان بالبحث الذي قمت به عن وصف المؤسسات التي تعمل في قطاع الريادة والتشغيل، وبقي البحث مدفونا في الأقراص الصلبة لحاسوبي. لكنني استلهمت بجرأة وموهبة الفنان الفلسطيني فرج سليمان بغنائه أغنية "إسا جاي" على المسرح وهي غير مكتملة الكلمات بسبب تقاعس شريكه الفنان عامر حليحل في إكمال المقطع الثاني من الكلمات لأكثر من سنة. فما كان أن حصل هو إضافة الفكاهة خلال تقديمه الأغنية للجمهور الحاضر واستجابة الكثير من متابعي الفنان على قناة اليوتيوب بكتابة كلمات المقطع الثاني للأغنية مما أعطاني اليقين بذكاء الفنان بطرق مختلفة للتواصل مع جمهوره.

وها أنا ذا، تشجعت لأنشر مقاطع من البحث (هذا المقطع الثاني، الأول كان عن التشغيل) مرددا ما قاله الفنان فرج سليمان، إذا عجبكم المقال شاركوه وناقشوه، إذا لم يعجبكم المقال لتجارب بعض الدول في ريادة الأعمال ووصف المؤسسات المحلية العاملة فيه، عادي نبقى أصدقاء وأرجوا ألا يخرج أحد من صفحتي بسببه.

المقطع الأول عن التشغيل كان مقالا بحثيا شاملا، بينما هذا المقال مزيج ما بين البحث وتجارب شخصية وبعضها تأملات شخصية لما هو أفضل لقطاع الريادة برأيي.

تجارب بعض الدول في تطوير ريادة الأعمال

يتم توفير فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر من خلال تمكين المجتمع لتطوير قيمة اقتصادية لمنتجات وخدمات جديدة، ويتم إنشاء هذه القيمة من قبل رياديين من خلال تحويل الأفكار الريادية والابتكار لسلع وخدمات التي يتم بيعها في أسواق حبذا أن تكون غير احتكارية.

وتتمحور تجارب ريادة الأعمال في دول أخرى حول وضع سياسات لتطوير وتشجيع الابتكار (OECD, 2011) (World Bank, 2010)[1]، ووجود نظام بيئي داعم لاقتصاد الابتكارات التكنولوجية[2]، حيث أن حكومات العالم تدخل في شراكات مع مؤسسات أكاديمية ومؤسسات البحث والتطوير وصناديق استثمار (Murray, 2015)[3] ومستثمرين وقطاع الشركات الخاصة، لرسم منظومة مجتمع ريادة الأعمال كوسيلة لنقل اقتصادها الوطني نحو العلوم والتكنولوجيا القائمة على المعرفة والقدرة التنافسية الريادية كتوجهات دول صغيرة مثل إستونيا أو نيوزيلندا (Kuura, 2006)[4].

هناك اقتصاد قائم على المعرفة knowledge economy يصدر خدمات متنوعة مثل تطوير برمجيات وخدمات مساندة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وهناك نوع اقتصاد آخر قائم على قطاع التكنولوجيا وهو اقتصاد الابتكار innovation economy وهما مختلفان في نماذج العمل والأدوات والبنية التحتية المساندة لكلاهما. هذا المقال يركز على اقتصاد الابتكار الذي بالتأكيد يتقاطع مع عملية الريادة التكنولوجية.

يمكن اتباع عدة خطوات لتطوير قطاع الريادة والابتكار في فلسطين مثل وضع السياسات واستراتيجية الريادة وتوفير الدعم المالي للشركات الناشئة وتطوير البيئة الاقتصادية التي تحفز إنشاءها ونموها. ويجب التفريق بين الشركات الناشئة التكنولوجية وبين الشركات المتناهية الصغر، صغيرة ومتوسطة الحجم. بينما تبقى الشركات المتناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة الحجم على نفس حجمها وهي بطبيعتها شركات عائلية، المطلوب والمتوقع من الشركات الناشئة التكنولوجية النمو بشكل مضطرد بشكل سريع، فتخرج من حجمها الصغير إلى أن تصبح شركة متعددة الجنسيات ومتواجدة في عدة بلدان. لذا الطرق الفضلى والأدوات المستخدمة في عملية الريادة للشركات الناشئة لها خاصية تمتاز بها عن غيرها. لذا عندما نقول إن المتوقع من الشركات الناشئة التكنولوجية أن توفر فرص عمل، فإن هذه المقولة ليست بالضرورة صحيحة إلا إذا اجتازت هذه الشركة ما يسمى بوادي الموت واستطاعت تحقيق النمو المضطرد المنشود. عندها، يتم تحقيق توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في الشركة وتصبح مساندة لتوفير فرص عمل في هذا القطاع. وبما أن فرص فشل الشركات الناشئة التكنولوجية تصل إلى[5]90% فلا ينصح العمل بها كسياسة وأدوات لتوفير فرص عمل مثل الشركات المتناهية الصغر والصغيرة ومتوسطة الحجم. لكن في نفس الوقت، فإن مزاولة العملية الريادة التكنولوجية كفيلة بتعليم شريحة الشباب عدة أمور منها كيفية تقييم الأفكار، تطوير منتج تكنولوجي، تطوير نموذج عمل، الانخراط بعملية التسويق والبيع ومعرفة احتياجات الزبائن، مهارات ترويج الشركة الريادية وعرضها على مستثمرين محتملين. باعتقادي الشخصي هذه المهارات المكتسبة تؤهل شريحة الشباب الريادي للانخراط في سوق العمل عند، لا سمح الله، فشل هذه الشركة.  

لذا، من النقاط الرئيسية للطرق الفعالة لتجارب بعض الدول في تطوير ريادة الأعمال تشمل:

1- دعم من الحكومة

قصص النجاح الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا وحتى اليابان تتقاسم شيئاً مشتركاً. في كل الحالات تقريباً، كانت الحكومات، وليس المستثمرين، تستثمر في وقت مبكر في التكنولوجيا والبحث والتطوير، لكن الأهم من ذلك، كانت الحكومات نفسها زبائن وعملاء للشركات الناشئة لشراء منتجاتها وتقييم ابتكاراتها وتسخيرها لخدمتها وإن بدأ هذا الدعم عسكرياً لكنه امتد ليصل الحياة المدنية.

 بالإضافة إلى تطوير منظومة صناديق الاستثمار المجازف، تتبع الحكومات سياسة عامة تقوم على شراء العديد من منتجات الشركات التكنولوجية، وبذلك فهي تلعب دوراً ريادياً فعالاً في تنمية الشركات الناشئة. لذا، دعم الحكومات للشركات الناشئة لا يأتي فقط من توفير رأس المال في مرحلة ما كمرحلة "بدء التشغيل Seed Fund"؛ بل تعمل الحكومات أيضاً (حتى الحكومات المحلية كالبلديات) في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان على سياسة الشراء من هذه المنشآت لمساعدتها على النمو[6].  على سبيل المثال، تمول الحكومات برامج البحث والتطوير في استخدام تكنولوجيا الطاقة الخضراء النظيفة والبديلة، ولكنها تقوم بدعم أسعار السوق للإنتاج المحلي كي يتم اعتماد تكنولوجيات الطاقة الخضراء الجديدة من قبل أرباب البيوت في مناطقهم ويتم تحفيزهم على شراء هذه المنتوجات الجديدة من خلال دعم هذا المنتج. وهكذا يتم دعم المنشآت كي تتمكن من الاستدامة عن طريق فتح أسواق جديدة لها (Mitei, 2013)[7].

 ولا بد من العلم أن هناك نقطة أساسية هامة في تمويل الشركات الناشئة، حيث أن كل دولار يصرف كاستثمار أو دعم في الشركات في المراحل المبكرة من حياتها يعتبر دولاراً ينفق على النفقات التشغيلية بما فيها الرواتب لتمكينها من أداء عملها وبيع منتجاتها لا يزيد بالضرورة من قيمة الشركة فعلياً، ولكن نفس الدولار إن تم تحقيقه كعائد مالي من خلال إيرادات من عملية البيع خلال هذه المراحل الحرجة من حياة  هذه المنشآت الصغيرة فيعتبر ويصبح هذا الدخل لهذه الشركات الناشئة  أساسا مؤهلا للحصول على قروض أو استثمار من قبل الصناديق المجازفة. لذا فتح أسواق لهذه المنشآت واعتماد سياسات شراء واضحة من قبل الحكومات بنسب معينة منها من موازنتها الشرائية السنوية يؤهل قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للحصول على قروض واستثمار. من هنا نستنتج أن دعم الحكومات للشركات الناشئة يجب أن يكون مقروناً بسياسات فتح أسواق لها لتمكينها من النمو والاستدامة. والحكومة والقطاع العام هي إحدى هذه الأسواق.

2- مأسسة تعليم الريادة التكنولوجية في الجامعات

يساهم التعليم في الجامعات في دعم النظام البيئي من خلال برامج أكاديمية تعزز مفهوم المبادرات والأسس العلمية لإدارة شركات ريادية ناشئة. وكنت قد شاركت شخصيا في برنامجين تدريبيين أحدهما مع جامعة بيركلي والثاني مع جامعة ستانفورد وكلاهما في ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة. ورأيت بشكل شخصي كيفية تعليم الريادة التكنولوجية في مؤسسات التعليم العالي هذه، التي تمزج ما بين الكتب المنهجية، مع محاضرات من دكاترة مختصين ولهم تجارب عملية، لدعوة مهنيين من القطاع الخاص لإلقاء محاضرات تكميلية للمادة ونقل تجارب عملية، إلى أداء مشاريع تجريبية في فرق ريادية يلقى البعض نجاحا تجاريا.

التوجه العام للعديد من الجامعات الأجنبية هو نشر مساقات عن الريادة وعملية إدارة شركات ناشئة وتسويق منتجاتها، أسس تكوين فريق الريادي، الإجراءات القانونية لإنشاء شركة، وضع مسابقات خطط عمل أو مسابقات نماذج عمل، واستقطاب صناديق استثمارية لسماع ولقاء فرق ريادية والتعرف على نموذج عملها ومنتجاتها القائمة على الابتكار. علماً أن من أكبر الشركات في الولايات المتحدة قد انبثقت من جامعة ستانفورد مثل Sun MicroSystems، Google[8].

لا أقصد هنا بتاتا أن تتبع حوكمة الجامعات نهجا رياديا لنفسها وذلك بخصخصة مرافقها، فأنا شخصيا ضد إحداث طبقية ضمن صفوف الجسم الطلابي بحيث يصبح فنجان القهوة ب ١٨ شيقلا وصحن الحمص ب٣٠ شيقلا. ليس هذا هو تعريف النهج الريادي المقصود للجامعات. بل هو كل شيء بما له علاقة بعملية تتجير أبحاث تطبيقية أو تحويل مشاريع تخرج إلى شركات ناشئة ناجحة.

وقد يكون ليس من العدل الاعتقاد أن الجامعات الفلسطينية بمدخلاتها ومخرجاتها الحالية أنها ممكن أن تنتج شركات ناشئة تكنولوجية لتصبح عالمية لأن واقع هذا النجاح يتطلب بناء منتج ذو جودة عالية له خصائص تميزه عن غيره، مطور من قبل فريق تقني وريادي مميز، والعثور على أو حتى ابتكار نموذج عمل ناجح لمزاولة وممارسة العملية الريادية التكنولوجية لتتجيره بنجاح، والأهم من ذلك كله المقدرة على إيجاد سوق خارج فلسطين يحتاج لهذا المنتج كونه يحل مشكلة معينة. ممكن أن تجد باحثين ومخترعين وطلبة مميزين في الجامعات الفلسطينية ولكنهم ليسوا بالضرورة رياديين. أي أنهم غير مؤهلين لتتجير هذا الابتكار من خلال الانخراط بالعملية الريادية.

إلى اليوم، ما زال توجه الكثير من الجامعات الفلسطينية هو نحو تأهيل الخريجين منها للالتحاق بسوق العمل كموظفين وليس تأهيلهم كرياديين، بينما يهدف تعليم ريادة الأعمال في الجامعات الأجنبية إلى تنمية روح المبادرة لدى الشباب وتعلم الأسس السليمة لإدارة شركات ريادية ناشئة، فإن عملية الريادة ممكن أن تدرس في المؤسسات الأكاديمية لزيادة احتمال تحقيق النجاح - فمن خلال هذا التعليم يتعرف الطالب إلى عناصر ومكونات نجاح الشركات الريادية وباستطاعتهم عندها أن يمارسوا العملية الريادية إذا كانوا يرغبون في ذلك بشكل أفضل.

قد لا نحصد آنيا من جراء تعليم الريادة التكنولوجية في مؤسسات التعليم العالي، ولكنها من أساسيات تطوير اقتصاد الابتكار التكنولوجي ومن أساسيات تطوير مجتمع ريادي. وأرى أنه من الأفضل أن يتم استهداف هذه الشريحة بنشاطات توعوية مختلفة لبناء القدرات لشريحة الشباب ولتطوير عملية الإلهام وإتاحة التذوق لما يحتاجه الانخراط بالعملية الريادية. كما أسلفت، حبذا تعليم شريحة الشباب عدة أمور عن الريادة التكنولوجية منها كيفية تقييم الأفكار، تطوير منتج تكنولوجي، تطوير نموذج عمل، الانخراط بعملية التسويق والبيع ومعرفة احتياجات الزبائن، مهارات ترويج الشركة الريادية وعرضها على مستثمرين محتملين. برأيي، آخر محطات، بعد المدارس، لمرحلة الإلهام وتعليم /تعلم الريادة يجب ان تأتي هنا في الجامعات وليس في الحاضنات والمسرعات.

3- تطوير توجه الطلاب نحو ريادة الأعمال

تختلف هذه النقطة عن النقطة أعلاه بأن على الطلبة أنفسهم في الجامعات أن يأخذوا أيضا زمام الأمور بممارسة عملية الريادة ونشر الوعي عنها في الجسم الطلابي كمكمل لتوجهات الجامعة. فلا ترتقي ثقافة التوجه إلى تعليم الريادة إلا بإشراك شريحة كبيرة من الطلبة في نشر هذه المنظومة في الحرم الجامعي وخارجه. تساهم الجامعات في تعزيز قدرات طلابها من خلال البدء بنشاطات مختلفة بما فيها مشاريع التخرج، بالإضافة إلى تنظيم برامج ريادة الأعمال، مثل: مساعدة في تطوير مسابقة أفضل خطة عمل (أو نموذج الأعمال) ومسابقات الابتكار في الحرم الجامعي، وأندية الريادة وغيرها من الأنشطة المماثلة التي تغذي المهارات القيادية لهؤلاء الطلاب وإشراكهم في نشاطات خارج فلسطين وزيارة عدة دول أخرى للاستفادة من بيئتها الداعمة للريادة مثل التشبيك مع مرشدين، مستثمرين، شركاء، وحاضنات داعمة لهم للولوج لأسواق جديدة.  علماً أن المشاركة في هذه الأنشطة تساهم أيضاً في تحقيق التقدم الوظيفي للطلاب فهي تعلمهم المهارات الحياتية، والتفكير النقدي والريادي. وهذه الأمور كلها ممكن لزائر جامعة بيركلي أو ستانفورد أن يراها. لذا الأجدى أن يتم تنظيم نشاطات مثل الهاكثونز والستارت أب ويك إندز من قبل جسم طلابي نشط.

6- إشراك الحاضنات ومسرعات الأعمال

برأيي هناك بعض الفروقات الأساسية التي يجب التطرق لها بما يحصل في الدول الأجنبية وواقع فلسطين. هناك مهارتان أساسيتان للشخص الريادي يجب أن ت/يكون قد استحوذ/ت عليها قبل الانضمام للحاضنة / المسرعة.

الأولى؛ التعرف على فرصة اقتصادية في السوق لها جدوى تجارية ولدى الريادي عناصر تميز ليتابع ويغتنم هذه الفرصة. وغالبا، هذه المهارة تتطور من خلال الاحتكاك والانخراط بالسوق. قلة من الطلبة تكون لديهم هذه المهارة لذا يجب تشجيعهم على ذلك كما أسلفنا من خلال النشاطات الريادية في الجامعات. المهارة الثانية لها علاقة مدى قدرة الشخص الريادي بتوصيل الفرصة الاقتصادية لذوي العلاقة بما فيهم المستثمرين ومدى قدرته لتوفير موارد هي بالأساس غير متوفرة مثل تجنيد التمويل، إقناع أشخاص للانضمام إلى الفريق الريادي، وتطوير منتج مميز وبيعه في السوق.

كون منظومة الإبداع بعد في طور النضوج، نلاحظ أن هذه المهارات يتم اكتسابها خلال برامج الحاضنات / المسرعات وليس قبل. وهنا تقع الحاضنات والشخص الريادي معا في الفخ – وهو عدم المقدرة على تحديد مشكلة فعلية في السوق لحلها ولا المقدرة على تسخير الموارد للشركة الناشئة وبناء عوامل تميز لها.

نعم ممكن ووارد جدا أن يتم دفع ابتكار معين إلى السوق من غير توفر هذه الشروط، لكن هذا النموذج من الريادة هو أصعب ويحتاج إلى وقت أطول لنجاحه.

فما دور الحاضنات والمسرعات إذا؟!

إن إيواء شركات جديدة في بيئة ديناميكية مثل حاضنة / تسريع الأعمال في الأيام الأولى يضع أول خطوة لضمان بقاء هذه الأعمال من خلال تقديم لها خدمات مختلفة أهمها الإرشاد والتشبيك.

تختلف الحاضنات ومسرعات الأعمال من حيث طبيعة عملها عن بعضهما الآخر؛ فالحاضنات غالباً ما تعمل مع الشركات الناشئة لسنوات، وليس لأسابيع كالنسخة الحديثة من مسرعات الأعمال. وهناك شركات في الحاضنة لديها معدلات بقاء تتجاوز في المتوسط نسبة 85٪ (NBIA، 2015)[9]. ويمكن للحاضنات أن ترعى وتنشئ برامج تسريع أعمال، ولكن يجب أن تكون الفئة المستهدفة شركات لها إيرادات مادية وتحقق مدخول عن طريق بيع منتجاتها، ولها فريق إدارة قائم، والتي تود أن تقفز (أي، "تسريع") إلى المستوى التالي من خلال المساعدة من المستشارين الأكفاء وذوي الخبرة الذين يعملون ضمن إدارة الحاضنة.

ويستخدم المستثمرون في الخارج مسرعات الأعمال كاستراتيجية استثمار ووسيلة فعالة جدا لنمو محفظة استثماريه لشركات ناشئة لديها نماذج أعمال قابلة للنمو عند أقل تكلفة. فبضع آلاف من الدولارات، ومن 90 إلى 120 يوما من الإرشاد، يتمكن المستثمرون من معرفة إذا كان لمشروع ما (معظمها في مجالات تكنولوجيا المعلومات كالبرمجيات/ تطبيقات الهاتف المحمول) القدرة على النمو على نطاق واسع من خلال تطوير منتج أولي وتتبع مدى إقبال السوق لهذا الابتكار. لذا أهداف مسرعات الأعمال ليست بالضرورة حول تطوير فرص العمل بشكل مباشر، وهي تختلف عن الحاضنات للمساعدة على نمو اقتصاديات مجتمع محلي. لكن أثر هذه المسرعات على التوظيف ينجلي عند استمرار نجاح إحدى الشركات الناشئة واستمرار نموها بشكل مطرد فتصبح مشغلا رئيسيا في الاقتصاد المحلي والوطني. التحدي في المضمون الفلسطيني يبقى هو أن تكون هناك نوافذ تمويل متخصصة تكون على استعداد لاتخاذ المزيد من المخاطر عندما يتعلق الأمر بتمويل الشركات الجديدة وبناء علاقات من الأسواق الخارجية.

4- إشراك أصحاب المشاريع الناجحة والرياديين الناجحين في العملية الريادية

في مجتمعات الدول الغربية، نلاحظ وجود أصحاب المشاريع الناجحة (مثل أصحاب الأعمال والمحامين والمحاسبين والمستشارين والمصرفيين، الخ) كمستثمرين في الشركات الناشئة. ويكمن الأساس في ابتكار النظام البيئي من خلال وجود هذه الشريحة من المجتمع. هناك ثلاثة أمور ممكن أن تقدم ممن تنطبق عليهم مواصفات هذه الشريحة: وهي المال، والوقت والمهارات/المعرفة.

وتشمل الأمثلة على مبادرات يتخذها هؤلاء الأفراد هو القيام بدور فعال كمتحدثين في الجامعات في تعزيز روح المبادرة وتبادل قصص نجاحهم لإلهام جيل جديد للتوجه لريادة الأعمال وذلك جزء من نقل المهارات والمعرفة عدا استثمارهم لوقتهم والانخراط في عملية الإرشاد مع الرياديين الواعدين كجزء من نقل المعرفة. الأمر الأهم الذي يتم من خلاله الاستفادة من هذه الشريحة هو مقدرتهم على الاستثمار في الشركات الناشئة. ومن الممكن أيضا أن يكون هؤلاء الأفراد حلقة وصل بين الرياديين وجهات الاستثمار، بحيث يكونوا حافزاً لربط مختلف الشركات الناشئة مع أصحاب رؤوس أموال آخرين.  بالإضافة إلى إمكانية تبادل خبرات أعمالهم، ونقل المعرفة أيضا على شكل الإرشاد.

لكن هذا كله يتطلب تغييراً في ثقافة المجتمع. الثقافة التي ينبغي أن تقوم على وعي المرء في دفع ودعم غيرهم من الأفراد للنهوض، وعدم الاحتكار أو حتى الخوف من المنافسة اللاحقة (نعم التنافسية تأتي لاحقا عندما تكبر هذه الشركات الناشئة) أو عدم احترام الملكية الفكرية للآخرين.

ولكن واقعيا لن يكون لهذه الشريحة أي حافز للانخراط بالعملية الريادية لمساعدة الشركات الناشئة إلا إذا أصبحت لديها حصة بالشركة – لكن أن لا تصبح نسبة الملكية المقتطعة من قبل هذه الشريحة في الشركة عائقا أساسيا أمام الريادي في تجنيد مزيد من التمويل في جولات لاحقة.

لكن واضح أن هذه الشريحة هي مكون أساسي في منظومة الابتكار في المجتمعات الغربية وحبذا أن تصبح مكونا أساسيا من المجتمع الريادي الفلسطيني - لكن بعقلية جديدة منفتحة لمساعدة ودعم جيل جديد من الرياديين بعناصر المال والوقت والخبرة والتشبيك.

وقد كنت في مقال آخر لخصت كتاب Why Nations Fail "لماذا تفشل الأمم" الذي يوضح مدى تأثير الأشخاص والمؤسسات الاستخراجية على نجاح الدول من عدمه. وفيما يخص نجاح الريادة التكنولوجية، فهذا القطاع يحتاج إلى منطقة للتعاون والتكامل وليس للتنافسية أو الاستخراج من قبل هذه الشريحة من المجتمع.

5- إشراك الشركات الكبيرة والعالمية في الانخراط في العملية الريادية

في مناطق معينة من الولايات المتحدة، تحول منظومة الابتكار من التركيز فقط على الإنفاق على البحث والتطوير (R&D) داخل الشركات نفسها إلى نموذج الاندماج والاستحواذ (Merger &Acquisition M&A) مع الشركات الناشئة الناجحة كسياسة لاستمرار تطوير مصادر إيرادات جديدة للشركة الأم.

ومن هنا، يعتمد استمرار النجاح المالي للشركات العالمية مثل Facebook  و CISCO وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات الأخرى على استحواذ جديد لابتكارات ونماذج عمل ناجحة (شركات ناشئة) أطلقها رياديون بدلاً من فقط الاستثمار في تطوير الابتكارات الجديدة داخلها[10].

تطبيق هذا البند على الواقع الفلسطيني من خلال استحواذ الشركات والمجموعات الاقتصادية العالمية لشركات ناشئة ناجحة محصور جدا، وقد يكون سابقا لأوانه لعدة عوامل من أهمها مدى نجاح نماذج عمل هذه الشركات، ولكنه لن يبقى شيئا مستحيل ويجب العمل عليه لاستقطاب هذه الشركات وفتح أفرع لها في فلسطين.

هناك غرض آخر من إشراك الشركات الكبيرة والعالمية في الانخراط في العملية الريادية المحلية وهو لغاية الوصول إلى المعرفة العالمية لتوسيع نطاق إدراك الشباب الفلسطيني لما هو خارج فلسطين من فرص اقتصادية. فالشركات الكبيرة والعالمية هي جزء من القنوات للوصول للأسواق. وهي من أفضل ما يمكن للأشخاص الرياديين لتحديد فرص اقتصادية ممكن أن توفر جدوى تجارية لها عدا عن تطوير مهاراتهم التقنية لإبراز عوامل تميز لأي منتج جديد ممكن طرحه في الأسواق من قبلهم.

محليا، يكمن جزء من سر نجاح أي شركة ناشئة على مدى مقدرة الاقتصاد الوطني على دمج هذه الشركة الناشئة في سلاسل القيمة الاقتصادية الوطنية والمحلية والتذليل من عمليات الاحتكار محلياً ومساعدة هذه الشركات على النمو بطريقتين: أولاهما الاستثمار المباشر بهذه الشركات وثانيهما من خلال الشراء منتجاتها وخدماتها. فلسطين بالأساس لا تملك سوقا ناضجا وهو محدود بحجمه لمواءمة ما تحتاجه الشركات الناشئة التكنولوجية لتحقيق النمو المطرد. ولمحدودية السوق المحلي، ننصح أي شركة ناشئة فلسطينية على أن يكون نموذج عملها قابلا للولوج للأسواق الدولية لإعطاء الشركة فرصة للنمو المضطرد المنشود.

__________________________________________________________________-

[1] Innovation policy : a guide for developing countries by World Bank, 2010. and Fostering Innovation to Address Social Challenges by OECD, 2011 and Compass Report: The Global Startup Ecosystem Ranking (2015)

[2] http://venturebeat.com/2015/08/29/the-10-hottest-startup-ecosystems-in-the-world/

[3] Murray, et al (2015). Government co-financed 'Hybrid’ Venture Capital programmes: generalizing developed economy experience and its relevance to emerging nations. Kauffman International Research and Policy Roundtable, Liverpool, 11-12 March 2012

[4] Kuura, Arvi (206). Entreprenuership Policy in Estonia and http://kasvustrateegia.mkm.ee/index_eng.html

[5] https://www.investopedia.com/articles/personal-finance/040915/how-many-startups-fail-and-why.asp

[6] UK Policy paper 2010 to 2015 government policy: government buying May 2015 and SME Development Government Procurement and Inclusive Growth by Asian Development Bank, 2012 and SMEs’ Access to Public Procurement Markets and Aggregation of Demand in the EU by PWC, (2014),

[7] http://energy.gov/savings/residential-energy-conservation-subsidy-exclusion-personal and Metei, Nancy (2013): Incentives for green technology adoption: Getting government subsidies right

[8] https://en.wikipedia.org/wiki/Sun_Microsystems and https://en.wikipedia.org/wiki/History_of_Google

[9] https://www.inbia.org/resources/business-incubation-faq

[10] CISCO List of Acquired Companies http://www.cisco.com/web/about/doing_business/corporate_development/acquisitions/ac_year/about_cisco_acquisition_years_list.html and http://www.strategy-business.com/article/15617?gko=3ec0c