صُدمت كما الآلاف غيري من موافقة لجنة الانتخابات على نشر قوائم للانتخابات المحلية القادمة تظهر فيها صورة وردة مكان صورة المرشحة، ورغم أن هذا تقليد قديم مُتبع في بعض أوساط شعبنا وخاصة بالريف ولكنني كنت أعتقد أن هذهِ الظاهرة قد تجاوزها الزمن وأن القيادة الفلسطينية وهنا طبعاً ممثلة بلجنة الانتخابات ووزارة الحكم المحلي ستعمل على صيانة وصون كرامة نسائنا وتحفظ بعض الإنجازات المُجتمعية التي تحققت في مسار العمل الوطني والكفاحي الطويل لشعبنا والتي كان لنسائنا بها دور متساو ومتكامل على مذبح الحرية والكرامة. ولكنني فوجئت جداً بظهور بعض القوائم وبها غياب لصور نساء مُستبدلة بوردة أو أي رسمة أخرى وهذا أقل ما يُمكن أن يقال عنهُ إهانة لمكانة ودور وكرامة المرأة الفلسطينية لأن هذا التصرف يتعامل معها كعنصر مجهول أو عورة أو غيره، ورغم أن بعض الأصوات المدافعة تدعي أن هذا حق للمرأة أن تضع صورتها من عدمهِ أنا أقول هنا ولو كان ذلك أحيانا صحيحاً إلا أن دائماً هناك دور قيادي وتوعوي للمجتمعات وبالتالي على هذهِ الجهة التي تدعي القيادة وتؤمن بالمساواة الكاملة وتحترم مكانة ودور وتاريخ المرأة الفلسطينية والتي لعبت ولا زالت دوراً لا يقل بتاتاً عن دور الرجل في مسار تاريخ العمل الكفاحي.
ولتنشيط ذاكرة صّناع القرار هنا أود أن أُذكر بالشهيدات: لينا نابلسي، ورجاء أبو عماشة مثلاً والمناضلات دلال المغربي وليلى خالد. والسياسيات حنان عشراوي، وسميحة خليل، ومئات المعتقلات والمناضلات والأديبات والمربيات والمهنيات والعاملات والناشطات والواتي شرفن ولا زلن التاريخ الفلسطيني والذي تميز دوماً بمكانة ودور المرأة الفلسطينية في كافة مجالات العمل الميداني والوطني والمهني والتربوي.
دوماً كانت هذهِ أحدى ميزات مجتمعنا عن باقي المجتمعات المحيطة.
إن الثورة الوطنية المعاصرة والتي حملت راية التحرر والتقدم وكانت جزءاً فاعلاً من حركة التحرر العالمي والمُدافعة عن حقوق المظلومين والمضطهدين والأقل حظاً وعلى رأسهم النساء هذهِ الثورة والتي بعد اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الوطنية تحولت بموجبهِ الحركة الأكبر أي فتح من حركة تحرر وطني إلى حزب حاكم لسلطة وطنية لا تزال طور التكوين بصلاحيات لا تتعدى صلاحيات الحكم الذاتي ولكنها بالوقت نفسه بإمكانها عمل الكثير في بناء الإنسان الفلسطيني من خلال تعزيز قيم المساواة والعدالة والديمقراطية والتعدد.
و لكن وللأسف فإن التراجع الفكري والسلوكي للسلطة الوطنية بشكل عام من الفكر المتنور والمُتقدم والطليعي إلى الفكر المُحافظ والرجعي وذلك إما بسبب غياب التعبئة الفكرية والثقافية أو تحت شعار مُهادنة المُجتمع وإرضاء المزاج العام للناس. وهنا تكمن المُصيبة بحيث أن القيادة دوماً وخاصة إذا كانت أساسها حركة ثورية تقدمية عليها فرض قوانين وأنظمة تحفظ التراث الإنساني التقدمي للمواطن حتى لو واجه ذلك معارضة الجزء المحافظ من المجتمع.
ولو تهاونت القوى التي قادت العديد من المجتمعات في أوروبا وإفريقيا مع المزاج الشعبي العام لبقيت هذه الدول تُراوح مكانها في العديد من المفاهيم الاجتماعية البالية وخاصة بما لهُ علاقة بموضوع المرأة من نيل حقوقها المتساوية.
إن مشاركة المرأة في المجالس المحلية بشكل خاص لها أهمية خاصة واستثنائية ليس فقط من باب الالتزام بالكوتة ولكن من باب المشاركة الفاعلة والحقيقية في الواجبات والمسؤوليات ولمعرفتها الأدق في احتياجات بلدتها وقريتها وفي أحيان كثيرة تزيد عن معرفة الرجل وخاصة الذين يعملون داخل الخط الأخضر ويقضون أغلب أوقاتهم بعيدين عن بلداتهم، ولهذا فوجود المرأة الفاعل بالمجالس المحلية ومشاركتها في رسم الخطط والمشاريع وإعطاء الرأي والمشاركة في التنفيذ سيعود بالفائدة على البلدة أو القرية أو المدينة، ولهذا فلكي يتعرف الناخب عليها ومن باب احترام كيانها وشخصها يجب لزاماً أن تضع صورتها إلى جانب الرجل بدون حياء أو خجل أو خوف.
وختاماً سأفترض أن ما حصل في هذهِ الدورة سيكون الأخير مُعتبراً ذلك هفوة وسوء انتباه من المُشرفين على قبول طلبات الترشح وعدم معرفة ليس أكثر وكُلي أمل أن لا يتكرر ذلك في المراحل المُقبلة إن كان ذلك في انتخابات المراحل الثانية والثالثة من المجالس المحلية أو لاحقاً الانتخابات التشريعية والرئاسية صوناً واحتراماً لنساء فلسطين أمهاتنا وزوجاتنا وإخواننا وبناتنا والتزاما لمن ضحى منهن من أجل غد مشرق ومستقبل أفضل لأبنائنا.