السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بدو فلسطين... ترحال بلا شروق وصمود بدون غروب

بين جبروت الجغرافيا وتخاذل السياسة

2015-04-07 01:23:13 AM
بدو فلسطين... ترحال بلا شروق وصمود بدون غروب
صورة ارشيفية
 
تقرير - محمود الفطافطة

"أنا بعد أوسلو، بعتبر حالي انحطيت في القبر ومتت، أراضي 1948 أنا مطلوب مني أنساها، زي ما نسيت حليب أمي، أراضي (ج) إلي أنا المفروض عايش فيها حُرمت منها، إذن  أنا ما ضلللي وجود، أنا باعتبار انحطيت بالقبر، لمين بدنا نروح نشتكي، سوينا أكثر من مظاهرة لما رحلوا الجهالين ".
 
بهذه الكلمات عبر " أبو الفهد"، الرجل البدوي الذي يُقيم في خيمة بقرية " بيت إكسا " شمال غرب القدس، عن الواقع البائس الذي تعيشه التجمعات البدوية في الضفة الغربية. هذه التجمعات التي يطاردها التشرد والتهجير مثلما يطاردها الفقر والحرمان..  وقبل الخوض في الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبدو في الضفة الغربية، والتحديات التي يواجهونها سنعرج قليلاً للحديث عن تاريخ هذه الشريحة وواقعها تاريخياً.
 
 جاء في دراسة حول التجمعات البدوية الفلسطينية: تخطيط أم تهجير قسري؟ للباحث أحمد حنيطي أن البدو ينتشرون في جميع أرجاء الضفة الغربية، ويتوزعون على ثلاثة قبائل رئيسة هي الكعابنة والجهالين والرشايدة، وتعود أصول الغالبية العظمى منهم إلى صحراء النقب، حيث هُجروا أثناء أحداث النكبة وما تلتها، وهذا ما جعل قرابة 70% من البدو القاطنين في وسط الضفة لاجئون.
 
طرد ونهب
يذكر د. غازي فلاح في كتابه " الفلسطينيون المنسيون": دخلت القوات الصهيونية في نهاية تشرين ثاني 1948 وقامت بتشريد وترحيل سكانه العرب إلى كل صوب، فقد شُرد أكثر من ثلاثة أرباع السكان من البدو، وفرغت مدينة بئر السبع تماما من سكانها العرب . ويُوضح :" بقي في النقب 11 ألف بدوي بعد عام 1953، وظلوا محصورين محتجزين وممنوع خروجهم لمدة خمسة عشر سنة في أرض تبلغ مساحتها مليون دونم منها 40 ألف دونم تصلح للزراعة، وضعت إسرائيل يدها على 38% من مجموعها، وصادرت الباقي في المنطقة المغلقة، وأجَرته للبدو.
 
من جانبه يقول المؤرخ اليهودي " إيلان بابيه" في كتابه " التطهير العرقي في فلسطين": "ظل البدو في النقب عرضة لعمليات الطرد حتى سنة 1962 عندما أرغمت حامولة الهواشلة على الرحيل، ففي عتمة الليل وضع 750 شخصا في شاحنات، وطردوا ودمرت بيوتهم، وصودرت 8000 دونماً التي كانوا يملكونها".  وبشأن عددهم يبين بابيه أن الإحصاءات تشير إلى أن عدد البدو في النقب لم يقل عن 55 ألف نسمة، ولم يزد عن 90 ألف نسمة حتى العام 1948، كانوا يتوزعون على 92 عشيرة. أما الآن فيوجد في الضفة الغربية حوالي 22 ألف بدوي يعيشون في براري القدس، الخليل، بيت لحم، رام الله، وأريحا.
 
وتبين دراسة حنيطي إن البدو في شمال وغرب الضفة الغربية ينتشرون على شكل عائلات صغيرة فردية، أما في المنطقة الجنوبية والوسطى، وكذلك غور الأردن فهناك انتشاراً كثيفاً للتجمعات البدوية. وتتوزع كل قبيلة من القبائل الثلاثة الأساسية إلى عائلات أصغر. وتوضح الدراسة أن الأراضي التي يقيم عليها البدو في وسط الضفة تتبع إلى أربعة أنواع من الملكية: ملكية خاصة لعائلات وأسر في القرى والمدن القريبة، وأراضي وقف، وملكية مشاعية للقرى، وملكية حكومية أو أراضي دولة، وهذه نوعان: جزء منها خاضع للسلطة الفلسطينية، والجزء الأكبر خاضع للسيطرة الإسرائيلية.
 
حياة على صفيح ساخن!
فالبدو(وفق الدراسة) تمكنوا ضمن الشروط التي فرضها الاحتلال تجاههم، والزيادة السكانية لهم، وتقليص أو ثبات عدد المواشي في التمسك بثقافتهم ونمط حياتهم، وبقاء الاعتماد في مصدر دخلهم على الثروة الحيوانية، حيث يعتمد حوالي 90 % من البدو في التجمعات المستهدفة بالتهجير على الرعي كمصدر أساسي للدخل، فيما هناك قرابة 10 % يعتمدون على مصادر أخرى للدخل خاصة العمل داخل المستوطنات.
 
وتؤكد الدراسة أن البدو رفضوا منذ النكبة العيش في مخيمات اللاجئين، وفضلوا العيش في المناطق المفتوحة للمراعي للحفاظ على نمط حياتهم وثقافتهم، ورغم الانتهاكات والمضايقات تجاههم، والتي تتمثل في تضييق مساحات الرعي، والمناطق العسكرية المغلفة، وهدم الخيم والبركسات وحظائر الماشية، وعدم السماح بتحسين البنية التحتية والخدمات بما تشمل الصحة والتعليم، رغم كل هذه الانتهاكات الإسرائيلية بحق البدو، إلا أنهم لا يزالون متمسكون في نمط حياتهم وثقافتهم.
 
وفي دراسة للباحث يعقوب عودة  حول التهجير القسري للبدو في القدس يبين أن ملاحقة البدو وترحيلهم سياسة قديمة جديدة منذ نكبة عام 1948 وحتى اليوم، لكنها تصاعدت أكثر منذ سنة 1992 وتفاقمت بعد اتفاقيات أوسلو، واشتدت أكثر وباتت تشكل خطراً وتهديدا لحياتهم، من أجل فرض وقائع على الأرض قبل بدء مفاوضات الحل النهائي، وتزداد الهجمة شراسة وبشكل طردي مع زيادة الرغبة في توسيع مخطط التوسع الاستيطاني، وعليه يواجه البدو تهديدا خطيرا منذ محادثات " واي ريفر" وتصاعد الخطر حتى بات مصيريا اثر إعلان شارون لحرب التلال، حين عقدت محادثات " كامب ديفيد"  الثانية، وهذا يؤكد صحة ادعاء البدو " نحن نشكل الخط الأمامي في الدفاع عن الأرض والتصدي لسياسات التوسع الاستيطاني".
 
ترحيل وتهميش!
أما بالنسبة للأساليب التي استعملتها قوات الاحتلال لتنفيذ مخطط الترحيل، فكانت بأسلوبين (وفق ما جاء في دراسة بعنوان " عرب الجهالين من النكبة إلى الجدار " أعدتها هديل حنيطي) الأول الترحيل القسري المباشر، عندما كانت تهدم مضاربهم في السبعينيات والثمانينيات، وعندما نقلت حمولة السلامات بالقوة في أواخر السبعينيات إلى تلة في أبو ديس، والأسلوب الثاني تمثل بالإجراءات العسكرية والقمعية التي أخضعتهم لها، بإغلاق مصادر الرزق من المراعي والمياه وسياسة المطاردة والغرامات، فكانت النتيجة ترحيل عدد كبير منهم، ووضعهم أمام مستقبل مظلم.
 
وتؤكد الدراسة أن السلطة الفلسطينية منذ قيامها، قد لعبت دوراً في تدمير عناصر ومقومات الصمود والثبات للمجتمع البدوي، بدءاً من التوقيع على الأراضي التي يقيمون عليها ضمن تصنيف (ج)، إلى استثنائهم من جميع الخدمات الصحية والتعليمية بعد قيامها، وانتهاءً بعدم حماية اقتصادهم القائم على الثروة الحيوانية، سواء بدعمهم بالأعلاف، أو حماية تسويق منتجاتهم، من خلال سن إجراءات تقضي منع استيراد الخراف أو المنتجات الحيوانية في موسم الإنتاج المحلي.
 
مخطط التغييب!
إلى ذلك، نود التطرق إلى مخطط إسرائيلي أعدته الإدارة المدنية الإسرائيلية في منطقة النويعمة بأريحا، لاستيعاب حوالي 12,500 بدوي من أجل طردهم  من الأرض القاطنين فيها.  هذا المخطط جاء ( وفق دراسة أحمد حنيطي) دون استشارة البدو والحوار معهم، وهو أيضا لا يلبي الاحتياجات النفسية والثقافية والاقتصادية للبدو المستهدفين، وهو أشبه بمخيم للبدو وليس قرية حضرية، والبدو يعارضون المخطط، وبالتالي سوف تكون عملية الترحيل إلى هذا المخطط قسريا، فالهندسة المكانية واستخدام المساحات كما في المخطط يتعارض مع الثقافة البدوية، ويجرد البدو من مصادرهم الإنتاجية التقليدية ( الثروة الحيوانية) ويجعلهم يعتمدون على العمل المأجور.
 
 وترى الدراسة أن ترحيل البدو إلى المخطط هو تهجير قسري بما تحمله الكلمة من معنى، وأن طبيعة المخطط ستؤدي إلى تدمير الثقافة البدوية، كما ويوجد بين العديد من القبائل البدوية المستهدفة بالتهجير القسري للمخطط صراعات ومشاكل، وقربهم لبعض سيؤجج هذه المشاكل، فضلاً عن تقليص الإنتاج الوطني الفلسطيني من الألبان واللحوم الحمراء، وعدم مراعاة الزيادة الطبيعية مما يُفاقم مشكلة السكن، والتعارض مع مفهوم التنمية المستدامة، والتي تعتمد بالأساس على توسيع خيارات الناس.
 
حقوق مختنقة!
من خلال الاطلاع على جملة من الأدبيات حول واقع البدو الصحي والتعليمي والاقتصادي يمكن الخروج بالآتي. فبخصوص الوضع الصحي فإن بعض التجمعات البدوية تعاني من عدم وجود تأمين صحي فلسطيني يسهل حصولهم على خدمات صحية، في ظل التكلفة العالية التي لا طاقة للمواطن البدوي بها. وأشارت بعض التجمعات التي لديها تأمين صحي فلسطيني ـ سلطة ـ بأن الخدمات محدودة " كحبة أسبرين " وأن الكثيرين لا يستطيعون دفع بدل الاشتراك فيه، كما وشكا البدو ممن يحملون بطاقة إعاشة من وكالة الغوث، وتزيد نسبتهم عن 77% من المجموع، من عدم توفر الخدمات الصحية إلا بشكل محدود. يقول المختار أبو داوود في تجمع الرغابنة بالقدس:" لم نتلق خدمات صحية ميدانية لا فلسطينية ولا إسرائيلية، وأن العيادة المتنقلة التابعة لوكالة الغوث زارت التجمع ثلاث مرات على مدى ثلاثة أشهر، ولم نرها بعد ذلك.
 
أما بشأن المجال التعليمي فإن الوضع التعليمي في التجمعات البدوية بائس ومحدود جداً، حيث يتمنى البدو في تجمعاتهم من السلطة ووكالة الغوث توفير التعليم الابتدائي خاصة في التجمعات القريبة من بعضها، وأن يتم توفير وسيلة نقل للأطفال الطلاب، حيث يسير الأطفال 10 كم ذهاباً وإياباً كما هو في تجمع الرام، كما إن الإدارة المدنية الإسرائيلية ترفض فتح مدارس للبدو.  ومن الأمثلة على الوضع المتردي للتعليم في مناطق البدو أن المدرسة في تجمع الرغابنة بمنطقة القدس هي مدرسة أساسية حتى الصف السادس، ثم ينتقل الطلبة إلى المدرسة في العيزرية، لكن وبسبب تغير الوضع على الطلاب، وحيث لا يوجد تعليم صناعي يتسرب الأولاد من المدرسة ويتوجهون إلى العمل في مستعمرة " معاليه أدوميم"، حيث يدخل في الصف الأول 55 طالبا وطالبة، ولا يبقى منهم إلى الصف التوجيهي سوى 2ـ 3 من الطلاب، و4ـ 5 من الطالبات.
 
وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي فالبدو يعانون من إفقارٍ مستمر مخطط مسبقا من سلطات الاحتلال، وذلك جراء خنق مساحات المراعي بحجة أنها مناطق خضراء أو عسكرية أو طرقات أو توسيع مستعمرات، وأخيراً جاء جدار الضم والتوسع العنصري، ليأخذ ما تبقى من أراضي قابلة للرعي، وجراء سياسة الترحيل القسري للبدو من مكان لآخر فقد تسبب ذلك بموت الخراف الصغيرة وخاصة في فترة ولادتها إن كان الطقس شتاءً، وجراء غلاء أسعار الشعير ـ رفع أسعار العلف ـ من 600 شيقل إلى 2000 شيقل، وسعر النخالة من 16 شيقل إلى 60 شيقل، وجراء البطالة التي عبر عنها أحد البدو أنها رهيبة (80%)، ويضيف " أنه طلبنا من السلطة الفلسطينية دعمنا بالعلف، أو إعفائنا من الضريبة على العلف، وبالرغم من بعض المساعدات وبعض المشاريع إلا أن المشكلة الاقتصادية للبدو أعمق بكثير ولا تزال تتفاقم".
 
أصوات بدوية
محمد خليل من عشيرة العزازمة يقول :" من سنتين سلمتنا الإدارة المدنية إنذارات بالرحيل من شمال شرق الرام دون تحديد إلى أين نرحل، فقلت لهم أرجعونا إلى أرضنا في السبع، فرد عليَ الموظف الإسرائيلي " ممنوع" وقال اذهبوا إلى عناتا، فقلنا لهم الأرض لها أصحابها".   
 
محمد سالم من عشيرة الكعابنة يبين:" حضرت قوة عسكرية كبيرة برفقة جرافة عسكرية في 2 كانون ثاني 2008 وباشرت بهدم وتكسير وتخريب 15 بركس، منها 5 بركسات سكنية وأخرى لتربية الأغنام، حيث دمر سكن المواطن عمر عرار وسليمان سلمان، ولم يسمح لهما بإخلاء أي شيء من أثاث منزليهما، وباتت العائلات والأغنام في العراء".
 
أبو الفهد من عرب الجهالين يؤكد:" البدو مستقبلهم صعب، الاحتلال رح يمحيهم من الوجود، ومش رح يلاقوا حياة ولا مستقبل إذا ما في حل جذري للبدو، إليَ بتهجر بتهجر واليَ بذوب في المجتمع واليَ بصير عامل، والسلطة مهملة تماما بحقهم، بالعكس السلطة تحارب البدو في لقمة عيشهم، السلطة تستورد خراف في الموسم إليَ بكون عند الفلسطيني خراف، فالخروف النيوزلندي ينباع بـ 50 دولار، بينما خروفي البلدي مكلفني 150 دولار، هذه ضربة على العصب للمزارع".
 
المواجهة والمطالب
ومن تفاصيل هذا الواقع لبدو الضفة ننتقل إلى آلية المواجهة والبدائل والمقترحات لتطوير وتحسين حالتهم. جاء في تقرير للائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس أن بدو الضفة يقومون بإعادة هندسة حياتهم بشكل مستمر نتيجة التغيرات التي تفرضها السياسات الإسرائيلية بما يحافظ على خصوصية العائلة البدوية واستمرار تلبية احتياجاتها النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لذلك يعيشون في تجمعات قليلة الكثافة السكانية، وفي بيوت تتباعد عن بعضها البعض حسب درجة القرابة، والمساحات التي تعتبر المجال الخاص لكل عائلة بما تشمل تحرك النساء وتلبية الاحتياجات المنزلية والاقتصادية.
 
ويوضح التقرير أن البدو بدءوا يعملون على مواجهة المخطط الصهيوني لترحيلهم باتجاهين، الأول: قانوني تمثل برفع قضيتهم إلى محاكم الاحتلال، والثاني الضغط الإعلامي من خلال الاعتصامات والمسيرات واطلاع القنصليات والسفارات العالمية على حجم المشكلة التي يتعرضون لها، فبرزت قضيتهم بصورةٍ كبيرة.
 
وفي هذا الصدد، يوصي العديد من المتخصصين والمهتمين بالشأن البدوي بضرورة تحقيق المطالب الآتية: 1. تفعيل القرارات الحكومية المتخذة لصالح البدو من خلال حملة مناصرة ومذكرات واحتجاجات، سواء ما تعلق بتخصيص موازنات لم تصرف أو أنها صُرفت بطرق غير شفافة، وكذلك تفعيل التحرك السياسي والدبلوماسي وتنفيذ قرارات سابقة ومنها إعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي ومنها الأعلاف من ضريبة القيمة المضافة. 2. وجوب قيام المؤسسات الأهلية الفلسطينية والدولية على تطوير مشاريع لدعم صمود وبقاء التجمعات البدوية وتحسين الخدمات المقدمة لهم.3. ضرورة توحيد الصوت البدوي وتفعيل تدخلات السلطة والمنظمات الدولية والمانحين والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية في إطار مهمته لحماية الوجود البدوي وتعزيزه في فلسطين وتحقيق مزيد من الإنصاف للبدو في التنمية والخدمات.