هل في نية إسرائيل الآن أو في أي وقت آخر قادم التفاوض مع الجانب الفلسطيني للوصول إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على حل الدولتين؛ دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف (الشرقية) ودولة إسرائيل دولة كل مواطنيها وليست دولة اليهود.
انشغلت إسرائيل في السابق في إنكار وجود شعب فلسطيني ثم بعد ذلك في توصيف منظمة التحرير الفلسطينية، هل هي حركة إرهابية أم هي حركة تحرر وطني، تمثل تطلعات شعبها في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
واستقر الرأي بعد سنوات طوال على أن المنظمة تمثل الشعب الفلسطيني وتطلعاته ووقعت إسرائيل معها اتفاق أوسلو وتم الاعتراف المتبدل بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وانبثق عن الاتفاق السلطة الوطنية الفلسطينية التي مارست مهام دولة في السياسة الخارجية والداخلية الفلسطينية، وكانت لدى اسحق رابين الجرأة في توقيع اتفاق أوسلو وإعادة الانتشار في مناطق الضفة الغربية وتسليمها للسلطة أو ما تسمى مناطق (أ ، ب) إلى أن اغتيل رابين على يد متطرف يهودي لتتوقف عملية سلام كانت واعدة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي التي احتلت عام 1967.
ومنذ مقتل رابين تراجع الإسرائيليون خطوة خطوة عن أوسلو، وأفرغوه من محتواه واتبعوا سياسة التفاوض من أجل التفاوض وأصبحت السلطة الفلسطينية بلا سلطة في مناطقها ولكنها ملزمة بتدبير شؤون المواطن الفلسطيني المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بمعنى أوضح أصبحت وكيلا للاحتلال في إدارة شؤون المناطق التي تشرف عليها.
ومنذ ما قبل أوسلو وعلى الرغم من مبادرة السلام الفلسطينية التي تبناها المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الـ19 في الجزائر دورة إعلان الاستقلال فإن جانبا مهما في إسرائيل يرفض السلام مع الفلسطينيين، ويرفض فكرة الدولة الفلسطينية والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 ويبحث عن سلام مع العرب، وقد عبر ليبرمان قبل أيام عن هذا الاتجاه مجددا رغبته في سلام شامل مع العرب وليس مع الفلسطينيين.
إن حكومات إسرائيل تتهرب من السلام ومن استحقاقاتها، فالمبادرة العربية التي كانت بالأصل مبادرة سعودية وتبنتها قمة بيروت وأصبحت قرارا في مجلس الأمن تحت رقم 1515 وفحواها أن الدول العربية والإسلامية الـ59 تعترف بإسرائيل مقابل قيام دولة فلسطين وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194.
لم تلتفت إسرائيل إلى المبادرة العربية، ولا تريد أن تعيش في محيط من السلام فهي ما تزال تنكر وجود شعب فلسطين، وفوز حزب الليكود ومعسكر اليمين وتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة دليل على أن إسرائيل تقف في مواجهة رغبة المجتمع الدولي في احلال السلام بين إسرائيل وفلسطين وإنهاء الصراع الذي بات ذريعة للتطرف بكل أشكاله الذي يجتاح المنطقة ويعصف بدولها وأنظمتها ولن تكون إسرائيل بعيدة عن تأثيراته مهما تحصنت وراء جند أو سلاح نووي.
والأمر الذي لا تدركه حكومة إسرائيل هو التحول الإيجابي في أوروبا والعالم تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، والتعامل معها على هذا الأساس، ومقاطعة إسرائيل في مجالات تعاون عديدة ومقاطعة منتجات المستوطنات والتنديد بالاستيطان باعتباره مناف للقانون الدولي.
لقد كشف نتنياهو نواياه الحقيقية في حملته الانتخابية برفض حل الدولتين، وتفوه بكلمات عنصرية عن العرب في الداخل، واعتذر عنها ما أثار حفيظة الولايات المتحدة وأوروبا والرباعية التي بنت سياستها ووساطتها لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وأكدت أن حل الدولتين لا يزال أساس أي تسوية للنزاع في الشرق الأوسط وألحقت واشنطن هذا الموقف بتصريح دعت فيه إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 67، وهو موقف أمريكي يرهب إسرائيل وحكومتها مهما كانت هذه الحكومة يمينية أم يسارية صهيونية.
وما تزال القيادة الفلسطينية متمسكة بحل الدولتين؛ دولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 وهو الموقف الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني منذ العام 1988 في الجزائر ولم تحيد عنه. وتحاول إسرائيل الالتفاف على هذا الموقف بالعمل على إقامة دويلة في قطاع غزة وجزء من سيناء، بتغذية الانشقاق وتوقيع هدنة لمدة (15 عاما) مع هذه الدويلة ومنحها طريق إلى القدس للصلاة فقط، أما الضفة فتمنح حكما ذاتيا ذا حقوق دينية ومدنية وبذلك ينتهي حلم شعب فلسطين في دولة مستقلة عاصمتها القدس.
إن تجاهل حكومة نتنياهو السابقة واللاحقة لحقوق الشعب الفلسطيني لن يزيد الأجيال القادمة من أبناء هذا الشعب إلا تمسكا بكامل حقوقهم والعودة بالصراع إلى بداياته والحلول الصفرية، إما نحن وإما هم، وكم سيفنى من الشباب قبل أن يستيقظ ضمير الحاكم المتربع على كرسي رئاسة حكومة إسرائيل ويسير في طريق السلام العادل والتعايش والتعاون بين الجيران.