حتى بحسب تقديرات جيش الاحتلال الذي يحاول دائما التقليل من اهمية ما يقوم به المستوطنون يتحدثوا عن ارتفاع منسوب الاعتداءات التي ينفذها قطعان المستوطنين ضد الفلسطينيين بنسبة كبيرة خلال العامين الماضيين كماً ونوعاً، ومعها ارتفعت بنسبة كبيرة ايضاً المخاطر والاضرار التي يتكبدها ويلحقها بالمواطنين الفلسطينيين ليس فقط على المستوى المادي، وانما ايضاَ بحسب الحالة الراهنة وما تنذر به من احتمالات اتساع دائرة "العنف" المنفلت من غلاة التطرف والعنصرية بحقه، واتساع نطاق الاعتداءات على امتداد الضفة الغربية .
وبات من الواضح ايضاً ان هذه الاعتداءات لم تكن طوال السنوات الماضية مجرد حوادث متفرقة منفصلة عن سياق عام ممنهج تغذيه ايدولوجيا الحقد والتربية على الكراهية التي نراها جلية واضحة ولا تحتاج لبراهين او ادلة امام كل الاحداث الاخيرة التي تلت مقتل المستوطن بالقرب من مستوطنة حومش المخلاة، وحالة الانفلات العنصري لسوائب المستوطنين وهي في الحقيقة ما يجب ان يتم قراءته سياسيا على المستوى الفلسطيني بشكل عميق فردود الفعل والعمليات الانتقامية بعد حومش وان اشتركت في الظاهر مع حوادث مشابهه في السابق كما يحدث عندما يتم تنفيذ عملية فدائية بالمعنى المباشر هذا صحيح ربما!! لكن المختلف هذه المرة وما يجب ان نراه ونلتفت اليه جيدا بفحص متأني ولم يتم تناوله في وسائل الاعلام او حتى في التعليقات السياسية الاولية على الاقل بتركيز هي مسألة استخدام المستوطنين للزي العسكري لجيش الاحتلال عند مهاجمة منزل وائل مقبل 61 عاما في بلدة قريوت جنوب نابلس بعد طرق باب المنزل بقوة عندما سألهم من الطارق اجابوه كما قال بعربية ركيكة(جيش افتخ) لينهال عليه بالضرب المبرح أكثر من خمسة عشرا مستوطنا بالعصي، والقضبان الحديدية حيث نجى من الموت باعجوبه بعد ان قاموا بتحطيم أثاث البيت، وهو ما شاهده الجميع على شاشات التلفاز لكن هذه المرة وبهذا الشكل، والدخول لداخل البيت، والاعتداء على المواطن وزوجته بهذه الأسلوب ربما تكون المرة الاولى منذ (احراق عائلة دوابشة) رغم تسجيل عدة حوادث سابقة تقترب من هذا الاعتداء لكنها لم تأخذ هذا الحجم والطريقة، ولا شك لدي ان تقاسماً متفق عليه بين المؤسسة العسكرية، وقادة المستوطنين لتبادل الأدوار، وتنفيذ المخططات بتفاصيلها هو ما يتم فعلا وان كلا الطرفين في الحقيقة طرف واحد تحت عنوان واحد هو الاحتلال ولا فرق بين المستوطن والجندي الا بالزي العسكري احياناً فالمستوطن هو جندي بسلاحه ولكن بزي مدني .
الحادثة في قريوت والقرى الأخرى تنذر بوقوع ما هو اشد واقسى واوسع بل وأكثر خطورة في المستقبل القريب ربما ببعدين الأول كما تمت الاشارة اليه باستخدام الزي العسكري واقتحام المنزل، وتنفيذ الاعتداء بالسلاح الناري كارثة او مجزرة كان يمكن أن تحدث لولا صراخ سميحة زوجة مقبل، وتلبية استغاثتها من قبل الأهالي، ونقل زوجها لمشفى رفيديا حيث يعاني من كسور في عدة اضلع، رضوض في أنحاء جسمه، إصابات كان يمكن ان تكون قاتلة لا قدر الله وهذه هي المسألة الثانية التي تعكس مدى التصميم داخل نفوس " فتيان التلال" ومن يقف وراءهم فمن اقتحام اطراف بعض القرى النائية الى العمل على قطع عشرات الاشجار تحت جنح الظلام، ومنع المزارعين من الوصول الى ارضهم، وسرقة محاصيلهم ثم مهاجمة المركبات على مفترقات الطرق الرئيسية تحت حراسة الجيش، وتسميم آبار المياه، وقتل المواشي ثم هذه النقلة النوعية التي يجب ان ننظر اليها بشكل مختلف بعد عملية حومش الاخيرة وهو العامل الآخر الهام واللافت في هذا الاطار وهو الاعلان عن عدم دفن جثة المستوطن القتيل أحد طلاب المدارس الدينية المتطرفة وهو جندي في جيش الاحتلال الا باقامة البؤرة الاستيطانية الجديدة للمعهد الديني في حومش المسألة غاية في الأهمية تضيف دليلا جديدا على مدى تعاظم نفوذ وقوة الحركة الاستعمارية الاستيطانية، والدور الذي تلعبه في حياة "الدولة" وهو ما يؤكد ايضا بعكس التقديرات او الخطأ الذي نقع فيه للتفريق بين الجيش والمستوطنين حيث يبدو بما لا يدع مجالا للشك ان "الدولة" التي اقيمت بفعل الحركة الاستيطانية والكيبوتسات الزراعية انها اي مؤسسة الجيش هي في خدمة المشروع الاستيطاني وحمايته وتامين توسعه وليس العكس، وان كل الخطوات التي سبقت نكبة العام 48 كانت للتحضير لتفريغ القرى والبلدات العربية من سكانها عبر تنفيذ المجازر الدموية، وهو ما كشف النقاب عنه بالمناسبة خلال الايام القليلة الماضية في تقارير لمؤسسات ومراكز امنية وبحثيه اسرائيلية حول ارشيف النكبة والمذابح التي جرى تنفيذها في القرى والبلدات العربية .
احدى السيناريوهات غير المستبعدة بل ربما المخطط لها فعلا خلال الفترة المقبلة تتمثل بهجوم او هجمات واسعة النطاق تشنها مجموعات كبيرة من المستوطنين على إحدى القرى الصغيرة البعيدة، ومحاولة تنفيذ ترحيل الناس منها او تنفيذ اعتداء وحشي واسع أيضا مما يضطر الناس للمغادرة بحسب هذه الخطط هذا ليس مجرد سيناريو وتحليل وتكهنات غير واقعية بل هو احتمال قائم نتاج ما يجري من مسلسل طويل مستمر بأوجه وأشكال مختلفة وهو ما يجب ان يتم الاستعداد لمواجهته بل ووضع مقترحات عملية جدية للتصدي لمثل هذه السيناريوهات إذا ما وقع رغم يقين الجميع ان تكرار ما جرى ابان النكبة هو امر مستبعد بل مستحيل الحدوث مرة اخرى، وان المواطن الفلسطيني مستعد للموت في ارضه وبيته قبل التفكير مجرد التفكير بالمغادرة او الرحيل القسري او الطوعي بتضييق الخناق على مقومات الحياة لإجباره على الرحيل .
الاعتداءات بعد عملية حومش لم تنتهي ولن تتوقف الهجمات كما يمكن أن يتصور البعض وهي مرشحة للمزيد من الاتساع بسبب أو بدون سبب، وان يكن قد خف شكل التجمع على الطرقات، وتحطيم مركبات المواطنين هو الشكل المباشر المقلق لما يشكله من تهديد على حياة الناس إلا أن الزحف الاستيطاني المتواصل وتسمين المستوطنات، واضافة المزيد من استقدام البيوت لما يسمى البؤر العشوائية الاستيطانية، والتصريحات والتهديدات الداعية للانتقام من العرب كلها تصب في قناة واحدة تفضي في نهاية المطاف لحدوث ما لا تحمد عقباه .
اذا لم يكن هناك تحرك دولي حقيقي بخطوات ملموسة جدية لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإجبار إسرائيل قوة الاحتلال على وقف التعديات والانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي والعمل على معاقبة محاسبة قادة الاحتلال وهم من يعطون التعليمات للمستوطنين لتنفيذ أعمالهم الارهابية ضمن حرب ابادة تجري امام وعلى مراّى ومسمع العالم اجمع فان ما قد تقدم عليه عصابات المستوطنين لن يتوقف عند استباحة المسجد الأقصى بالاقتحامات اليومية بل ربما يصل اقامة الهيكل المزعوم على انقاض أجزاء منه، وفي ساحاته او القيام بخطوات ذات طابع استراتيجي يتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية يتعدى مسألة التوسع القائم، واحتلال التلال وصولا للممارسة الضم الفعلي، وفصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها ضمن كانتونات، وخلق واقع ليس أقله تأثيرا الإعلان عن اعتزام بناء محطة الحافلات المركزية قرب حاجز زعترة في قلب الضفة الغربية، وما يرافقه من شق الطرق المتواصل في المنطقة تلك المنطقة ملهتمة مئات الدونمات الزراعية بشكل غير مسبوق، ومد خطوط الطرق الرابطة بين المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية وربطها ببعض .
ما أعقب عملية حومش هو بمثابة نقطة ارتكاز تحمل نذر متغيرات كبيرة مختلفة عن طرق الرد السابقة ونقطة تحول مهمة، ومحطة لافتة علينا أن نراها ببعد نظر وبصيرة واضحة لمواجهة آثارها لأن المرات القادمة لأي حدث قد يجري في اي منطقة سيكون بالاعتماد على ما جرى خلال الأيام الماضية، وليس أقل من ذلك، وهو ما يتطلب تطوير جهوزية عالية للتصدي لأي هجمات محتملة قد تحدث بسبب أو بدون سبب ووضع خطط مواجهة باعداد وبناء، وتفعيل لجان الحراسة والحماية، وتشكيل لجان الأحياء في المدن والمناطق المتاخمة للمستوطنات والطرق الالتفافية، وإرساء قواعد عمل شعبي نوعي مختلفة بالنوع، والحجم، وابتكار كل الوسائل الخلاقة والابداعات الشبابية كما يجري في جبل صبيح في بيتا، وتعميم التجربة لتصبح حالة شعبية يومية ضمن واقع الشعب الفلسطيني وفي سبيل استمرار نضاله وحقه المشروع للخلاص من الاحتلال .