الإثنين  18 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مصادر حكومية أردنية تكشف تفاصيل الاتفاق مع إسرائيل وإدارة أردنية لتنفيذ "ناقل البحرين"

2015-04-08 04:48:08 AM
مصادر حكومية أردنية تكشف تفاصيل الاتفاق مع إسرائيل وإدارة أردنية لتنفيذ
صورة ارشيفية

الحدث- الغد الأردني
فيما أنهت الحكومة، بحسمها قرار المضي بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين (الأحمر- الميت)، سنوات طويلة من المد والجزر، التي رافقت مفاوضات هذا المشروع، فإن الجدل والمعارضة "السياسية" و"الفنية" لتنفيذه ضمن سياق "إعلان واشنطن" ما يزالان أيضا حاضرين.
ومنذ اليوم الأول لتوقيع الأردن مذكرة التفاهم الثلاثية، في كانون الأول (ديسمبر) العام 2013، مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، واجهت الحكومة انتقادات شديدة اللهجة، من مختصين في قطاع المياه، باعتبار أن السير بالمشروع ضمن السياق الجديد "يخدم مصلحة الجانب الإسرائيلي".

وتبقى المشاريع الأردنية المرتبطة بإسرائيل، خاصة الاستراتيجية والحيوية منها، ومن ضمنها مشاريع المياه والطاقة، محل انتقاد شعبي وحزبي ونقابي، حيث تنصب الانتقادات، إضافة إلى بعض الجوانب الفنية والبيئية والاقتصادية، على الجانب السياسي، بربط هذه المشاريع المشتركة بقضية "التطبيع" مع الجانب الإسرائيلي.    

الحكومة: الخيار الوحيد لتحقيق الأمن المائي 

وتدافع مصادر حكومية رفيعة المستوى، في تصريحات موسعة لـ"الغد"، عن توقيع الاتفاق والمضي قدما بمشروع ناقل البحرين، وتقول إن الحكومة قامت بدراسة كافة خيارات تأمين المياه، عبر مصادر دائمة للمملكة، التي تعاني عجزا متزايدا، يكاد يصل لحد العطش، وارتأت أن المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين هي "الحل الوحيد الذي سيحقق متطلبات الاقتصاد القومي والأمن المائي الأردني".

وناقشت المصادر الرسمية، التي طلبت عدم نشر اسمها، أبرز الانتقادات والاراء المعارضة للمشروع، مؤكدة "وضوح بنود الاتفاقية الثنائية الجديدة، والموقعة مع الجانب الإسرائيلي مؤخرا"، مشيرة إلى أن الحكومة، ممثلة بوزارة المياه والري، "استطاعت إعادة صياغة هذا المشروع، الذي سينفذ في الأراضي الأردنية، وبإدارة أردنية، ليخدم المصلحة الوطنية العليا". 

وفي الوقت الذي اصطدم فيه المشروع عبر سنين طويلة بارتفاع كلفة التنفيذ المالية، إلى حد اعتباره "ضربا من الخيال"، حتى مع إمكانية تقسيم المشروع بشكله السابق إلى مراحل، خاصة أن كلفة مرحلته الأولى (ضمن الشكل السابق) بقيت مرتفعة، وقدرت بنحو 4.4 مليار دولار، من أصل الكلفة الإجمالية للمشروع، التي تتراوح بين 10 إلى 15 مليارا، تقول المصادر إن الحكومة "قررت (أخيرا) تقسيم المشروع، إلى مراحل، والبدء بتنفيذ مرحلته الأولى، ضمن رؤية جديدة، تمكنت من تقليص كلفته لحوالي 900 مليون".

تحفظات فنية وتشكيك بالجدوى 

وانتقد خبراء في قطاع المياه عودة الحكومة عن السياق الأساسي لمشروع ناقل البحرين (البحر- الميت)، وذلك لـ"خسارة" إيجابياته الكبرى في توليد الطاقة عبر الاستفادة من فرق منسوب الارتفاع بين البحرين (والمتاح في منطقة البحر الميت وليس البحر الأحمر كما هو الحال ضمن المشروع الحالي)، والبالغ نحو 620 مترا، وذلك عند إنشاء محطة التحلية في منطقة البحر الميت وليس في العقبة، بحسب مخططات المشروع النهائي.

وأضاف الخبراء أن هذا الفرق يستغل في توليد الطاقة في وقت يصبح فيه المشروع ذاته مولدا للطاقة وليس بحاجة للطاقة لاستهلاكها، بينما سيستهلك المشروع، ضمن سياقه الجديد، طاقة كبرى في حال تمت تحلية المياه في منطقة العقبة.

وبينوا أن المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين بسياقه الحالي، ستستهلك طاقة بنقل المياه "المشتراة" من المصدر عند الحصول عليها من بحيرة "طبرية" في الشمال، حيث سيترتب على ذلك إنشاء محطة معالجة شبيهة الخصائص لمحطة "زي" بالإضافة لإنشاء محطات ضخ أو رفع لأعلى مناطق محافظات إربد، فضلا عن التكاليف المالية المترتبة على ذلك.

وزادوا أن ذلك يتطلب نقل المياه من منسوب أقل من نحو 280 مترا إلى مستويات تزيد على 1000 متر تقريبا في بعض مناطق إربد، وهو الأمر الذي يستهلك طاقة كبرى. 

فيما كشفت المصادر الحكومية، في تصريحات سابقة، أن اعتماد وزارة المياه والري خيار تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين (الأحمر- الميت) وفق مبدأ "مبادلة المياه" الناجمة عن المشروع بين المناطق الشمالية والجنوبية، سيوفر نحو 1.500 مليار دينار سنويا على الخزينة.

وأكدت نفس المصادر أن كلفة الوحدة الواحدة من المياه التي ستوفرها المرحلة الأولى للمشروع ستنخفض عن نظيرتها الناجمة عن مشروع الديسي، بما نسبته 25 %.
هل تجدي مبادلة المياه مع إسرائيل؟ 

وفيما رأى مختصون في قطاع المياه أن حصة الأردن من المياه المحلاة ضمن المشروع، "ضئيلة، ولا تفي بالغرض"، عدا عن كونها ستزود منطقة العقبة، التي لا تعاني أصلا شحا بالمياه، فإن المصادر تبين أنه "ستتم عملية مبادلة لتوزيع المياه بين مختلف المناطق، حيث سيتم وقف ضخ مياه الديسي إلى منطقة العقبة، وعن مزارع الديسي، عند البدء بتشغيل مشروع ناقل البحرين".

وأضافت المصادر أنه سيجري العمل على تأسيس أكثر من "مأخذ للمياه" في جانب البحر الأحمر للمشروع، وذلك بغرض رفع كميات المياه، التي قد يتم تحليتها مستقبلا، من خلال محطة التحلية، التي ستقام في منطقة العقبة ذاتها. وأكدت المصادر ذاتها أن كميات المياه، المتوقع أن تنجم عن المشروع، "ستوفر القدرة على سد الاحتياجات المائية في مختلف مناطق المملكة، سواء في الشمال أو الجنوب، حيث سيكون الأردن بأمس الحاجة لها، خلال الأعوام القليلة المقبلة، ولحين البدء بتشغيل المشروع والمتوقع أن يكون نهاية العام 2019". 

ووقعت وزارة المياه والري اتفاقية ثنائية مع الجانب الإسرائيلي في آذار (مارس) الماضي، بحضور دولي رفيع المستوى، حيث ترسم الاتفاقية الخطوط الواضحة لمكونات المشروع الرئيسية، وطريقة التنفيذ، والجدول الزمني، الذي سيتم السير به، وآلية متابعة الاعمال وادارة المشروع والتمويل والآثار البيئية والاجتماعية.

وتأتي هذه الاتفاقية الثنائية استكمالا لمذكرة التفاهم، التي وقعت في العاصمة الاميركية واشنطن، في كانون الأول (ديسمبر) العام 2013 مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ونصت الاتفاقية الثنائية على تنفيذ مأخذ مياه من خليج العقبة، يقوم بنقلها لمنطقة شمال العقبة، ولمسافة 28 كيلومترا، فيما سيتم إنشاء محطة للتحلية، بطاقة 70 مليون متر مكعب، يخصص نصف إنتاجها من المياه لمدينة إيلات، حيث سيدفع الجانب الإسرائيلي ثمن حصته من المياه، وذلك حسب السعر المتفق عليه بعد تحليتها، فيما يذهب النصف الآخر لتعزيز حصة مدينة لعقبة من مياه الشرب، بحسب المصادر.

إلزام إسرائيل بزيادة حصة الأردن من "طبريا" 

وحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي كون المياه المضخوخة حاليا من الديسي للعقبة "لا يمكن لها الاستمرار على المدى الطويل، بتلبية الاحتياجات المتزايدة، في ظل تنامي الاستثمارات والسياحة فيها، في وقت أصبح فيه حوض الديسي المائي، في ظل تشغيل مشروع الديسي إلى عمان، محدود الإمكانيات، خاصة وأنه يفترض أن يستمر بالضخ لفترة طويلة الأمد بواقع 100 مليون متر مكعب، على مدى 50 عاما مقبلة، وهو العمر المفترض لمشروع الديسي إلى عمان.  وبالتالي، بحسب المصادر، لا بد من تأمين مياه جديدة إضافية، تزيد عما يضخ حاليا للعقبة، وهي بحدود 25 مليون متر مكعب، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المتزايدة لأغراض الصناعة والسياحة، إضافة إلى الشرب في العقبة، ولهذا السبب ستحصل العقبة على 35 مليونا من محطة التحلية.

كما تضمن الاتفاق إلزام الجانب الإسرائيلي بتزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب سنويا، من مياه بحيرة طبريا، زيادة على الحقوق المائية الأردنية السيادية، التي أقرتها معاهدة السلام العام 1994، حيث سيتم نقل هذه المياه إلى قناة الملك عبد الله، الناقل الرئيسي لمياه نهر اليرموك وسدي الوحدة ووادي العرب وآبار المخيبة، ليصار إلى تزويد محافظات الشمال، التي تعاني بشدة، من تراجع حصص الفرد فيها، كنتيجة للجوء السوري وتبعاته، وتزايد أعداد السكان في هذه المناطق.

وأنجزت وزارة المياه والري كافة التصاميم اللازمة لمشروع تزويد هذه المحافظات بالمياه، من قناة الملك عبدالله إلى خزان زبدا مرورا بمنطقة وادي العرب، وهو ما يسمى مشروع (وادي العرب- اربد)، والوزارة بصدد طرح عطاءاته للتنفيذ، وبكلفة تتجاوز 100 مليون دولار، ومن المؤمل أن يعالج نقص المياه في محافظات الشمال الأربع، حتى نهاية العام 2027، ضمن خطة الوزارة الاستراتيجية التي أقرتها العام الماضي.
وعمل الأردن، بموجب الاتفاق، على تحصيل ما لا يقل عن 30 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب لتزويد فلسطين- مناطق جنوب الضفة الغربية بها، والتي عانت بشدة من نقص المياه، بحسب المصادر الرسمية.

وزادت المصادر أن كلفة المتر المكعب المتوقع من بحيرة طبريا عبر شرائها من الجانب الإسرائيلي، من خلال الاتفاقية الموقعة بين الجانبين، ستصل إلى نحو 28 قرشا.

 تشكيك بقدرة المشروع على إنقاذ "الميت"

وستنفذ الحكومة محطة التحلية ضمن المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحر الأحمر- الميت على نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (bot)، وبالتالي لن تتكبد الحكومة أي تكاليف مالية إلا عند وصول المياه وبعد الاتفاق مع المقاول الذي سيتم اختياره بعد طرح العطاء، وفق المصادر التي رجحت ألا يتجاوز سعر المتر المكعب الذي سينتج عن عملية التحلية، 65 قرشا.

وفيما تضمنت المرحلة الأولى من المشروع الحالي خطا ناقلا، بطول 200 كيلومتر، لنقل المياه الناتجة عن عملية التحلية، أو ما يسمى المياه (الراجعة) للبحر الميت، بهدف المحافظة على مستواه، من الهبوط المتزايد، أكد مختصون عدم جدوى كمية المياه (الراجعة)، التي ستنجم عن مجموع كميات المياه المسحوبة للتحلية والمنقولة من العقبة للبحر الميت، والمقدرة بـ 120 مليون متر مكعب، مشيرين إلى أنها لن تساهم بشكل أو بآخر في رفع منسوب البحر الميت أو المحافظة على ثبات منسوبه.

ودلل المختصون على ذلك بأن كميات المياه المتدفقة للبحر الميت كانت متساوية مع كميات المياه الخارجة منه تاريخيا، إذ كانت تصل الكميات المتدفقة له إلى حوالي 1.5 مليار متر مكعب سنويا، فيما يفقد سنويا الكمية ذاتها وذلك حتى نهاية العام 1966.

أما ضمن المشروع الجديد، فلن تساهم الكميات (الراجعة) للبحر الميت في رفع منسوبه لـ"انخفاضها"، حيث ينخفض منسوبه الحالي بمعدل 97 سنتيمترا في العام ليصبح معدل انخفاضه، بعد الانتهاء من هذه المرحلة للمشروع، 95 سنتيمترا، وهو الأمر الذي لن يسهم في ثبات منسوبه أيضا، بحسبهم.

ويشكل الهبوط المتزايد لمستوى البحر الميت قلقا أردنيا، من حيث ضرورة المحافظة على وجود البحر الميت، سيما وأن الدراسات أثبتت أنه إذا بقي الوضع على حاله اليوم، فسيختفي خلال الـ50 عاما المقبلة. وبحسب المصادر، فإنه لا يمكن رمي هذه المياه المالحة الراجعة، في خليج العقبة، كونها تؤثر على الحياة البحرية في الخليج، وبالتالي سيتم نقلها للبحر الميت، وهو "ما اتفق عليه الأردن وفلسطين وإسرائيل كتوصية لدراسة البنك الدولي، والتي أثبتت عدم صلاحية إلقاء المياه المالحة الناتجة عن التحلية في خليج العقبة، لآثارها الضارة على البيئة البحرية هناك".

 ونبهت المصادر إلى أن إعادة أي مياه إلى خليج العقبة سيقف حجر عثرة في طريق الحصول على التمويل اللازم من المانحين والممولين لتنفيذ المشروع، مؤكدة أن "نقلها للبحر الميت أصبح ملزما ووجوبا".