الحدث- سوار عبد ربه
حمل شهر كانون الأول من هذا العام عدة مشاكل كشفت النقاب عن شرخ واضح بين إدارة جامعة بيرزيت والحركة الطلابية فيها، إلى جانب التراكمات التي خلفت أزمات في صفوف الحركة الطلابية نفسها، وترنحت ردود الفعل على أحداث جامعة بيرزيت في الفترة الماضية بين معارض للواقع الجديد الذي تحاول إدارة الجامعة فرضه وبين مؤيد ومتفهم لموقفها، لكن المؤكد في هذا كله أن الجامعة بقيت مسافة ديمقراطية كل يعبر عن موقفه بالشكل الذي يراه مناسبا فيها.
في 12 و13 من الشهر ذاته، أحيا القطب الطلابي الذراع الطلابي للجبهة الشعبية ذكرى انطلاقتها الـ54، والكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس الذكرى 34 لانطلاقتها، الأمر الذي اعتادت عليه الجامعة في كل عام، إذ تتوشح بيرزيت في مختلف المناسبات الوطنية بأعلام الفصائل، وتشهد شوارعها على دعسات أقدام طلبتها وهم يحيون العرض العسكري، حاملين معهم مجسمات تكمل المشهد في أذهان الطلبة، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت الجامعة ترفض هذا المشهد مبررة ذلك بوجوب توفير بيئة آمنة للطلبة داخل الحرم الجامعي، ومع ذلك خرج القطب الطلابي في عرض عسكري شاركت فيه مختلف الأطر الطلابية قبل عامين، معبرين عن رفضهم العميق لما تمليه عليهم إدارة الجامعة، ومؤكدين على أهمية المحافظة على المظاهر الوطنية، لأن بيرزيت منارة لذلك.
لكن هذا العام بدا وكأن إدارة الجامعة أكثر جدية في قراراتها المتعلقة بالأنشطة الوطنية في الجامعة، حيث سمحت بإقامتها رغم بعض المناوشات، لتفاجئ طلبتها لاحقا بتحويل كل من منسق وسكرتير القطب الطلابي ومنسق الكتلة الإسلامية إلى لجنة خاصة بإشراف رئيس الجامعة لاستجوابهم ومحاسبتهم على خلفية نشاطاتهم الوطنية، الأمر الذي رفضه مجتمع الجامعة، ونظم لأجله وقفة طالبوا من خلالها تقديم اعتذار للحركة الطلابية، التي اعتبرت في بيان لها أن "تشكيل اللجنة الخاصة جاء بقرار سياسي خارجي لاسترضاء أطراف خارجية"، لافتة الى أن تصريحات نائب رئيس الجامعة للتنمية والاتصال غسان الخطيب، الذي أكد فيه على أن الجامعة ليست مكانا لاستعراض أدوات المقاومة، بأنها تشكل سابقة خطيرة تسيء إلى تاريخ جامعة بيرزيت.
قالت مديرة دائرة العلاقات العامة في جامعة بيرزيت رانية مرعي في لقاء خاص مع صحيفة الحدث، إن "جامعة بيرزيت كانت وستظل مساحة حرة لكافة الطلبة للتعبير عن رأيهم ولكافة الأطر الطلابية للتواجد داخلها، مع احترام القوانين ومدونات السلوك التي تفرضها الجامعة، والدليل سماح الجامعة لعدد كبير من الأنشطة لكافة الأطر الطلابية للتعبير عن رأيهم وممارسة حقهم الديمقراطي فيها".
وأردفت: "من أسس الجامعة بلورة الوعي السياسي والحس الوطني لدى الطلبة، وجامعة بيرزيت ستحافظ على هذا النهج". منوهة إلى أنه لا يوجد تضييق على أنشطة الأطر الطلابية كما تدعي، إنما توجد حالات معينة تم بها تعديل بعض الممارسات من الطلبة لخلق بيئة آمنة داخل الحرم الجامعي من ضمنها نبذ العنف ومنع مظاهر السلاح أو وجود السلاح سواء الحقيقي أو المجسمات، وهذه أمور تضمن للطلاب حقهم في بيئة آمنة داخل الحرم الجامعي ولا تتنافى مع الحق الديمقراطي للطلبة والأطر الطلابية.
بدورها، اعتبرت الأكاديمية في جامعة بيرزيت رلى أبو دحو أن الجامعة عرفت تاريخيا إدارة وطلبة ونقابة بمواقفها الوطنية وتصديها للاحتلال، وعندما كانت تغلق الجامعة على يد جيش الاحتلال كان يتصدر رؤساء الجامعات الحركة الطلابية ويدافعون عنها، ناهيك عن أنها تمنح هامشا ومساحة واسعة للحركة الطلابية لكي تمارس دورها وتمارس دورها الوطني تحديدا.
وأشارت أبو دحو إلى إمكانية تعرض الجامعة لبعض الضغوطات من العديد من الجهات التي لا تريد لجامعة بيرزيت أن تكون حيزا ومساحة للديمقراطية وحرية الرأي والموقف الوطني، "فنحن نتعرض دائما في بيرزيت لضغوطات لكن يوجد حرص من كل أطراف الجامعة أن تحل المشاكل داخليا ورفض التدخلات الخارجية".
من جانبه، علق الطالب السابق في جامعة بيرزيت طارق خضيري على الأحداث بقوله: "يبدو واضحا في السنوات الأخيرة أن جامعة بيرزيت بدأت تسلك سلوكيات غريبة ودخيلة على الجامعة، وهذه السلوكيات تناقض ما عرفت عليه بيرزيت في محيط العمل الوطني والنقابي، فبيرزيت كانت صوتا لمن لا صوت له وميدان عمل وطني وشبابها في طليعة المواجهة دائما، إلى جانب كونها منارة علمية ووطنية ومعسكرا يخرج الثوار والعلماء".
وأكد خضيري لصحيفة الحدث أن أي مساس في حرية العمل الوطني والنقابي داخل أروقة الجامعة هو مساس بكل ألوان الطيف الفلسطيني وأيضا هو قضية جماعية وقضية الكل الفلسطيني ولا يمكن أن تكون قضية الجامعة فقط أو قضية الإدارة والطلبة لكنها قضية وطنية وعلى الجميع أن يتدخل فورا لإنقاذ جامعة بيرزيت من الوقوع في مستنقع الخضوع لإملاءات وقرارات خارجية.
وطالب خضيري إدارة الجامعة بالعدول عن قراراتها وصون كرامة وحرية الجامعة في قراراتها الداخلية، معبرا عن فخره بالحركة الطلابية التي تخرج منها والتي أثبتت دائما على مدار السنوات الماضية أنها قادرة على فرض المعادلة.
ودعا الطالب السابق إدارة الجامعة لأن لا تتعامل مع الحركة الطلابية بندية لأنها لا يمكن أن تكسر، فأجهزة الشاباك والأجهزة الأمنية الفلسطينية يعلمون أن لا أحد يستطيع أن يكسر شوكة الحركة الطلابية وعلى مدار السنوات الماضية التي شهدت الكثير من الاعتقالات والترهيب والشهداء الذين ارتقوا في الجامعة، أثبت ذلك.
وحول سبب الممارسات التي وصفها بالغريبة التي تصدر عن الجامعة في الآونة الأخيرة اعتبر خضيري أن الجامعة تتعرض لضغوطات من أطراف مختلفة، ولا تريد أن تصارح جمهورها بذلك، وهذه الضغوطات يبدو مليا أنها بدأت تنعكس على العمل داخل الجامعة التي تستغل جائحة كورونا من أجل تمرير مثل هذه القرارات والعزوف عن الاعتراف بأن هناك ضغوطات تمارس عليها.
ودعا خضيري الجامعة للاعتراف ومصارحة طلابها بأن هناك ضغوطات، وستجد الحركة الطلابية في الصف الأول يدافع عنها ويواجه من أملا وفرض عليها هذه القرارات.
وفيما يتعلق بنشأة التوتر والصراع بين مكونات الجامعة قالت أبو دحو: "إنها تتمثل في الرؤى والتوجهات المختلفة بينها، فمثلا بداية العام الدراسي قاد الطلبة اعتصاما ضد سياسات الخصخصة والاستثمار التي تقودها الجامعة وفقا لتوجهاتها، وهو ما يتعارض مع رؤية الحركة الطلابية ونقابة العاملين، ومن هنا نشأت التوترات والصراعات، والشد والرخي.
بدوره، رأى الطالب في جامعة بيرزيت محمد نزال أن هناك محاولات جدية لتصفية الحركة الطلابية داخل جامعة بيرزيت وإنهاء الحالة الوطنية.
وأكد نزال لصحيفة الحدث أن الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت بكافة أطيافها ما زالت مستيقظة وقوية بما يكفي للتصدى لهذه المؤامرات لمحاولة إنهاء وجودها داخل الحرم الجامعي.
وتاريخيا شكلت الحركة الطلابية في الجامعات وقودا للنضال الوطني في الأرض المحتلة تحديدا، وكانت رأس الحربة والمواجهة للاحتلال، كما ساهمت في رفع درجة الوعي لعشرات الأجيال على مدى السنين للآلاف من الطلبة ومنها صعد النضال الوطني، بحسب الأكاديمية في جامعة بيرزيت رلى أبو دحو.
ووفقا لأبو دحو لعبت الحركة الطلابية دورا بارزا في الانتفاضة سيما عندما أغلقت الجامعات، من خلال الآلية التي تصرفوا فيها ومن خلال تواجدهم في الساحات المختلفة للانتفاضة، بالإضافة إلى التعليم الشعبي والمواجهة واللجان الشعبية، وهذا كله كان نتيجة الحراك الوطني داخل الجامعات برفع درجة الوعي ومواجهة المشروع الصهيوني.
وفي الانتفاضة الأولى رحل أول الشهداء عن جامعة بيرزيت وهو شرف الطيبي، يليه الشهيد جواد أبو سلمية والشهيد صائب أبو الذهب أحد ثوار الحركة الإسلامية الطلابية في الجامعة، ثم الشهيد موسى حنفي عندما رفع العلم الفلسطيني على مبنى الجامعة فقنصه أحد جنود الاحتلال، ما شكل أهم دوافع مشاركة الحركة الطلابية في الانتفاضة الأولى.
واعتبرت الأكاديمية في جامعة بيرزيت أن هذا الدور تراجع بعض الشيء في أوسلو داعية الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت أن تبقى متماسكة وأن تلعب الدور الوطني المميز في مواجهة الاحتلال.
وحول استهداف الاحتلال للحركة الطلابية قالت أبو دحو لصحيفة الحدث: "حجم الاعتقالات التي تمت في صفوف الحركة الطلابية والتحقيق القاسي الذي تعرضت له الحركة الطلابية في المسكوبية وغيرها، يدلل على أن هذه الحركة الطلابية تلعب دورا وطنيا وإلا لما استهدفها الاحتلال وهذا الاستهداف هو استهداف لحجم الدور الذي تلعبه على مستوى رفع درجة الوعي للطلبة وعلى مستوى الاشتباك والمواجهة أمام الاحتلال".
وأصدرت حملة الحق في التعليم في جامعة بيرزيت قبل أشهر قليلة بيانا عبرت فيه عن قلق كبير إزاء بدء الفصل الدراسي من العام الأكاديمي الجديد 2021-2022، ولا يزال قرابة سبعين من طلبتها في سجون الاحتلال.
وكانت قد أصدرت الحملة في وقت سابق بيانا أوضحت فيه أن "قوات الاحتلال الإسرائيلي تُمارس حملة شرسة بحق طلبة وأساتذة وموظفي الجامعة؛ شملت اعتقال طلبة وأساتذة فيها، ووصلت الاعتقالات أوجها في الفترة الواقعة بين شهري آب وكانون الأول 2019، والتي شملت الأستاذة في دائرة الإعلام وداد البرغوثي، التي تم الإفراج عنها فيما بعد مع فرض الإقامة الجبرية عليها".
ونتيجة لكل ما سبق أكدت أبو دحو على أهمية وضرورة الحفاظ على بقاء وتماسك الحركة الطلابية كصمام أمان لاستمرار وجود حركة توعي وتؤطر الطلبة نحو فلسطين ونحو حرية فلسطين ونحو محاربة التطبيع والاشتباك مع الاحتلال والحفاظ على صوت وطني واضح.