مما لا شك فيه أنه رغم الحرب الشاملة التي شنها ويشنها الإحتلال الصهيوني على شعبنا الفلسطيني لتجريده من حقوقه الوطنية السياسية ،وفرض مظاهر الأسرلة والتهويد على حياة شعبنا في القدس والداخل الفلسطيني - 48 - والإستمرار في حصار شعبنا في قطاع غزة ،وإعاقة عمليات الإعمار ،وربط رفع الحصار وإعادة الإعمار بالإفراج عن جنوده ومواطنيه الأسرى لدى حركة حماس، ومحاولة تهميش قضية شعبنا الفلسطيني،وإزاحتها عن دائرة الإهتمام العالمي، في ظل ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية الهادفة إلى التعامل مع قضية شعبنا الفلسطيني بلغة الصفقات التجارية والمشاريع الإقتصادية،وبأنها ليس قضية أرض وشعب يريد استعادة وطنه والتعبير عن هويته وكينونته من خلاله،رافضاً لكل محاولات التذويب والطمس والتبديد له كشعب وقضية ومقومات وجود.
نعم كانت هناك محطات مفصلية في عام 2021 ، محطات لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع دولة الإحتلال، تتمكن المقاومة الفلسطينية وصمود شعبنا الإسطوري من إفقاد المحتل لعنصري المفاجأة والمبادرة.. حيث جاءت معركة "سيف القدس" ،والتي "هشمت" دولة الإحتلال سياسياً وعسكرياً" ، حيث كانت مدن دولة الإحتلال تحت قصف صواريخ المقاومة ...والداخل الفلسطيني - 48 -، الذي كان المحتل يعتقد انه على مدار ثلاثة وسبعين عاماً من الإحتلال نجح في تذويبه ودمجه وإخراجه من دائرة الفعل الوطني الفلسطيني،وأنه نجح في " كي" و"صهر" و"تجريف" وعيه، ولكن جاءت معركة " سيف القدس"لتقول بأن هذا الشعب عصي على الكسر والتطويع،وانه بدلاً من النجاح في " كي" وعيه، كان يستعيد هذا الوعي،وشارك بفاعلية في الإنتفاضة الشعبية الشاملة، التي نتجت عن هبات القدس الثلاثة في نيسان من العام الماضي،هبة باب العامود وهبة الأقصى وهبة الشيخ جراح، والتي استتبعها لأول مرة تدخل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عسكرياً لصالح القدس، ما عرف ب " معركة سيف القدس" التي اعادت وصل ما قطعته اتفاقية أوسلو الكارثية من فصل بين التجمعات الفلسطينية،قدس،ضفة غربية،داخل فلسطيني- قطاع غزة...معركة وحدة الشعب الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية، معركة اوجدت وحدة مسار ومصير ما بين قطاع غزة والداخل الفلسطيني - 48 - والقدس والضفة الغربية.
معركة "سيف القدس" اوجدت معادلات ردع جديدة مع المحتل،وقالت بشكل واضح بأن جيش الإحتلال الذي غرس في أذهان جماهير امتنا العربية وشعوبها ، نتاج لقيادات النظام الرسمي العربي العاجزة والمنهار والمتعفنة ،بأنه الجيش الذي لا يقهر يمكن قهره وهزيمته،ومنذ "معركة" سيف القدس" بات المحتل يشعر بخطر وجودي يحدق بدولته...ويرى خطر جدي قادم من شعبنا الذي صمد وبقي في أرضه - 48- ،ولذلك وجدنا البرلمان" الكنيست الصهيوني "دستر" و"يشعرن" و"يقونن"، ويسن تشريعات وقوانين عنصرية،تهدف الى تشديد القمع والتنكيل وفرض القوانين العنصرية على شعبنا هناك،حيث يجري استباحة حرمات بيوت شعبنا هناك،تحت ذريعة محاربة الجريمة والعنف وبدون إذن قضائي،بهدف بث الرعب في صفوف شعبنا هناك وكسر إرادته،وإشعاره بأنه تحت الرقابة الدائمة..واكثر من ذلك اعطاء الضوء الأخضر،لجيش الإحتلال ،لكي يشارك بعمليات القمع والتنكيل بحق شعبنا في أية مواجهات قادمة والعودة للتعامل مع شعبنا هناك وفق القوانين الإنتدابية العنصرية..تلك القوانين للأسف التي جرى إقرارها بمشاركة وموافقة من يطلقون على أنفسهم بالقائمة العربية الموحدة ..المتصهينين الجدد من الحركة الإسلامية الجنوبية،والتي وصلت وقاحتهم حد الموافقة على إحياء تراث "بن غورين" ،هذا التراث الذي يعني نكبة شعبنا وطرده وتهجيره ونفي وجوده والسيطرة على أرضه ،وهدم منازله وقراه.
وشعبنا هناك،أي الداخل الفلسطيني- 48 -، في مشاركته في الإنتفاضة الشعبية العارمة،ألغى توصيفه بشكل نهائي ب" عرب اسرائيل" مستعيداً دوره ومعيداً انتاج موقعه الحاسم في النضال الوطني الفلسطيني على قاعدة رفض الإستيطان والإحتلال،وكذلك المشاركة الفاعلة من قبل أهلنا وشعبنا في هبات نيسان من العام الماضي المقدسية باب العامود الأقصى والشيخ جراح،تؤكد على مركزية ودور اهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- في النضال الوطني الفلسطيني،ولم تكتف الحركة الوطنية بهذا،بل يسجل لها رسم معادلة ردع جديدة،بإعادة بلداتنا ومدننا المختلطة،اللد نموذجاً كجزء أصيل من الجغرافيا الفلسطينية،حيث سعى المحتل لطرد وتهجير شعبنا.
المحطة المفصلية الأخرى،هي عملية "نفق الحرية" التي نفذها ستة من أبطال شعبنا الأسرى في السادس من أيلول من العام الماضي ،تلك العملية التي أحدثت هزة عميقة في المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيليتين،فهي شكلت اختراق لمنظومة الإحتلال الأمنية،التي يكثر من " التبجح" بتفوقها وقدراتها الخارقة،فالسجن الذي خرج منه الأبطال الستة للنور،في عملية جريئة ونوعية،سجن جلبوع المعروف ب" الخزنة" الأكثر تحصينا وامنا،وهذا التحرر من تحت الأرض،شكل اختراق أمني غير مسبوق،وخاصة بأن تلك العملية حملت رسائل للمحتل بأن الأدمغة الفلسطينية قادرة على أن تصنع المستحيل،قادرة أن تتغلب على كل تحصينات الإحتلال الأمنية وتوجه ضربة قاصمة لتفوقه الأمني والعسكري،كذلك هذه العملية كشفت بأن دولة الإحتلال تواجه عملية ضعف واهتراء وتآكل وتراجع،كما انها طعنت بفعالية مؤسساتها العسكرية والاستخبارية والإدارية والقضائية في ردع المقاومين الفلسطينيين، وتقديم السجن المؤبد كنهاية حتمية لجيل المقاومين القادة، إعلاناً بإخراجهم نهائياً من حلبة الصراع.
وهذه العملية أكدت على المعادلات الجديدة وصعود القوس الفلسطيني وهبوط القوس الإسرائيلي في معادلات الردع وموازين القوى.
اما المحطة المفصلية الثلاثة،فكانت في تصاعد م ق اوم ة الإستيطان والمشاريع والمخططات التهويدية في القدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني -48 -،وعمليات الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي، حي الشيخ جراح نموذجاً وجورة النقاع "كبانية ام هارون" وسلوان،اما على صعيد المقاومة الشعبية،فوجدنا بيتا وبرقة تصدرتا المشهد ودفعتا ا ل شهداء في معركة التصدي لتهويد الأرض والإستيطان، مقاومة شعبية حقيقية،لم تنطلق لا ب"فرمان" ولا بيان كاذب،بل نبعت من إرادة شعبية حقيقية ،بضرورة مقاومة الإستيطان والمستوطنين،وطردهم كغزاة مستعمرين عن أرض شعبنا...وقضية الشيخ جراح،كما هي "معركة سيف القدس" ،أعادت للقضية الفلسطينية اعتبارها ومكانته الدولية،وحضورها العربي والإسلامي،بعد أن سعت أمريكا ومعها دول الغرب الإستعماري،وحلف "ابراهام" التطبيعي العربي الرسمي الى تهميشها وتغيبها والعمل على تصفيتها.
وكذلك شهدت فلسطين المحتلة تصاعداً في العمل المقاوم سواء عبر العمليات المنظمة،عملية مفرق مستعمرة "حومش" التي نفذتها خلية الجهاد الإسلامي، او العمليات الفردية من إطلاق نار وطعن ودهس في القدس والضفة الغربية،كلها قالت بأن هناك انتفاضة شعبية قادمة ،وغليان المرجل الشعبي قد ينفجر في وجه المحتل والسلطة الفلسطينية،ولذلك كان لقاء عباس- غانتس،واحد من أهدافه قطع الطريق على تبلور عمل شعبي منظم،وانتفاضة شعبية شاملة مدعومة بالنار.
هذه بعض من المحطات المفصلية للشعب الفلسطيني ومقاومته التي باتت تقول بأن شعبنا رغم كل ما يمر به من ظروف وما يواجه من تحديات، فإنه بات أقرب الى تحقيق أهدافه،حيث لأول مرة يشعر المحتل بالخطر الوجودي على دولته،إرتباطاً بتطور قدرات وإمكانيات المقاومة الفلسطينية،وقوى ودول المحور المرتبط بها عربياً وإقليمياً ودولياً.