السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الهذالين شهيدا من أجل الأرض وصالحية بجسده حمى البيت| بقلم: راسم عبيدات

2022-01-19 09:33:54 AM
الهذالين شهيدا من أجل الأرض وصالحية بجسده حمى البيت| بقلم: راسم عبيدات
راسم عبيدات

الشيخ سليمان الهذالين، شيخ المقاومة الشعبية الحقيقية، بقي ملتصقاً في الأرض والدفاع عنها، حتى لحظة استشهاده بعد أن تعرض إلى عملية دهس من قبل إحدى مركبات الاحتلال في الخامس من الشهر الحالي.

هذا الشيخ بحسه وعفويته وتجربته وخبرته الطويلة، أدرك ويدرك أن الصراع يتمحور حول الأرض، تلك الأرض التي يسعى المحتل إلى طرد شعبنا منها والسيطرة عليها، ولذلك وعَى جيداً بأن مقاومة هذه الغزوة، تستوجب أوسع مشاركة شعبية تمكن من إفشال مشاريع ومخططات الاحتلال في سرقة الأرض ونهبها والسيطرة عليها، وطرد وتهجير شعبنا منها، فهو كان دائم الحضور في الفعاليات والنشاطات والمسيرات والمظاهرات الاحتجاجية التي تستهدف حماية الأرض والدفاع عنها، ليس في منطقة الخليل ومسافر يطا على وجه التحديد، بل نشاطه ومشاركته امتدت إلى كامل مساحة الضفة الغربية.

الشيخ الهذالين شكل نموذجا حقيقيا وشعبيا للمقاومة الشعبية، ولذلك حظي بثقة واحترام أبناء شعبه، وهذا تجلى في تشيع جنازته المهيبة، التي حرصت الجماهير الشعبية على المشاركة فيها بالآلاف في مسقط رأسه قرية "أم الخير" في يطا، وكذلك التصريحات والبيانات التي أشادت به وبدوره وبصموده ونضالاته وتضحياته فصائلية وحزبية وقوى وحركات مقاومة شعبية وجماهير شعبية، ناهيك عن التهديدات التي أطلقتها كل الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية  مهددة ومتوعدة بأن الاحتلال سيدفع الثمن غالياً، جراء ما يرتكبه من جرائم بحق شعبنا الفلسطيني، وفي المقدمة منها جريمة ، دهس شيخ وأيقونة المقاومة الشعبية، هذا الشيخ الذي تهجر من بلدة عراد في مدينة بئر السبع، ليسكن في بلدة "أم الخير"  في يطا بعد أن اشترى والده قطعة أرض هناك عام 1965 .

وفي المقابل وجدنا المواطن محمود صالحية من حي الشيخ جراح، الذي اكتوى هو وعائلته وأهالي بلدة عين كارم في القسم الغربي من المدينة، بنار التهجير والنكبة عام 1948، حيث سكن هو وعائلته في منطقة الشيخ جراح، وصمم على أنه لن يعيش نكبة ثانية، ولن يخرج لا هو ولا والدته ولا شقيقته التي تسكن إلى جانبه من منزليهما إلا نحو القبر أو العودة إلى مسقط رأسهما في بلدة عين كارم، وصالحية التي أرهقته بلدية الاحتلال في محاكمها والغرامات والمخالفات المالية الباهظة على مدار 23 عاماً، سعت من خلالها إلى طرده وتهجيره والاستيلاء على أرض المشتل التي يديرها، وتبلغ مساحتها ستة دونمات، وكذلك طرده هو وشقيقته من بيتيهما، تحت حجج وذرائع عدم الترخيص، لم تنجح بلدية الاحتلال ولا الجمعيات الاستيطانية والتلمودية في مشاريعها ومخططاتها، وكالعادة في مثل هذه الحالات، تكون بلدية الاحتلال التي تعج بالمتطرفين جاهزة، لمساعدة المستوطنين، حيث أخطرت بلدية الاحتلال المواطن صالحية في شهر كانون أول/ 2021، بأن عليه إخلاء الأرض والبيتين قبل 25 كانون ثاني من العام الحالي، لأنها تريد بناء مدارس ورياض أطفال للسكان العرب في المدينة، ولعل هناك إجماع مقدسي على أن الهدف ليس إقامة مدارس للسكان العرب، و"اللي بجرب المجرب عقله مخرب"، فهناك البناية التي أقيمت في منطقة واد الجوز، على أساس أنها ستكون مدرسة ثانوية للبنات، لحل أزمة عدم وجود مدارس ثانوية للبنات في القدس، تستوعب طالبات مدينة القدس والضواحي، بعد مماطلة تجاوزت عدة سنوات، تحولت البناية الى مكاتب لوزارة داخلية الاحتلال، ومن هنا أهالي حي الشيخ جراح والقدس، يدركون تماماً في ظل الحرب التي يشنها الاحتلال على سكان حي الشيخ جراح، بقسميه الغربي، جورة النقاع "كبانية أم هارون" والحي الشرقي من الشيخ جراح " كرم الجاعوني"، من أجل طردهم وتهجيرهم من بيوتهم، بأن الهدف من المصادرة، هو خلق تواصل استيطاني كامل في منطقة الشيخ جراح، فقبل فترة لا تزيد عن شهرين، جرى مصادرة قطعة أرض في المدخل الرئيسي للشيخ جراح مساحتها أربعة دونمات وسبعمائة متر مربع، تحت ذريعة تحويلها إلى حديقة عامة، ولكن الهدف المخفي، هو استخدامها كموقف للحافلات وسيارات المستوطنين، الذين يأتون لزيارة ما يعرف بقبر شمعون الصديق، وخادمة للمشروع الاستيطاني، الذي سيقام مكان بيوت "كرم الجاعوني" بعد طردهم وتهجيرهم (28 عائلة ) يتهددها خطر التهجير والاقتلاع.

صالحية الذي ذاق مرارة طعم النكبة والتهجير، كان مصمماً على أن لا يعيش النكبة مرة ثانية، حتى لو كان ثمن ذلك حياته وحياة أسرته، وهو لن يهدم بيته بيديه، ولن ينتظر قدوم جرافات و"بلدوزرات" الاحتلال، لكي تهدم بيته، فكان قراره الذي اتخذه، والذي شكل  قراراً نوعياً وغير مسبوق في مجابهة عمليات الهدم التي ينفذها الاحتلال بشكل يومي بحق بيوت المقدسيين من هدم ذاتي تحت طائلة التهديد بتحميلهم تكاليف عملية الهدم، إذا لم ينفذوا عمليات هدم بيوتهم بأيديهم، أو الهدم بواسطة جرافات وآليات و"بلدوزرات" الاحتلال مع تحمل تكاليف عمليات الهدم والتي تصل إلى 30 - 40  ألف دولار أمريكي.

صالحية تحصن هو وأسرته على سطح المنزل، مع جرار الغاز والبنزين مهدداً بتفجير البيت، إذا ما حاولت شرطة وجيش الاحتلال اقتحامه.. ووجه رسائله للمقدسيين، بأنه آن الأوان لهم أن يصحوا، وبأن من يخرج من بيته خائن، ولن يخرج من بيته إلا للقبر، موقف صالحية هذا الذي كان يبث لكل دول العالم، استقطب بعثة الاتحاد الأوروبي والصليب الأحمر ووكالة الغوث واللاجئين والعديد من أعضاء حركات السلام وأعضاء الكنيست الإسرائيلي، ووسائل ومحطات الإعلام، الذين قدموا للمنطقة وطلبوا من جيش الاحتلال وشرطته،عدم هدم بيت صالحية وارتكاب مجزرة من شأنها أن تدفع نحو انفجار الوضع في المدينة على شكل واسع، وربما تندفع الأمور نحو انفجار أبعد وأشمل من مدينة القدس، وخاصة ان واحدا من شروط هدنة معركة "سيف القدس" عدم المس بسكان حي الشيخ جراح عبر الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي..

صحيح بأن صالحية شكل أنموذجا وحالة جديدة في مجابهة عمليات هدم منازل المقدسيين في المدينة، فالمحتل تحت هذا القرار والخيار الذي اتخذه صالحية، تراجع عن عملية هدم بيت صالحية وشقيقته مؤقتاً، ولكن هذا الموقف وجه رسالة قوية للمحتل، بأن مواصلة عمليات القمع والتنكيل والطرد والتهجير والتطهير العرقي وهدم المنازل، تقرب من انفجار "المرجل" المقدسي، والذي باتت خياراته محدودة، فلا ثقة لا بمجتمع دولي ولا بإتحاد أوروبي… فهذه الهيئات والمؤسسات، لا تبيع شعبنا سوى الوهم والكذب والخداع والتضليل وبيانات الشجب والإستنكار، وفي الواقع العملي تقف إلى جانب دولة الاحتلال، فخلال 73 عاما من الاحتلال، لم تنجح في إزالة "طوبة" واحدة في مستوطنة، أو توقف هدم بيت فلسطيني واحد، ولم تتخذ أية عقوبات رادعة بحق دولة الاحتلال، بل كانت تجد لها الحجج والذرائع للقيام بمثل هذه الأعمال من هدم للبيوت ومصادرة للأرض والاستيطان  وإغلاق المؤسسات الفلسطينية.

نعم شيخ وأيقونة المقاومة الشعبية سليمان الهذالين  قضى شهيدا  من أجل الأرض، التي أحبها وأحبته، ومحمود الصالحي حمى بجسده وجسد عائلته بيته من الهدم، وخلق أنموذج جديد ونوعي في مجابة سياسات الهدم والطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي.