لا أدعي أني شاعرة أو حتى شبه شاعرة لكن لي في هذا المجال محاولات بالعربية والإنجليزية بقيت طي الدفاتر والملفات لسنوات حتى جاء اليوم الذي عجز فيه القلم عن خط سطور مترابطة ومتماسكة لوصف ما آل إليه الحال من تيه ووجع. على وقع وجع مخيم اليرموك وعجزنا أمام المصير الفاجعة الذي يواجه إخوتنا هناك، أعترف بأني كفرت بالكلام والمفردات. وجع اليرموك وعزلته سيبقيان يلاحقان جيلنا، فاليرموك هو العلامة الفارقة في وعينا. اليرموك نكبتنا ولعنتنا وعارنا فهو كل شيء نقي وجميل فينا ذبح وعذب وهو يصرخ "خيا!" دون مجيب. يمكن لأعداء الإنسانية أن يسقطوا جغرافيا مخيم اليرموك لكن السؤال اللعنة الذي يستدعي إجابة من كل فلسطيني وفلسطينية هو كيف وصلنا إلى هذا القاع؟ كيف تهنا عن أنفسنا حتى لم نعد نسمع صراخ أرواحنا وهي تتمزق جوعاً وتجف عطشاً ثم تنحر وتقتل قرابين لشعارات مزيفة؟ كيف ضاعت بوصلتنا وغرقنا في تيه سياسي ووطني حالك الظلمة كهذا؟ كيف؟ كتبت الحوار المرفق قبل حوالي ثلاث سنوات وأعتقد أنه وصف لثنايا واقع فرض نفسه على وعينا... إنه حوار على ناصية التيه...
حوارٌ على ناصية التيه
إنه التيه يا صديقي...
حلقات مفرغة من العبث
ندور فيها مرغمين...
مسيّرين لا مخيرين
إنه الهروب إذاً
أطلقوا العنان لإرادتكم واهربوا
ما من سجن يتسع لحناجر غاضبة
إنه الخيار يا صديقي
أصبح بين صبار وعلقم
مرارةٌ تتنافس على قهرنا
لا تذوب في ماءٍ ولا يحليها السكر!
إذاً هي المواجهة...
دوسوا على الصبر
واغسلوا جروحكم بالعلقم
فما مات حرٌ من مرارة ولا شلت يداه من شوك
إنه الوهن يا صديقي
قد أثقلَ الكاهل وهدَّ العزائم
وقد مللنا المقارعة... فهي غالية الثمن
فشُدَّت أوتادُ جدرانٍ عاتية
حاصرَت أفكارنا وأطفَأت إبداعنا
إنه النهوض إذاً
أيقظوا أفكاركم
وحطموا أسواركم
انتصروا لعزيمةٍ غلبَها الوهم
فما من جدار حبس نوراً أو ظلمةٍ قهرت الهمم
إنه عصرُ المؤامرةِ يا صديقي
تتكالبُ الأعداء وتَكثرُ المكائد
فإن ثرنا على تيهنا
نخافُ أن يكون النصرُ لهم
وأن تكون ثورتنا مغامرة
إنها الهزيمة إذاً
قد اخترتموها بدلَ عذاباتِ القمم
بئساً لاستكانةٍ سببُها الوهن
فما قامت قائمةٌ لمن استسلم للملل
ولا سطع نورٌ في قلوب من استحلهم التعب
استتروا بتيهِكُم فهو خير غطاء
لهزيمة الذات بالنفس والأوهام
وعيشوا مرارةَ المُكبَّلِ بسلاسلِ الوهن
فلن يكون لكم فرجٌ ولن تُكسر لكم ظلمة
ابقوا حيثُ أسوارُ هزيمتكم
وتلحفوا بعار غبائكم
لا عاش إبداعٌ ولا بقي زهوٌ لمن فضّل التيه واستكانَ لحياةٍ بلا ثمن