السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حديث عابر عن رضوى عاشور أمير داود

2015-04-09 06:11:27 PM
حديث عابر عن رضوى عاشور
أمير داود
صورة ارشيفية

 عتبة

كنت قد قرأت رواية ثلاثية غرناطة، قرأتها بعدما مسني اسمها بالسحر، حين شرعت بقراءتها ثمة ملل تربع في مكان ما من الأحداث البطيئة. قلت: من المؤكد أنها ليست من الروايات التي تمسكك من عنقك من أول كلمة إلى أخرها، فلا تستطيع فكاكاً منها، تحلم بها كأنك تنتظر حلقة مهمة من حلقات مسلسل تلفزيوني عظيم.

قرأت الرواية وغالبت نفسي بالفشل، حاولت طمأنة نفسي بأن شيئاً مهماً سيحدث، شيئاً ما يجبرك على تعديل جلستك وإعادة القراءة مرة أخرى، هذا ما لم يحدث، وصلت الصفحة 150 ولا زالت الكاتبة الراحلة، رضوى عاشور، تجتر الأحداث اجتراراً، تمعن في وصف ما لا يستحق على حساب ما يستحق، أتجاوز الصفحات بلا إضافة ولا دهشة، أخشى أن تكون الرواية كلها مضيعة للوقت، إذ أن آخر ما توقعته، أن أخرج من هذه الرواية بمعلومات جغرافية وتاريخية عن الأندلس !

لكن وبعد الانتهاء منها، صرت أقول غير ذلك، الأهم أن ننتهي من العمل كله قبل الحكم عليه. إذ كيف تحكم على عمل من ثلثه الأول فقط. هذا كلام غير ناضج. هل كنت ستسمح لصديق أن يقوم بتقييمك بناء على ساعة واحدة قضاها معك. ستغضب من ذلك كثيراً. ومع ذلك أعدت قراءة أجزاء منها من باب إعادة الربط وإعادة الفهم أيضاً. من المهم الاعتراف؛ أن القاريء، أي قاريء، لا يمكنه له، وبأي حال من الأحوال، أن يمسك فكرة الكتاب، 500 صفحة تقريباً، من أول الكتاب إلى آخره بلا انزياح عن الفكرة. بلا شرود غير واعٍ. بلا تركيز على فكرة هنا وإهمال فكرة هناك. لذلك وفي بعض الأحيان، إعادة القراءة وفي بعض المواضع مهمة جداً. هذا ما حدث. بل هذا ما كان يجب أن يحدث. 

على كلٍ، إذا اشتريت كتابين لنفس المؤلف. وفي نفس اليوم. ستقع في مغالطة الحكم المسبق. ستعتقد مثلاً أن الكتاب الأول يشبه الكتاب الثاني. يشبهه في مستويي الرداءة والجودة. سيقع الكتاب الثاني تحت وقع حكمك على الكتاب الأول. هذا ما حدث معي. حدث مرتين في ظرف شهر. المرة الأولى مع سلسلة كتب هنري ميلر. كنت قد قرأت رواية "أيام هادئة في كليشي" أصابتني بالسحر. وعلى إثر ذلك اشتريت 4 كتب أخرى لميلر. رداءة الترجمة منعتني من إكمال معظمها. كانت الترجمة رديئة مثل ترجمة مستر جوجل. العيب في المترجم لا في الكاتب. والثانية مع رضوى عاشور. كنت قد بدأت في قراءة روايتها "ثلاثية غرناطة". الرواية الشهيرة حول تاريخ العرب في الأندلس. وصدمت قبل يومين وأنا أوشك على الانتهاء من روايتها الجميلة "الطنطورية". اشتريت الطنطورية في نفس اليوم. ومن نفس البائع. من بسطة على الشارع. أمرّ كل يوم من هناك. في ذاك اليوم صادفت الروايتين على العربة. فاشتريت الاثنتين.

اليوم أوشكت على الانتهاء منها. كنت أتمنى ألا تنتهي. هذا ما يحدث غالباً مع كل الروايات الجميلة. أتمنى ألا تنتهي. وأحلم بها في الليل. مثلما يحدث مع مسلسل تلفزيوني أعد بإتقان، الإضاءة كانت ساطعة، والحوار يشرح العقول والقلوب. الطنطورية كرواية. رواية ممتعة. وفيها شجن كبير. كنت أتساءل طوال مشواري معها، كيف لكاتبة مصرية أن تلم كل هذا الإلمام بتفاصيل الواقع الفلسطيني، أحزانه وهمومه. انتصاراته الباهتة القصيرة، وخساراته الجارحة العميقة. تفاصيل اليومي الفلسطيني تفاصيل مختلفة. فيها خصوصية لامعة، لا أدعي فردانيتها، لكنها غير ملموسة بكفوف اليدين، الواقع صنع منها ذلك. استطاعت رضوى فعل ذلك ربما بمساعدة من مريد أو تميم.المهم أنها فعلت. في عمل سردي طويل وشيق. اسمه الطنطورية.

_____--------_
الطنطورية: قرية فلسطينية مدمرة. دمرها الاحتلال الإسرائيلي في العام 1948. ونفذت بها مجزرة كبيرة. اكتشف أمر المجزرة في العام 2000. صدفة.