منذ ما يزيد عن ربع قرن أطل علينا الشيخ بسام جرار بمقولة مستنداً إلى حسابات عددية بالقرآن الكريم بأن عام 2022 سيكون عام زوال إسرائيل ( الكيان الصهيوني ) وقد أكد ذلك في أكثر من مناسبة وموقع وخاصة في كتابهَ الإعجاز العددي في القرآن، وقد لاقت وما تزال هذه النظرية استحساناً وأذانا صاغية في أوساط عديدة في العالم العربي والإسلامي، وبما أننا ننهي الشهر الأول من هذا العام الموعود فقد عاد الحديث عن هذه النبؤة ( النظرية ) إلى السطح في مواقع مختلفة عند أبناء شعبنا وخاصة أن حدوث هكذا معجزة يدخل البهجة والفرح والأمل عند شعبنا لهول الجرائم المتتالية التي يرتكبها حكام هذا الكيان بحق أبناء شعبنا كل يوم.
وبما أنني أنسان يستند في تفكيره على التحليل العلمي والمنطق والفكر فإنني على قناعة تامة بأن الديانات وتعاليمها أنزلها الله سبحانه وتعالى للإنسان لإصلاح حاله طالباً منه استخدام وسائل البحث العلمي والتفكير المنطقي بعيداً عن الغيبيات والاتكال فقط على المعجزات والعجائب التي انتهى أمرها بانتهاء دور الأنبياء، عندما أرسل الله تعالى لنا خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله.
والشيء المحزن هنا أن هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني والذي بنى دولته على أرض سرقها من سكانها الأصليين مستنداً إلى أساطير وروايات دينية ومدعوماً من دول عظمى تعاطفت معه بعد الحرب العالمية الثانية خاصة، أو دعمته تحقيقاً لمصالح خاصة بها.
إنما ما استطاع أن يقوم به قادة الكيان الصهيوني بدءاً من الآباء المؤسسين أمثال بن غوريون وجابوتنسكي ووايزمن وغولدا مائير وروتشيلد وصولاً إلى القادة الحاليين يفوق الخيال من حيث المكانة المتقدمة لهذا الكيان المغِتصب لأرضنا على كل الأصعدة العلمية والطبية والصناعية والزراعية والرياضية والفنية وغيرها، مما أوصله إلى مستوى دول عظمى لها من الوجود مئات بل آلاف السنين.
طبعاً لا أحد ينكر أن ما وصل له هذا الكيان من تقدم علمي وتكنولوجي ما كان ليتم لولا المساندة اللامحدودة من أمريكا بحزبيها ودعم اللوبي اليهودي هناك وفي باقي أقطار العالم.
ولكن من منا وخاصة من يتعامل مباشرة مع هذا الكيان من عمالنا وأطبائنا ومهندسينا يرى ويلمس أن تسارع التطور والبناء عندهم على كل الأصعدة سبب نجاحه هو الانتماء والنظام والقانون والإدارة والإرادة والمحاسبة.
وقد امتدت نجاحاتهم ومساهماتهم إلى أماكن مختلفة بالعالم وخاصة أفريقيا والآن دول الخليج العربي وبذلك فقد تحول الكيان بصغر مساحته الجغرافية لأرض مغتصبة إلى قوة إقليمية ودولية عظمى.
نحن هنا ليس بصدد جلد الذات لأن شعبنا غني بالكفاءات والقدرات على كل الأصعدة، لا تقل عن الكفاءات الفردية عند الكيان الغاصب، إلا أن هذه الكفاءات لا تشكل حالة مجتمعية لأرضية بناء وطن ودولة تنافس على مستوى الإقليم أو العالم، فهي تبقى محدودة وفردية ولا تلقى الدعم والمساندة والاحتضان لتبقى فردية وشخصية تراوح مكانها.
كما أن هذا الكيان الغاصب والعنصري يعمل وفق أنظمة وقوانين تتنافس بين قوى الدولة المدنية والدينية بحيث أن كل طرف يمارس دوره ومكانته دون أن يفرض قوانينه وأفكاره على الآخر، حيث لو ترك للتيار اليهودي المتدين أن يفرض عقيدته على الدولة بالتأكيد سنرى هذا الكيان في وضع لا يختلف كثيراً عن باقي دول المنطقة.
ولكن التفاهم الضمني بين التيارين ووجود قانون واحد للدولة بحيث أن كل قادة الدولة هم موظفون تحت القانون ويخضعون لأنظمة وقوانين الدولة مثل أي مواطن عادي.
إن ما وصلنا إليه اليوم من تشرذم وانقسام وفشل في بناء أسس للدولة العتيدة لأننا بالأساس اعتمدنا نماذج الدول العربية المجاورة في طريقة الحكم المستند إلى قوة الحزب أو الفرد الحاكم ولم نطبق الديمقراطية ولا المساواة ولا الحقوق المدنية وخلطنا بين الرواية الدينية والوطنية في فهمنا للصراع وأصبحنا نقدس الفرد وغلبنا القبلية أو الحزب على الوطن وأطلقنا الألقاب على بعضنا واعتقدنا أننا استثناء وهنا كان السقوط التام.
و رغم أننا جميعاً وصلنا إلى قناعة استحالة تنفيذ بنود المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بالعودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة إلا أننا أيضا فشلنا في بناء مقومات لمجتمع يسعى للصمود والتطور، رغم ما قُدم لنا من أموال طائلة لدعم المنظمات غير الحكومية أو الحكومية، وللأسف فإن الجزء الأكبر صرف للاجتماعات والدراسات والسفريات والعمارات والمرافقين والسيارات الفارهة والنثريات المتعددة والحسابات البنكية الخاصة.
نعم يا سادة إننا للأسف سقطنا وفشلنا في ترجمة وتنفيذ ما ضحى من أجله عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وأبطال المعتقلات ونجح العدو في الوصول إلى مستوى الدول المتطورة وذلك من خلال الانتماء والوحدة والإرادة وبناء دولة عصرية على أرض سرقها واغتصبها مستنداً إلى مزاعم وروايات وأساطير لا دلائل علمية وواقعية لها.
كم كنت أتمنى أن تتحقق نبؤة الأستاذ بسام جرار في زوال هذا الكيان هذا العام ولكن للأسف الحقائق والوقائع تتنافى كلياً مع تلك النبؤة وعلى أمل أن ينهض جيلاً جديداً من أبناء شعبنا برؤية وبرنامج وطني ومجتمعي جديد.