السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حكومة وحدة وطنية وغزة تدفع الثمن

2014-07-13 02:39:08 PM
حكومة وحدة وطنية وغزة تدفع الثمن
صورة ارشيفية

 * بقلم: خيري حمدان – خاص بالحدث

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تثير الأحداث الأخيرة تساؤلات عديدة بدءًا بسيناريو اختطاف المستوطنين الثلاث ومقتلهم بعد أيام. نتساءل بهذا الشأن، هل أجرت الأجهزة الأمنية التحريات اللازمة لمعرفة الأطراف المتورطة بمقتلهم؟ علمًا بأنّ التنظيمات الفلسطينية تلجأ عادة لمبادلة المختطفين بأسرى فلسطينيين، ولم يعلن تنظيم فلسطينيّ المسؤولية عن هذه العملية الميدانية. ونستمر في تساؤلاتنا، هل خُطفَ حقًا ثلاثة مستوطنون، وهل يمكن قتلهم من طرف إسرائيليّ مجهول لتصعيد المواجهة؟ هذه مجرد تساؤلات وتفكير بصوت مرتفع!

نجحت إسرائيل في تصعيد المواجهة بالطبع بعد صبّ الوقود في جوف الفتى محمد أبو خضير وحرقه وقتله وإشباع الشهوة التوراتية بالانتقام من الآخر وإلغاء حضوره الفيزيائي. جميع هذه المقدّمات تعتبر بمثابة صبّ الزيت على النار التي لم تخفت جذوتها منذ عقود طويلة، وتحتاج لمجهود متواضع لتأجيجها، خاصّة وقد لاح في الأفق شبح حكومة الاتفاق الوطني إثر المصالحة ما بين غزة ورام الله والشروع بتأسيس حكومة فلسطينية، لم يكتب لها المضيّ في أعمالها المدنية المرجوّة في ظلّ حريق غزّة.

غزّة الحبيبة المتمرّدة دائمًا، المرتدية وشائج العنف والثأر وعدم الاستقرار والشهادة القادمة من عمق التاريخ، غزّة هذه تدفع فواتيرها دائمًا باهظة وبفوائد غير منطقية، غزّة هذا القطاع الخارج عن القانون والخارج عن حدود الجغرافيا المعاصرة، لكنّه يرفض مغادرة التاريخ، ويسطر يومياته ليس بالحبر كما أفعل بل بدماء أبنائه وشيوخه ومناضليه.

لا يمكننا مطالبة العالم الغربي بالتعاطف معنا أكثر مما يفعل إخوتنا في العالم العربي والإسلامي، وهذا مفهوم بالطبع لأنّ الغرب ما يزال يدفع ثمن جريمته تجاه اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ونحن ندفع ثمن الجريمة الأوروبية مضاعفة لأنّ العقاب وقع اختياريًا علينا، مقابل تزويد ضحايا النازية "النازيون الجدد" بكلّ أنواع السلاح التقليدي والمحرّم دوليًا، كان آخرها سرب الطائرات المقاتلة من طراز F35، طائرات لم تستخدمها القوات العسكرية الأمريكية، لعدم وجود أهداف بشرية رخيصة كما هو الحال في ساحات الموت الفلسطينية، ضِف إلى ذلك الغواصات النووية القادمة من ألمانيا، أما الموقف البريطاني والفرنسي فحدّث ولا حرج.     

لا يمكننا العتب على العالم المتعاطف تاريخيًا مع إسرائيل، لكنّ العتب يقع على دول العالم العربي غير القادرة على التململ قليلا للإعلان عن رفضها واستنكارها كما تحبّ أن تفعل وهو أضعف الإيمان بالطبع. ندرك بأنّ العديد من الدول العربية تعاني من الربيع أو الخريف العربي، لكنّ هذه الثورات والقلاقل جاءت نتيجة لزرع الكيان الصهيوني العنصري في هذه البقعة من الأرض، وتدين الكثير من الأنظمة العربية لإسرائيل، لأنّها استخدمتها لفترة طويلة من الزمن فزّاعة لقمع شعوبها وترهيبهم من الجار العدوّ، وضرورة الخضوع للسلطة والحكم المطلق كيلا تبلعنا إسرائيل، ما أدّى إلى تهميش دور الشعوب العربية، وتقليم أظافرها وظهور نخبة ثقافية على أتمّ الاستعداد للتماهي مع الكيان الصهيوني كبديل ديمقراطي، يستخدم أدوات الموت للدفاع عن المجتمع الإسرائيلي لأتفه الأسباب وإذا تعذّر وجودها فإسرائيل قادرة على خلقها وإيجادها كما حدث بشأن المستوطنين الثلاث.

من جهة أخرى، يبدو تضخيم دور المقاومة والصواريخ التي ترسلها إلى المدن الإسرائيلية سيفًا ذا حدين، لا ننكر بأنّ المقاومة الفلسطينية قد تمكنت من تطوير مقدّراتها العسكرية، لكنّ مقارنتها بآلة الموت الإسرائيلية لا يفيد المدنيين المتلقين للردود المشبعة بالديناميت في غزّة، كما تمكنت إسرائيل من استخدام سقوط صواريخ المقاومة فوق مدنها إعلاميًا للتروّيج لدورها التقليديّ كضحية لأهل البيت والسكان الأصليين لهذا الوطن.

هناك ضرورة ملحة لتحديد هدف سياسي في نهاية المطاف للمقاومة الفلسطينية، ماذا نريد على المستوى المنظور، تحرير كامل التراب الفلسطيني، أم الدعوة لقيام "دولة فلسطين" فوق الأراضي المحتلة عام 1967 وقطاع غزّة والقدس الشرقية؟ الأمر الذي ترفضه إسرائيل بالمناسبة جملة وتفصيلا، فتهويد القدس مستمرّ على مدار الساعة، ولا توجد حدود واضحة على أرض الواقع ما بين القدس الشرقية والغربية، أمّا الضفة الغربية فتبدو كالجبن الهولندي المحفور، تزاحمها المستوطنات من كلّ حدب وصوب، وغزّة ميدان رماية لمعرفة دقّة المقاتلات الإسرائيلية. هذا هو السقف الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كحدود للدولة الفلسطينية، لكنّه سقف مستحيل ومطلب غير قابل للتنفيذ، إذا كان الأمر كذلك فما هي الجدوى المرجوة لتقديم المزيد من التنازلات، بما في ذلك التواطؤ بالصمت وشدّ الشعر. الشعب الفلسطيني وفي هذه المرحلة بالذات أشدّ ما يحتاج لحكومة توافق وطني مهما كان الثمن، ونحن ندفعه بالتقسيط على دفعات غير متساوية، التالية أكبر وأقسى بكثير من سابقتها وللحديث بقية.    

*كاتب وروائي فلسطيني يقيم في صوفيا/ بلغاريا