قد تكون الكتابة حول أزمة متدحرجة لا تزال قيد الحلِّ مغامرة، وبخاصة حين تلزمك أخلاقيات "المسؤولية الوطنية"، التي تحمل وزرها جرَّاء موقعيَّتك في فلسطين المحتلة، بما يشبه الصمت. وقد تتحوَّل المغامرة إلى مخاطرة حين تلزمك أخلاقيات "المسؤولية المهنية"، التي تحمل وزرها جرَّاء موقعيَّتك في جامعة بيرزيت، بما يشبه الكلام. وقد تتحوِّل المخاطرة إلى مقامرة حين تلزمك أخلاقيات "المسؤولية الثقافية" التي تحمل وزرها جرَّاء موقعيَّتك كفاعل في قضايا الشأن العام بنفث ما في فمك من ماء ورمل وزجاج مسحوق في وجه الشيطان الذي يعبث بالتفاصيل. ولذا، فقد يكون الحل الأمثل في إرجاء "التفاصيل" والذهاب مباشرة إلى "الشيطان" لمحاورته وجاهياً، على شهوة من الوجاهية والمواجهة، في الجامعة وفي عموم فلسطين. فالمواجهة في جامعة بيرزيت، رغم كثرة عناوينها التي وصل الحوار في معظمها إلى نهاية سعيدة، تكاد تنحصر، الآن، في موقف أطر الجامعة ومرجعيَّاتها السياسية والتنظيمية وغيرها، من مسألتين، هما: الانتخابات الطلابية، والاعتقال السياسي.
صحيح أن التعبير المتداول يجعل من "الشيطان" كائناً مجهرياً "يكمن في التفاصيل"، ولكن هذا الكائن، المجازي في البلاغة، الواقعي في السياسة، ينتج التفاصيل، ويهندس فضاءاتها، ويحتكر مواقيتها، ويستحدث لغة الخطاب حولها، ويملي منطق الغلبة في الانتهاء منها أو الإبقاء عليها في لعبة ملء الدنيا وشَغل الناس. في جامعة بيرزيت، وفي فلسطين، وفي العالم... نعلم، علم اليقين، أن الشيطان، وقد امتلك هذه القدرات كلها، صار سلطة عليا تسيطر على نصوص حياتنا التي ملأها بالتفاصيل. والسلطة، في تاريخ الفكر، هي علاقة إنتاجية بين طرفين يملي الأقوى فيها على الأضعف، عبر آليات الإكراه وسياساته المتعددة، سلوكاً ما، أو يمنعه، أو يفرض الشروط على كيفية القيام به. وعلى ذلك، فالشيطان المقصود هنا، ليس شيطان المخيال الديني-شبحي الحضور المعروف بمكره واستعصائه على التعيُّن، بل هو الطرف الأقوى في معادلة السلطة، إنه شيطان المخيال السياسي-كلِّي الحضور المعروف بصلفه وسفوره في التعيُّن. كما أنه ليس مقصوداً، بأي شكل من الأشكال، شيطنة أحد، رغم أن الفلسطينيين، كما وصف محمود درويش مرَّةً أعداءنا (وشياطيننا المفضَّلين)، ليسوا شعباً من الملائكة، كما قد يصفون أنفسهم، وليسوا شعباً من الشياطين، كما قد يصفهم غيرهم، بل هم شعب خليط من الملائكة والشياطين.
وعلى ذلك، تتمظهر السلطة في جامعة بيرزيت، بهذا المعنى، عبر تمثُّلاتها في ثلاثة أطر، هي: إدارة الجامعة، ونقابة العاملين، والحركة الطلابية التي ينظِّم آليات التواصل بينها، وإلى حدٍّ معقول عملَ كلٍّ منها، قانونُ الجامعة التي يتعهَّدها "مجلس أمناء مستقل، يُشرف عليها ويُقِرُّ سياستها العامة، ويعمل على نموِّها وازدهارها لتتمكن من تأدية رسالتها." لكن استقلالية الجامعة، مالياً وإدارياً وعلمياً، كما يرد في منطوق قانونها، لم تكفِ، في أية حقبة من تاريخها المديد، لتحقيق استقلالية سياسية مطلقة عن "خارجها" الوطني الفلسطيني، وهي بهذا المعنى، وحرفياً، "جامعة بلا جدران" من حيث وجود سلطةِ-خارجِ-الجامعة التي لا تكفُّ عن التمظهر في إهاب سلطات الأطر الثلاث داخل الجامعة. وفيما كان التنافذ الفعَّال بين داخل الجامعة وخارجها، في مرحلة المدِّ الثوري الذي قادته منظمة التحرير الفلسطينية، أحد عوامل القوة في بقائها ورفد حركة التحرر الوطني بأصلب أعواد كنانتها من المناضلين الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين... صار أحد عوامل القلقلة لاستقلاليَّتها، وربما التهديد لبقائها، رغم استمرار تضحيات أبنائها، بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، وترهُّل أطر منظمة التحرير الفلسطينية، والاستحواذ عليها، واتساع الشقَّة بين قيادتها الرسمية، وليس بالضرورة قواعدها، والمكوِّنات الإسلامية في حركة التحرر الوطني الفلسطيني، والذي تعزز بالانقسام الفلسطيني، المتحوِّل تدريجياً إلى اقتسام كارثي في ظلِّ تعطيل الحياة السياسية بالكامل.
وفيما حقق مجلس الأمناء "شخصية معنوية مستقلة"، ضمن ما تتيحه تحدِّيات الإجماع الجوَّاني الفلسطيني خارج الجامعة ابتداءً من "مجلس التعليم العالي" في حقبة منظمة التحرير الفلسطينية وانتهاء بـ"وزارة التعليم العالي" في حقبة السلطة الفلسطينية، كان على إدارة الجامعة أن تواجه تحدِّيات الحياة اليومية داخل الجامعة كما فرضتها التحوُّلات السياسية والاقتصادية والثقافية الجديدة في حقبة السلطة الفلسطينية، وبخاصة التضخم الهائل في المفاهيم والوقائع "الجديدة" بين الأعوام 2004-2007، نحو: الاستقطاب السياسي، والخصخصة، واللبرلة، والأمننة، والعسكرة، والاعتقال السياسي، والحرية الأكاديمية، والعصيان المعرفي، وإعادة زعزعة العام... وغيرها. أما نقابة العاملين، التي عكست نتائج انتخاب هيئتها الإدارية تحوُّلات المزاج السياسي من حيث الاقتراب اليساري-الإسلامي في مواجهة التيار المهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فقد حرصت، وبتفاوت ملحوظ في دوراتها المتتالية، على أن تكون عنصر توازن بأكثر من كونها عنصر تصعيد في الخلافات المتواترة بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية، بغض النظر عن نزاعاتها النقابية الخاصة مع الإدارة التي أديرت ولا تزال بتحييد واضح لإمكانية تدخُّل الطلبة فيها. وأما الحركة الطلابية، ورغم ما بذلته ولا تزال من تضحيات تستحق الانحناء، فقد كانت المؤشِّر الأكثر دلالة على هشاشة الحالة الوطنية خارج الجامعة وداخلها. ففيما عكست الحركة الطلابية نضجاً لافتاً، ويكاد يكون موحَّداً، في مواقفها من القضايا المتجددة في الحقلين: الأكاديمي (نوعية التعليم العام، وعلاقته ببناء المعرفة التحررية، ومناوأة مظاهر اللبرلة...)، والنقابي (التضامن، والعدالة الاجتماعية، وتحسين جودة الخدمات، ومحاربة ظواهر الخصخصة...)، والثقافي (الحرية الأكاديمية، والمقاطعة، ومقاومة التطبيع...)، عجزت عن توحيد موقفها في حقل الألغام السياسي، وبخاصة فيما يتعلَّق: بالانتخابات (التي تصادت نتائجها مع نتائج انتخابات نقابة العاملين في معظم الأحيان)، والاعتقال السياسي، ما قاد إلى تصعيد حالة الاستقطاب السياسي داخل الجامعة حدَّ الصدام المؤسف في بعض الأحيان.
وفي هذا السياق، تفاوتت الإدارات الخمسة التي تعاقبت على جامعة بيرزيت منذ العام 2004 في تعاطيها مع هذا الواقع بالغ التعقيد. ولا شك أن أنماطاً إدارية كانت أنجح من غيرها، وأنجع، في تفادي ألغام الحقل السياسي التي انفجرت أو كادت بفعل قضايا لم تكن بالضرورة سياسية محضة في ماهيتها، كبعض قضايا التطبيع، والتدخُّل في الحرية الأكاديمية، والمسِّ بـ"المقدس الجمعي الفلسطيني"، وغيرها. وفي ظل هذا الواقع، نجحت بعض الإدارات في احتواء الأزمات بفضل تواصلها الفعَّال مع أطر الجامعة وحزمها في الحفاظ على مسافة معقولة من المخاضات الكبرى خارج أسوار الجامعة؛ فيما فشلت إدارات أخرى فشلاً ذريعاً حين حاولت تكريس فصل تعسُّفي بين "الجامعة" (الإدارة ومجلس الأمناء) و"مجتمع الجامعة" (نقابة العاملين، والحركة الطلابية) ما أتاح لخارج الجامعة أن يتسلل إلى داخلها على نحو ناعم في بعض الأحيان وعلى نحو فظٍّ في أحيان أخرى؛ واضطرت بعض الإدارات إلى التعامل مع هذا الإرث الثقيل برؤيا مغايرة، ولكنها لم تتمكن، للأسف، من تجريبها على أرض الواقع بفعل الانفجارات المؤجلة لأزمة الجامعة المتدحرجة.
منذ قرابة شهر ونصف، انفجرت الأزمة من جديد إثر تراكم مجموعة من القضايا السياسية والنقابية غير مكتملة الحل بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية. وقد صعَّد من انفجار الأزمة ثلاثة عوامل أساسية: العامل الأول، هو تدخُّل قوات الاحتلال (شيطان الفلسطينيين الأكبر) مرَّتين وفي توقيت بالغ الحساسية: تمثَّلت الأولى في اقتحام حرم الجامعة فجر يوم الثلاثاء 14 كانون الأول 2021، واعتدائها على الحرس الجامعي، ونزعها للعلم الفلسطيني من على سارية أمام كلية العلوم. فيما جاءت الأخرى، بعد ظهر يوم الإثنين 10 كانون الثاني 2022، على شكل إغارة وحدة خاصة من المستعربين رفقة جيش الاحتلال، واعتقال خمسة من ممثلي الكتل الطلابية عند بوابة الجامعة الشرقية-الشمالية، وجرح أحدهم (وقد أفرجت لاحقاً عن ثلاثة منهم). والعامل الثاني، هو التصريحات والتصريحات المضادة بين ممثلي الإدارة وممثلي الحركة الطلابية الذين بدأوا نشاطهم الاحتجاجي في الأزمة الأخيرة اعتباراً من 19 كانون الأول 2021 وتصاعد الاحتجاج تدريجياً إلى أن تم إغلاق الجامعة بالكامل من قبل الحركة الطلابية مطلع العام الحالي. والعامل الثالث، هو اعتقال بعض الطلبة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، و"التحقيق معهم لشبهة قيامهم بأعمال عنف داخل الجامعة" كما يفيد زملاؤهم من ممثلي الحركة الطلابية الذين استدعي بعضهم، كذلك، للجنة النظام العام الخاصة بالطلبة في جامعة بيرزيت، والتابعة لعمادة شؤون الطلبة، على خلفية ما وصفته الإدارة بـ"تجاوزات" خلال أنشطة طلابية ذات طابع وطني.
في يوم الثلاثاء 11 كانون الثاني 2022، وبعد الوقفة الاحتجاجية على جريمة الاحتلال على بوابة الجامعة، نجحت مجموعة من الأساتذة من الهيئة العامة لنقابة العاملين وبدعم من هيئتها الإدارية، وبعد لقاءات عديدة مع ممثلي الحركة الطلابية والطلبة المعتصمين في الحرم الجامعي، ولقاءات مماثلة مع إدارة الجامعة... نجحت في عقد جلسة استماع، داخل الجامعة، بين ممثلي الحركة الطلابية ورئيس الجامعة بحضور النقابة، وجلسة حوار مع ممثلي الإدارة في اليوم التالي. ورغم الوصول إلى طريق مسدود في جلسة الحوار (بخصوص مطالب الطلبة بإقالة/ استقالة اثنين من إداريي الجامعة)، عملت مجموعة الأساتذة على تحويل اعتبارات الطلبة السياسية والنقابية، واعتبارات الإدارة الأكاديمية والإدارية، إلى مسودة "إطار اتفاق" لإنهاء الأزمة يتكوَّن من ثلاثة محاور تضمن: "حقوق الحركة الطلابية، وانتظام العمل الأكاديمي والإداري، وعدم تكرار الأزمة في الجامعة." تم اعتماد هذه المسودة كأساس للحوار بين الطلبة وإدارة الجامعة برعاية نقابة العاملين وبجهود مشكورة من فواعل المجتمع المحلي من أصدقاء جامعة بيرزيت، وتم تعديل بنودها في جولات عديدة حدَّ الرضى شبه التام عنها من قبل الطلبة، وإن كانت لا تزال بحاجة إلى موافقة نهائية من قبل الإدارة.
وقد أسهم اشتمال مسودة "إطار الاتفاق"، وبخاصة في محورها الثالث، على إجراءات عملية محددة بجدول زمني ومكفولة التحقق بنص قانون الجامعة والضمان الأخلاقي لنقابة العاملين وكل من ساهم في حلحلة الأزمة... أسهم في قبول ممثلي الطلبة، مبدئياً، بـ"إطار الاتفاق" الذي عالج مطلبهم بالإقالة/ الاستقالة عبر أربعة بنود عملية. لكن العقبة الأصعب، كما يبدو، تتجلَّى في ثلاثة عناصر: الأول، هو مخاوف ممثلي الحركة الطلابية من حالة عصيان في قواعد كتلهم إذ لم يحققوا مطلب الإقالة/ الاستقالة (وهذا عنصر، رغم وجاهة التذرِّع به، قليل التأثير، نظراً لفولذة الحركة الطلابية لموقفها عبر احتياز دعم الطلبة في اجتماعات خاصة وعامة تكثِّفها الصورة الجماعية في الحرم الجامعي في يوم 18 كانون الثاني 2022، وتعززها مبادرة الأسرى من طلبة جامعة بيرزيت في اليوم ذاته). والثاني، هو انعدام الرغبة لدى ممثل أية كتلة طلابية في البدء بالموافقة الصريحة خشية مما سيلحقه ذلك من خسارة معنوية على مستوى البلاغة السياسية التي تعززها مواقف متشددة من المرجيعات السياسية والتنظيمية وغيرها خارج الجامعة، وخسارة فعلية في انتخابات مجلس الطلبة القادمة (حال انعقادها). والثالث، وهو الأكثر تأثيراً ربما، هو تقدير بعض المرجيعات السياسية والتنظيمية وغيرها خارج الجامعة، أن اشتمال المحور الأول لـ"إطار الاتفاق" على نص واضح، في بنوده الثلاثة الأولى، على ضمان الجامعة لحرية العمل السياسي والنقابي، وعقد الانتخابات، واتخاذ موقف حاسم مناوئ للاعتقال السياسي لطلبة الجامعة لا يصبُّ في مصلحتها مطلقاً، ولذا تلجأ إلى إرباك الآخرين بالتفاصيل.
قبل الختام، وبعيداً عن التفاصيل الهامشية، ثمة تفصيل محوري تجدر الإشارة إليه كإسهام في محاصرة الشيطان متعدد الأقنعة في الثقافة السياسية الفلسطينية، وبخاصة في جامعة بيرزيت. فقبل قرابة عشر سنوات، وفي أواخر أيار 2012 على وجه التحديد، تشكِّلت مجموعة من أساتذة الجامعة وموظفيها من خلفيات سياسية وثقافية وتخصصية متنوعة خلال أزمة جدِّية بين بعض الطلبة، غير المنتمين لأي إطار طلابي معروف في الجامعة، وأحد الأساتذة، يمكن وصفها بأنها على خلفية حرية التعبير. بعيداً عن تفاصيل تلك الأزمة، التي شهدت إجماعاً غير مسبوق بين موقف مختلف الأطر الطلابية والنقابية في الجامعة، كان البريد الإلكتروني الذي تتواصل من خلاله مجموعة الأساتذة والموظفين يحمل اسم "وطن." ومع تصاعد الأزمات وتجدُّدها في صور مختلفة، وبخاصة خلال السنتين الأخيرتين، أعادت المجموعة تنظيم نفسها، وصدَّرت مواقف تتسم بحسٍّ عالٍ من المسؤولية والجرأة، وناقشتها مع مجلس الجامعة، ومجلس الأمناء، وعملت "مجموعة وطن" بتناغم لافت مع نقابة العاملين على نحو لا يقبل أي شبهة بكونها تشكِّل بديلاً عنها أو عن أيٍّ من أطر الجامعة الأخرى. شخَّصت هذه المجموعة الأزمة الحالية والتي اعتبرتها "نوبة" من ضمن سلسلة من "النوبات" التي نتجت عن سياسة مستمرة تُعنى بـ "إدارة الأزمات" لا "حلِّها". ودعت المجموعة، في بيان لها بتاريخ 17 كانون الثاني 2022 "إلى إنهاء المأزق الراهن، وفتح الأبواب الموصدة باتجاه حوار منفتح يحترم الآخر بدون قيد، يقوم على مبدأ حق الجميع بنقاش كل ما في الجامعة، وعلى التزام كل طرف بمسؤولياته، وخضوع الجميع لأساس موحد هو قانون الجامعة ومصلحتها العليا وتساوي كل من فيها أمام قانونها. ويعني ذلك بشكل محدد: (1) أن تستمر الحركة الطلابية بعرض ما لديها من مطالب عبر آليات لا تضرُّ الصالح العام، وبدون استباق للحكم، (2) أن تقوم إدارة الجامعة بإخضاع نفسها وأعضائها للمساءلة، وأن تعرض ما لديها، وأن تمتنع عن استخدام إجراءات النظام كبديل عن الحوار كلما كان تطبيقها للنظام محل طعن من طرف من الأطراف، (3) أن تستمر نقابة العاملين بلعب دور الوسيط الموضوعي والمحايد في هذه المرحلة لغرض انتهاء النوبة الراهنة للأزمة، وعودة الجميع إلى لعب دورهم الطبيعي في حياة الجامعة، (4) أن تلتزم كل الأطراف (بما في ذلك مجلس الأمناء)، بمباشرة حوار استراتيجي معمَّق للوقوف على الأسباب الجوهرية لأزمة الجامعة وسبل معالجتها بشكل يمكنها من تجاوز ما يحيط بها من أخطار."
ولعل هذه المعطيات في التحليل الذي قدَّمته هذه المقالة، التي أسقطت كثيراً من التفاصيل التزاماً بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية والمهنية، تشير إلى أن كلمة السر لحل أزمة جامعة بيرزيت إنما تكمن في دعم مجلس الأمناء، الذي هو "شخصية معنوية مستقلة"، لاستعادة "استقلالية الجامعة" ضمن ما تتيحه تحدِّيات الإجماع الجوَّاني الفلسطيني داخل الجامعة وخارجها؛ وحرص إدارة الجامعة، التي أبدت مرونة عالية تجاه "إطار الاتفاق" وترحيباً بجهود حلحلة الأزمة، على التواصل الإيجابي مع نقابة العاملين بهيأتيها الإدارية والعامة التي لعبت ولا تزال دوراً محورياً في الحفاظ على استقلالية الجامعة؛ ومواصلة نقابة العاملين نفسها لدورها الوطني والنقابي المعهود؛ وتعزيز محاولات ممثلي الحركة الطلابية في تدشين علاقة قائمة على الحوار والمناددة مع مرجعياتهم السياسية والتنظيمية، لئلا يتكلَّم أحد من بطونهم بغية استنساخ الواقع السياسي المظلم خارج الجامعة داخلها، وبخاصة أن الطلبة قد جسَّدوا، في الأزمة الأخيرة، وعياً وطنياً لافتاً وقدرة حجاجية تستحق الثناء في المرافعة عن حقوقهم والمدافعة عنها في كل الساحات... ربما يكون في هذا كله ما سيحافظ على "فرادة" جامعة بيرزيت و"روحها" في سياق تتناهب فيه فواعل دولة المستوطنين الصهاينة فلسطين من بحرها إلى نهرها، ومن شمالها إلى جنوبها... فلنحاول معاً.