أصدر المجلس التشريعي الفلسطيني قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005، وذلك في 15 آب 2005، وقد تبنى القانون النظام النسبي (القوائم) في انتخاب مجالس الهيئات المحلية، ووفقا لهذا القانون يتم الترشح بقوائم انتخابية مغلقة لا تظهر أسماء مرشحيها على ورقة الاقتراع، ويتم ترتيب أسماء المرشحين فيها وفق أولوية كل قائمة، على ألا يقل عدد مرشحي القائمة عن أغلبية عدد المقاعد المخصصة لمجلس الهيئة المحلية، حيث يخصص لكل قائمة -حازت على نسبة الحسم أو أكثر من الأصوات الصحيحة للمقترعين- عدد من مقاعد المجلس، توزع حسب تسلسل أسماء مرشحي القائمة، وفق طريقة "سانت لوغي" لاحتساب المقاعد، ويخصص لكل هيئة محلية عدد من الأعضاء وفقاً لعدد سكان ذلك التجمع الذي تتبع له الهيئة.
وبعد حوالي أسبوعين من إقرار القانون، تم تعديله بقانون رقم (12) لسنة 2005، وخاصة المواد المتعلقة بتمثيل المرأة، نسبة الحسم، والكوتا المسيحية، واحكام تتعلق بالمرشحين لرئاسة وعضوية مجالس الهيئات المحلية وغيرها، وبعد سبعة أعوام تم التعديل الثاني بقرار بقانون رقم (8) لسنة 2012م، تم من خلاله تعديل بعض مواد قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية خاصة المتعلقة بأليات اجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية (زمنيا)، ومدة ولاية مجلس الهيئة المحلية، وبعد خمس أعوام أخرى، تم التعديل الثالث بقرار بقانون رقم (2) لسنة 2017م، تم من خلاله تعديل بعض مواد القانون خاصة المتعلقة بالمحكمة المختصة بقضايا الانتخابات.
وعلى الرغم من تعديلات القانون المتعددة، الا ان هناك ثغرات عدّة في القانون، بحاجة إلى معالجة، كونها تخالف مبادئ الحوكمة، إضافة الى كون القانون غير مستجيب بشكل مُرضٍ للمرأة والشباب والاشخاص من ذوي الإعاقة، ولا يعالج ثغرات إجرائية مثل اقتراع الأمييّن.
ففي محور الحوكمة، توجد ثغرات تخالف مبادئ الحوكمة، منها عدم توفر شرط يمنع ترشح الأقارب من الدرجة الأولى في القائمة الانتخابية، الأمر الذي يتنافى ومبدأ منع تضارب المصالح ومبدأ النزاهة، وخلق حالة وُجِدْت فيها قوائم شبه كاملة من أسرةٍ واحدة، ضَمّت أقارب من الدرجة الأولى، أما فيما يتعلق بتمويل الحملات الانتخابية، فان مواد القانون جاءت ضبابية، ولم يُحَدَد سقف لتمويل الحملة الانتخابية، كما أن القانون لم يُلزِم لجنة الانتخابات المركزية بنشر تكاليف الحملات الانتخابية ومصادر التمويل وأوجه الصرف، الامر الذي يتنافى ومبدأ الشفافية.
أما فيما يتعلق بانتخاب الأميّين أو الأشخاص من ذوي الإعاقة، فان القانون سمح بثغرة أضحت أنموذج لمصطلح (الأميّة السياسية)، حيث أتاح القانون للأميّ او الشخص من ذوي الإعاقة الاستعانة بقريب له، حتى الدرجة الثانية، ليؤشر على اسم القائمة التي يمليها عليه، وهو أمر يخالف مبدأ "سرية الاقتراع"، واضحت هذه المادة في القانون ثغرة ينفذ منها من يحاول التأثير في عملية الاقتراع، فمرونة القانون الفضفاضة في السماح لقريب من الدرجة الثانية، أحدثت خللا في ضبط الحالة، فمثلا "الخال – شقيق الأم" قريب من الدرجة الثانية، ولكن لا توجد أي وثيقة رسمية يمكن من خلالها التحقق إن كان فعلا قريب من الدرجة الثانية،ويستطيع الاقتراع مع أي شخص يدعي انه أميّ، ومما يؤكد استغلال هذه الثغرة، العدد المبالغ فيه للأميين في عملية الاقتراع، والذي لا يتناسب مع نسبة الأميّة المنخفضة جدا في فلسطين، علما أن حل هذه الثغرة ممكن وبجهود بسيطة من خلال الرموز، والمعمول بها حاليا، بحيث يكون لكل قائمة رمز خاص يستطيع "الأميّ الحقيقي" ان يقترع من خلال معرفته بالرموز المعبرة عن كل قائمة، خاصة وان لجنة الانتخابات المركزية أوجدت حلا لاقتراع ذوي الإعاقة البصرية من خلال صيغة بريل.
أمّا تمثيل الشباب في الانتخابات المحلية، فان القانون اشترط ان يكون سن المرشح للانتخابات المحلية 25 عام فأكثر، الأمر الذي يعني حرمان الشباب ضمن الفئة العمرية (18-24) من حق الترشح للانتخاب، وتبعا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فانه سيحرم (694,060) شاب/ـة من حق الترشح لانتخابات مجالس الهيئات المحلية في فلسطين، أي ما نسبته (24.1%) ممن يحق لهم الاقتراع في فلسطين، وحرمان ما نسبته (60%) من فئة الشباب من حق الترشح لانتخابات مجالس الهيئات المحلية في فلسطين، كون سن الشباب المعتمد في فلسطين من (18-29) عام. علما ان العديد من دول العالم تعتمد سن الـ (21) عام للترشح للانتخابات، وجزء منها يعتمد سن الـ (18) عام للترشح، الأمر الذي انعكس على نسبة الشباب المتدنية التي فازت في انتخابات الهيئات المحلية بمرحلتها الأولى 2021.
أما فيما يتعلق بتمثيل المرأة، ففي الوقت الذي تضمّن قانون انتخابات المجالس المحلية على نص واضح (لا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 20%)، ونص على كوته تضمن تمثيل بالحد الأدنى المقبول للمرأة، جاء التعديل على القانون، عكسيا، حيث نص التعديل على "في الهيئة المحلية التي لا يزيد عدد مقاعدها عن ثلاثة عشر مقعداً يجب ألا يقل تمثيل المرأة عن مقعدين، امرأة واحدة من بين الخمسة أسماء الأولى في القائمة، امرأة واحدة من بين الخمسة أسماء التي تلي ذلك، اما في الهيئة المحلية التي يزيد عدد مقاعدها عن ثلاثة عشر مقعداً يخصص مقعد ثالث للمرأة". أي ان تمثيل المرأة سيكون في أقصاه 22% في الهيئات المحلية الصغرى (9 مقاعد)، وفي الهيئات المحلية الكبرى (15 مقعد) 20% وينخفض في الهيئات المحلية الوسطى (11 مقعد أو 13) الى 18% أو أقل.
وشاهدُ ذلك نسبة النساء الفائزات في الانتخابات المحلية – المرحلة الأولى والتي بلغت (21.8%) من اجمالي الفائزين والفائزات في الانتخابات (بالتزكية والاقتراع)، كان منها (23%) بالتزكية في حين انخفضت تلك النسبة في الانتخابات بالاقتراع الى (20.5%) فقط، علما أن نسبة النساء الفائزات في الانتخابات المحلية السابقة لم تتجاوز 10%، وبسبب وجود الكوته، ارتفعت تلك النسبة الى 21.8%، وتقديري ان نسبة النساء الفائزات ستكون أقل من ذلك في الانتخابات المحلية في مرحلتها الثانية في شهر آذار القادم، بسبب انخفاض نسبة الكوتا في الهيئات المحلية المصنفة (أ+ب).
وفي الوقت الذي تم فيه تعديل قانون الانتخابات العامة "التشريعية" إيجابا لصالح المرأة في العام 2021، ما زال قانون الانتخابات المحلية لا يمنح المرأة سوى نسبة في حدود 20%، وهذا يخالف قرارات المجلسين الوطني والمركزي، ولا يتناغم ونسبة النساء في المجتمع.
أما بالنسبة للأشخاص من ذوي الإعاقة، والتي تصل نسبتهم في المجتمع الفلسطيني الى 5.8% تبعا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلم يضمن لهم القانون تمثيل من خلال كوته خاصة بهم.
وختاما، لا بد للمشرّع الفلسطيني، وحتى في ظل غياب وتعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، العمل على تعديل قانون الانتخابات المحلية، بما يضمن ردم فجواته والتي تتناقض ومبادئ الحوكمة، وغير المستجيبة للشباب والنساء والأشخاص من ذوي الإعاقة، خاصة وأنّ الهيئات المحلية هي الأكثر تماساً مع المواطنين بكافة فئاتهم وشرائحهم، تبعا لنطاق عملها الخدماتي، وتوجد ضرورة لتمثيل عادل لكافة الفئات فيها، انفاذا لمبادئ العدالة الاجتماعية.
كما يتطلب الأمر من مؤسسات المجتمع المدني قيادة عملية ضغط من أجل تعديل القانون، بالموازاة مع برامج رفع الوعي المجتمعي، وتحفيز النساء والشباب والأشخاص من ذوي الإعاقة للترشح للانتخابات، كذلك فان على الشباب والذين يمثلون ربع المجتمع الفلسطيني، وهم الحاضر والمستقبل لفلسطين، المطالبة بحقهم في الترشح للانتخابات المحلية، والضغط تجاه تعديل القانون، فلا يكفي رفع شعارات تمكين الشباب وتعزيز دور المرأة، وشمول الأشخاص من ذوي الإعاقة، دون أن تكون المنظومة التشريعية مستجيبة لذلك.