الحدث- سوار عبد ربه
لطالما ارتبط مسمى القبة الذهبية بالمسجد الأقصى المبارك، نظرا لجمالها ودقة صنيعها، حتى أن الكثير من المصورين وهواة التصوير يتنافسون لالتقاط الصورة من الزاوية الأجمل للقبة، ذلك لأهميتها الدينية والتاريخية من جهة، ولما شهدته من هبات ومعارك من جهة أخرى، سيما محاولات الشبان المستمرة لاعتلاء سطحها لرفع العلم الفلسطيني عليها، الأمر الذي جعل منها مكانا محببا لجميع المقدسيين والفلسطينيين.
في بلدة بيت صفافا جنوب غرب القدس المحتلة، قرر أهالي البلدة أن يقيموا قبة تشبه في لونها وشكلها قبة المسجد الأقصى، وذلك في مسجد الرحمن، الأمر الذي لم يرق للمستوطنين ودفعهم للمطالبة بهدمها بذريعة أنها أقيمت من غير ترخيص، نفس المعاملة التي يتعاملون بها مع القبة الذهبية الأصيلة في القدس والتي شهدت منذ احتلال العاصمة على شتى أنواع التحريض والتخريب والاعتداءات.
وحول ذلك قال الشيخ محمد عليان لـ"صحيفة الحدث"، إنه "في الأشهر الماضية أطلقنا مشروعا لتوسعة مسجد الرحمن في القرية، وأنشأنا طابقا إضافيا وقبة ذهبية، تشبها بالمسجد الأقصى المبارك لأننا نتشرف بأي شيء يشبهه حتى أننا نضع صورته في بيوتنا".
وأضاف: "هذا الأمر أزعج المستوطنين، سيما وأن المسجد ضخم وواسع، والقبة عالية وتظهر من جميع الاتجاهات بسبب موقع المسجد المبني على أطراف القرية، وتحيط به المنطقة الصناعية الإسرائيلية ومستوطنتا "القطمون" و"تلبيوت" المقامة على أراضي الفلسطينيين في بيت صفافا.
وفي التفاصيل أوضح عليان أنه في بادئ الأمر أخذ المستوطنون بالتقاط الصور ومقاطع الفيديو والبث المباشر على مواقع التواصل الاجتماعي بالقرب من المسجد للترويج فيما بينهم أن هذه القبة، هي قبة ذهبية ثانية في القدس، وأخذ المستوطنون بالعزف على وتر أن المسجد أقيم دون ترخيص.
وأضاف: بعدها بأيام أتت البلدية للمكان للاستفسار عن الموضوع، ما دفع مخاتير البلدة للاجتماع والمتابعة والتوصل إلى قرار بالمضي في المسار القانوني تجنبا لأي عملية هدم لبيت من بيوت الله.
وأردف: "يوجد 3 محامين يتابعون الملف، إلى جانب المسار الشعبي بالوسائل المتاحة، بالإضافة إلى التواصل مع أعضاء "الكنيست" العرب.
وفي 14 كانون الثاني لهذا العام، أفادت وسائل إعلام عبرية، بأن بلدية القدس التابعة للاحتلال طالبت بهدم مسجد القبة الذهبية الجديد، وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن "بلدية القدس تقدمت بالتماس إلى المحكمة المحلية في المدينة من أجل هدم مجمع إسلامي، في بلدة بيت صفافا يضم مسجداً تعتليه قبة ذهبية، بزعم أنها تشبه قبة الصخرة المشرفة داخل المسجد الأقصى".
وأوضحت الصحيفة أن بلدية القدس تعرضت لضغوط كبيرة من المنظمات اليمينية المتطرفة للمطالبة بهدم المبنى الإسلامي بأكمله، وليس هدم القبة الذهبية فحسب، بدعوى أن "القبة قد وضعت لتكون مصدرا آخر للعنف" كما يدعون في مدينة القدس المحتلة.
وبحسب عليان منذ حينها وحتى تاريخ إعداد التقرير لم تتقدم البلدية أي خطوة في هذا الموضوع، لكن أهالي البلدة وردهم أنها تقدمت للمحكمة المركزية بطلب هدم، والتي بدورها لم تصدر قرارا بالهدم حتى اللحظة.
وحول إشكالية الترخيص أوضح الشيخ محمد عليان: تقدمنا بطلب سابق لترخيص المنطقة جميعها، والتي تضم مسجدا وملعبا ومبنى المجلس الإداري للبلدة، وروضات وغيرها، وكلها مقامة على أرض وقف".
بدوره، أكد مختار البلدة محمد عليان "أبو داوود" في تصريحات تابعتها الحدث أن مخاتير ووجهاء البلدة توجهوا من خلال المجلس الإداري، للبلدية بطلب لعمل ترخيص، متقدمين لها بالأوراق والمخططات اللازمة للتوسعة، ذلك بسبب اكتظاظه في أيام الجمعة.
وأكد عليان أنه كان واضحا أن البلدية لم تسع للتعاون معهم، ما دفعهم للتوسعة والوصول إلى ما هو عليه اليوم.
من جانبه، قال رئيس المجلس الإداري أحمد سلمان لصحيفة الحدث تعقيبا على قرار الهدم: "في الوقت الحالي ليس لدينا ما نتوجه به إلى الإعلام وذلك كي لا نضر بمسار القضية، ولكننا نقوم بأمور جماهيرية تدعم موقفنا، متأملين بألا يتم الهدم".
وبحسب أحمد سلمان: "سيكون هناك جلسة للجنة البلدة مع المحامين للاطلاع على مسار الملف يوم الاثنين القادم 31/1/2022.
في سياق متصل، قال المختار لصحيفة الحدث إن المسجد مبني قبل الاحتلال وهذه القبة المضافة إليه ليست الأولى من نوعها في المنطقة بل هنالك عدة مساجد أيضا تم بناؤها بهذه الصورة وهي ليست قبة ذهبية كما يدعون بل عبارة عن معدن مطلي بلون الذهب لا أكثر ولا أقل".
وأكد المختار رفض أهالي البلدة لقرار الهدم، مؤكدا أنهم سيقومون باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الدفاع عن الأرض والمسجد والبيوت في هذه البقعة.
وكان المختار قد أكد في تصريحات صحفية أن هذا القرار جائر ومجحف بحق أهالي بيت صفافا التي هي جزء من مدينة القدس المحتلة، وهي بلدة معروف أنها من البلدات التي عانت الكثير من ويلات الاحتلال وصمدت.
وبموجب اتفاقية رودوس عام 1949؛ قسمت البلدة إلى قسمين بين "إسرائيل" والأردن، ومنذ ذلك الحين بدأ الاحتلال بسرقة أراضي البلدة إضافة إلى اقتطاع مساحة من الجانب الأردني في حينه، وبعد عام 1967 خضعت البلدة بشقيها للاحتلال.
وهذا المسجد الذي نتحدث عنه يقع في المنطقة التي تتبع للقسم المحتل عام 1948 وأسس قبل أكثر من 100 عام، ويعد من أوائل المساجد في بيت صفافا.
وبحسب عليان: جاء قرار هدم القبة بالتزامن مع قرار هدم مسجد في العيساوية، حيث تفاجأنا في القرار، الذي من الواضح أن البلدية خضعت لضغوطات المستوطنين لاتخاذه، مؤكدا أن هذه البلدية منذ أن حضرت لم نلاحظ إلا الهدم والتضييق على المواطنين في شرقي القدس داخل منطقة القدس وداخل الأقصى وغيرها، إذ تسعى هذه البلدية إلى تغيير الواقع في العاصمة.
وفي 3 من كانون الجاري، أخطرت قوات الاحتلال بوقف البناء في مسجد في بلدة العيساوية شمال شرق مدينة القدس الذي هو قيد الإنشاء، بحجة البناء دون ترخيص، وإلا سيتم هدمه عبر قرار إداري.
وردا على الإخطار، أطلق نشطاء وفعاليات مقدسية، حملة إلكترونية لمنع هدم مسجد التقوى عبر وسم #لن تهدم مساجدنا، ووسم #أنقذوا مسجد التقوى.
وأقيم المسجد أيضا بتبرع من أهالي الخير، وتم بناء الطابق الأول منه على مساحة ثلاثمئة متر مربع كـ"موقف لسيارات الوافدين إلى المسجد"، والطابق الثاني "قيد الإنشاء" سيستخدم كمصلى يخدم سكان المنطقة، علما أن عدد سكان العيساوية يبلغ 22 ألف نسمة.
وفي عام 2021، أطلقت لجنة مسجد الرحمن في بيت صفافا حملة تبرعات، لتوسعة المسجد، وتمكنت من إكمال البناء، ووضع قبة صفراء ذهبية، تحاكي قبة الصخرة المشرفة.
وأكد مخاتير بلدة بيت صفافا لصحيفة الحدث أن هذا الإنجاز تم بتبرعات من أهالي البلدة، وشمل إعمار وترميم وبناء مسجد الرحمن الواقع في بؤرة محاصرة بالمستوطنات المحيطة.
وأضافوا: "قرار البلدية هو سيناريو جديد ومزلزل لأهالي بيت صفافا المحاصرة التي لطالما حذرنا من التهاون والتعاون معها منذ بداية سياساتها ومكوناتها الحاقدة، وليس أمامنا إلا الدفاع عن مساجدنا وأرضنا وبيوتنا التي باتت مهددة من سياسة العنصرية المفرطة".
وبيت صفافا هي بلدة فلسطينية تقع على مسافة 4 كم جنوب غرب القدس وشمال بيت لحم، وتقدر مساحة أراضيها ب 3314 دونما، وتحيط بها المستوطنات من جميع الجهات، واستولت قوات الاحتلال على مئات الدونمات من أراضيها لصالح شق شوارع استيطانية، قطعت أوصالها، وعزلتها عن محيطها.
وللبلدة باع طويل مع الاستيطان لعل آخره الإعلان الذي ظهر في اللافتات التي علقتها بلدية الاحتلال حول نيتها مصادرة 150 دونما في بيت صفافا بمنطقة الطنطور وطبليا والجبل لصالح شوارع تخدم المستوطنات.
ورصد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في تقريره الأسبوعي، الأسبوع المنصرم، أبرز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، بحق بيت صفافا. وأفاد التقرير بأن بلدية الاحتلال في القدس، تقدمت بالتماس للمحكمة المحلية في المدينة، من أجل هدم مجمع إسلامي، في بلدة بيت صفافا، يضم مسجد الرحمن، القائم منذ أكثر من 100 عام.
كما وافقت لجنة التخطيط والبناء اللوائية في بلدية الاحتلال على إيداع خطة لبناء 1465 وحدة استيطانية بين جبل أبو غنيم وبيت صفافا، تسمى حي القناة السفلية، بينما تقرر إجراء مناقشة أخرى بشأن خطط بناء مجمع استيطاني جديد في التلة الفرنسية.
إلى ذلك، أقدمت بلدية الاحتلال الإسرائيلي، على تعليق لافتات عن نيتها مصادرة (150) دونما من بلدة بيت صفافا بالقدس.
وأفادت مصادر مقدسية، أن بلدية الاحتلال علقت لافتات حول مصارة 150 دونما في بلدة بيت صفافا بمنطقة الطنطور وطباليا والجبل لصالح شوارع تابعة لها.
ومن ضمن المكتوب على اللافتات، أنه يمكن الاعتراض على المشروع من السكان وأصحاب الأراضي لغاية تاريخ 3/20.
وفي جميع المراحل الاستيطانية؛ حاول أهالي البلدة التصدي لها من خلال الاحتجاجات الرافضة والمظاهرات والشجب والاستنكار وخيم الاعتصام وعبر وسائل الإعلام، كذلك عبر رفع الدعاوى القضائية في المحاكم الإسرائيلية الجائرة ولكن دون جدوى، حيث يوجد في البلدة اليوم نحو عشرة شوارع استيطانية.