يوم الخميس الماضي حل الزائر الأبيض ضيفاً على مدينة القدس، والقدس المحرومة من الفرح ولا تعرف سوى القمع والتنكيل من قبل الاحتلال، احتلال يرتكب "مجازر" حجر بحق منازلها.. يهدم يشرد يهجر ويمارس الطرد التطهير العرقي.. يمنع حتى الناس من الدخول إلى البلدة القديمة لغير حملة هوية سكان البلدة القديمة، كما ويّمنع دائرة الأوقاف الإسلامية من ترميم مصلى باب الرحمة، ولذلك غرق سجادة من خلال المياه المتدفقة إلى داخل مصلى باب الرحمة، المقدسيون مع قدوم الثلج عاشوا فرحة غامرة، لعبوا في الثلج مع أطفالهم الفرحين، ولكن هذا الفرح بالثلج لم يمنعهم من مهاجمة شرطة الاحتلال وحرس حدوده عندما حاولوا منعهم من اللعب في الثلج في أكثر من بلدة مقدسية، المقدسيون لم ينسوا مع قدوم الثلج وزيارته لها، التأكيد على طابع وهوية مدينتهم العروبية الإسلامية، من خلال رفع علم فلسطين على سور بلدتها القديمة، فهم يقولون للمحتل بأن هذه المدينة عربية ولن تتلقح بغير العربية، وهويتها رغم كل إجراءات ومظاهر وسياسات وعمليات التهويد والتطهير العرقي ستبقى عربية.
القدس في أكثر من منطقة وبلدة وبالذات في سلوان والبلدة القديمة، حيث المحتل يمنع السكان من الترميم والتصليح، ولا يعمل على إقامة بنية تحتية تمنع التسرب للمياه وانهيار الجدران والأسوار، لقاء المبالغ الطائلة التي يجبيها من السكان العرب، بما يعرف بضريبة "الأرنونا" المسقفات، ونتيجة لذلك تسرب الثلج والمياه الى داخل أكثر من منزل، وانهارت العديد من الجدران والأسوار الاستنادية، المحتل لا يمنعه لا ثلج ولا برد ولا يهمه تشريد العائلات المقدسية من منازلها، حيث قبل أسبوعين شرد 30 فرداً من عائلتي كرامة وقرش بعد هدم شقتيهما في بلدة الطور، بعد أن أفرغ محتويات البيتين وألقاهما في العراء واعتدى على سكانهما بوحشية وبعد ذلك أجبر الشقيقين محمود وداود شقيرات على هدم شقتيهما ذاتياً في جبل المكبر، وكذلك في نفس اليوم هدم شقتين لعائلة عايش عبيد في العيسوية وبعد ذلك بيوم أجبر المواطن أحمد الخالص على هدم بيته ذاتياً في بلدة سلوان، وكذلك جرى إغلاق بيت الشهيد فادي أبو شخيدم بالباطون في مخيم شعفاط، واليوم هدم بركساً ومحلاً تجارياً لعائلة حداد في بلدة عناتا بواسطة بلدوزرات الاحتلال. وسبق كل ذلك هدم لبيتي المواطن صالحية وشقيقته في منطقة الشيخ جراح، رغم أن قرار محكمة الاحتلال لم يأتِ على ذكر الهدم للمنزلين، بل الإخلاء بحق المواطن محمود صالحية، ولكن المحتل لديه مشاريعه ومخططاته التي يغلفها بالأكاذيب وعمليات الخداع والتضليل، وهدفها واحد طرد السكان وإحلال المستوطنين مكانهم… في النقب "اخترعوا" ما يعرف بـ"تحريش" الصحراء من أجل طرد عرب النقب ومحو وتدمير وجود 38 قرية عربية هناك والمعرفة بغير المعترف يها من قبل الاحتلال، ويرفض تقديم الخدمات الأساسية لها من كهرباء وماء وبنية تحتية، رغم أن وجودها سابق على وجود الاحتلال، عمليات تجريف تطال 55 ألف دونم من أراضي النقب، تحت حجة وذريعة أنها أراض دولة، مشروع تهويدي استيطاني بامتياز، يرحل أكثر من 30 ألف مواطن من سكان عرب النقب ويجمعهم في ما يعرف بأماكن ونقاط التركيز في النقب، يريدون السيطرة على 800000 دونم، وحشر أصحابها جميعاً في أقل من 5% من أرضهم.
قرية العراقيب جرى هدمها للمرة السابعة والتسعين بعد المائة منذ مطلع عام 2000، وكذلك قرية أم الحيران هدمت في عام 2017، والحبل على الجرار.
أما في القدس فعمليات الهدم كالتي جرت مع المواطن صالحية، فقد جرى تغليفها بذريعة أخرى، أنهم يريدون بناء مدارس وروضات لسكان المنطقة العرب، ولسان حال السكان يقول، كما يقول المأثور الشعبي "اللي بجرب المجرب عقله مخرب"، ألم يصادروا قطعة أرض في منطقة واد الجوز القريبة من المنطقة، وقالوا المصادرة من أجل إقامة مدرسة ثانوية للبنات، ولحل قضية عدم وجود مدارس ثانوية للبنات في القدس، وكانت النتيجة بعد مماطلة عدة سنوات بعد البناء، أنه جرى تحويل البناية مكاتب لوزارة داخلية الاحتلال.
جيل يقارع المحتل بكرات الثلج ولا يخشى جنوده ولا رجال شرطته، منذ هبات القدس الثلاث في نيسان من العام الماضي وما تبعها من معركة " سيف القدس"، في آيار من العام الماضي أيضاً، وهذا الجيل المتمرد، جيل ما بعد بعد أوسلو، الذي كان المحتل يراهن، على أنه من السهل "تطويعه" و"تذويبه" و" كي" و" تقزيم" و" تجريف" وعيه، ودمجه في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، وإخراجه من دائرة الفعل الوطني ومقاومة الاحتلال، هذا الجيل قال بوضوح، إنه لا ينتمي لزمن الهزائم ولا للقيادات المهزومة، فالقيادات المرتجفة لا تصنع لا نصراً ولا حرية، جيل يؤكد على تمسكه بثوابت شعبنا الوطنية، وعلى وحدة شعبنا الفلسطيني على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية.
هذا الجيل الذي كان حاضراً في هبات باب العامود والأقصى والشيخ جراح، والذي يقارع المحتل بشكل يومي، كما رأينا حتى في معركة "الثلج"، حيث شهدنا مواجهات واشتباكات بين هؤلاء الشبان وجيش وشرطة الاحتلال في البلدة القديمة والعيسوية وشعفاط والطور وسلوان وجبل المكبر ومفرق بيت صفافا، معركة خلفت أكثر من 54 معتقلاً، والعديد من الإصابات بالغاز المدمع والقنابل الصوتية والضرب المبرح.
ومن قبلها كان حضوره المتميز والفاعل في هبات البوابات الإلكترونية على بوابات المسجد الأقصى في تموز/2017، ومن بعدها مصلى باب الرحمة في تشرين أول 2018 وشباط /2019، وكل المعارك والهبات التي شهدتها مدينة القدس.
معارك القدس كثيرة ولا تتوقف، والمقدسي يجابه ويحارب ويقاتل على أكثر من جبهة، فالمحتل يريد أن يدخل الإنسان المقدسي في دوامة من الأزمات والمعارك المتوالية أو المتزامنة، يريد أن يكسر إرادته ويحطم معنوياته، وأن يجعله يفكر في همه الذاتي وخلاصه الفردي، بعيداً عن الهم العام والخلاص الجمعي.
رغم كل حالة الضعف والانكسار الفلسطيني، وتعمق الأزمات الداخلية، نتاج قيادة مغرقة في العجز، وتعيش على أوهام وعود أمريكية وأوروبية غربية، بالعودة إلى المسار السياسي والمفاوضات مع حكومة الاحتلال، رغم تأكيدات كل قادة دولة الاحتلال من الذين التقوا رئيس السلطة وقيادتها، والذين لم يلتقوه أمثال بينت وشاكيد وغيرهم، بأنه لن يكون هناك مفاوضات سياسية مع السلطة ولا حل دولتين، بل سلام اقتصادي، وما يحدثه ذلك من إحباط عند المواطن المقدسي، إلا أن الخلقة المقدسة، أثبتت من خلال توحدها وخوضها معارك الاشتباك الشعبي، أنها عصية على الكسر وتقاوم.