صورة ومكان
"الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام صاحب السنن، الإمام في عصره، والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره، رحل إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق"، بهذه الكلمات وصف الإمام شمس الدين الذهبي سيرة الإمام النسائي الذي عاش حياته خدمة لحديث الرسول محمد.
والنسائي، هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النَّسائي، وكنيته "أبو عبد الرحمن"، ولد العام 829م (215هـ)، في مدينة نسا، من بلاد خراسان قديما، وتقع بين إيران وأفغانستان حاليا.
بدأ طلب العلم منذ الصغر، سافر وتنقل بين بلدان كثيرة في سبيل الاستنارة والمعرفة، فرحل إلى خراسان والحجاز والعراق والشام، إلى أن استقر في مصر، حتى قال عنه أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ: "سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة، ويصفون اجتهاده في العبادة بالليل والنهار، ومواظبته على الحج والجهاد".
اشتهر بشدة تحريه في الحديث ووصفه الذهبي وابن حجر بالتشدُّد في قبول الرواة وتعديلهم، حتى سُئل "الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة (رواة الحديث)، فوثَّقه. فقلتُ (أي السائل): إن أبا عبد الرحمن النسائي ضَعّفَه، فقال: يا بُني، إنّ لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطا أشدّ من شرط البخاري ومسلم".
وترك الإمام النسائي مجموعة من الكتب، منها: السنن الكبرى، السنن الصغرى أو سنن النسائي الصغرى ويعرف كذلك بالمجتبى، خصائص أمير المؤمنين وهو كتاب تهذيب خصائص الإمام علي تهذيب خصائص الإمام علي، فضائل الصحابة، كتاب المناسك، الضعفاء والمتروكين، تسمية مشايخ النسائي الذين سمع منهم، ومعه: ذكر المدلسين، عشرة النساء، المنتقى من عمل اليوم والليلة، فضائل القرآن، كتاب الأغراب، كتاب العلم، كتاب النعوت والأسماء والصفات، الإمامة والجماعة، الجزء فيه معرفة من روى عنه الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن، كتاب الجمعة، كتاب الوفاة (وفاة النبي صلى الله عليه وسلم)، صحيح وضعيف سنن النسائي، من لم يرو عنه غير واحد.
وقال الإمام أبو عبد الله بن رشيد عن سنن النسائي: "كتاب النسائي أبدع الكتب المصنَّفة في السنن وأحسنها ترصيفاً، وكأنَّ كتابه بين جامع البخاري ومسلم مع حظ كثير من بيان العلل، وبالجملة فهو أقل الكتب بعد الصَّحيحين حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحا.
وبلغ عدد أحاديث السنن الصغرى 5774 حديثا، أمَا السنن الكبرى ما يقارب 10770 حديثا.
واختلف في مكان وزمان وفاته، فقيل: توفي بمكة سنة 303 هـ، وقيل: توفي بفلسطين سنة 302 هـ، وقال أبو سعيد بن يونس في هذا الشأن: خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاث مائة، وتوفي شهيدا بمدينة القدس، وذلك في يوم الاثنين 303ه، بينما روى الذهبي وابن خلكان والمقريزي وغيرهم، أن النسائي خرج من مصر إلى دمشق وهناك طلب منه أن يعدد فضائل معاوية، فلم يجد ما يقوله، وضربوه حتى أُخرج من الجامع، وحمل الرملة فمات شهيدا، وفي رواية أخرى إلى مكة فمات فيها.
وكان النسائي وثيق الصلة بالرملة الفلسطينية، فقد أخذ عن بعض شيوخها مثل عيسى بن محمد الرملي، وعيسى بن يونس الرملي.