الحدث الفلسطيني
قال المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، بيانا عقب فيه على إصدار الرئيس محمود عباس قرارا بقانون بشأن دعاوى الدولة يشتمل على 14 مادة.
وأكد مساواة، موقفه المبدئي الرافض لإصدار قرارات بقوانين أو قوانين من أعضاء المجلس التشريعي في غزة، المُستند إلى المعايير والقيم والمبادئ الدستورية، وأُسس ومتطلبات دولة القانون، والقائمة على إعمال مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون، ونزاهة واستقلال القضاء، والتي تحصر سلطة التشريع والرقابة في المجلس التشريعي المُنتخب.
وبشأن الديباجة، قال مساواة: لا نرى في استناد القرار بقانون للنظام الأساسي لمنظمة التحرير أكثر من مُبتغى سياسي وليس قانوني، وكان من الأجدى الاستناد إلى إعلان الاستقلال باعتباره وثيقة دستورية تُشكل مع القانون الأساسي الفلسطيني العقد الاجتماعي للسلطة الوطنية الفلسطينية، ولم تُبين الديباجة النص القانوني المُستندة إليه في القانون الأساسي المُعدل لسنة 2003 وتعديلاته.
وأكد، أن الديباجة خلت من الإشارة إلى الالتزام الدستوري الموجب لعرض القرار بقانون على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدوره، وعلى الرغم من أن عدم الإشارة إلى ذلك لا يشكل إعفاءً من واجب العرض إلاّ أنه يُنبئ بعدم توفر النية والإرادة السياسية لإجراء الانتخابات التشريعية والعامة كمتطلب دستوري وحق للمواطنين/ات.
وأشار، أن القرار بقانون استند إلى ما أسماه الإطلاع على رأي مجلس القضاء الأعلى الوارد لديوان الرئاسة بتاريخ 7/2/2022 (يوم صدور القرار بقانون)، يُشكل مخالفة صارخة لأحكام المادة 100 من القانون الأساسي الفلسطيني، والتي وفقاً لصريح نصها قَصَرت دور مجلس القضاء على إبداء الرأي في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون السلطة القضائية والنيابة العامة حصراً، وحظرت كغيرها من المبادئ الدستورية المعمول بها في سائر دول العالم تدخل السلطة القضائية في العملية التشريعية، وبالتالي فإن هذا الاستناد يُعد انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات ولجوهر نظام الحكم وللمبادئ الدستورية المُتعارف عليها في دولة القانون، ناهيك عن ما يحمله هذا الاستناد من اعتبار رأي مجلس القضاء الأعلى مصدراً من مصادر التشريع على خلاف البديهيات والأسس والمبادئ الدستورية، إلى جانب مناقضته للدور المُناط للسلطة القضائية والتي يجب أن لا تكون هي من يتولى التشريع ومن يتولى تطبيقه، إلى جانب ما يُنبئ عنه مثل هذا الاستناد من مؤشرات تجميع السلطات في يد جهة واحدة الأمر الذي ينسف القانون الأساسي وإعلان الاستقلال برمتهما.
ويرى مساواة، أن ما ورد في المادة الأولى من اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية دائرة من دوائر الدولة، مع دوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها كافة، تخضع لولاية المحاكم النظامية في السلطة، وفي هذا تجاوز خطير لمكانة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها شخص من أشخاص القانون الدولي العام والسلطة الفلسطينية تتبع لها وليس العكس، وتبقى متمتعة بهذه الصفة حتى نيل الاستقلال الوطني لفلسطين، عند ذلك فقط تحقق المنظمة غايتها ويُعمل بدستور دولة فلسطين المستقلة، سيما وأن أي شأن يتصل بمنظمة التحرير وفقاً لنظامها الأساسي يقع في صُلب اختصاص مؤسساتها، وفي هذه الحالة فإن المُختص بإصدار كل ما يتعلق بسياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها والتزاماتها وحقوقها هو المجلس الوطني الفلسطيني، وبالتالي فإن ما رد بالخصوص المذكور له مخاطر سياسية وقانونية كان من الأجدر عدم الوقوع فيها.
وأشار إلى أن إطلاق صفة التمثيل للنائب العام لكافة دوائر الدولة بما فيها المجلس التشريعي والسلطة القضائية ذاتها يتجاوز مبدأ الفصل بين السلطات ويؤدي إلى تشتيت الجُهد، إذ أن ما يُمثل السلطة القضائية في قراراتها الإدارية تجاه القضاة هو رئيس مجلس القضاء أو قاضٍ محكمة عليا يختاره المجلس، في حين من يُمثل السلطة القضائية في نزاع مالي ينشأ بين السلطة القضائية وقُضاتها هو النائب العام (وفقاً للقرار بقانون)، والمحكمة التي تنظر في كلا المنازعتين هي ذات المحكمة، الأمر الذي سيؤدي إلى تشتيت الجهود والتأثير على استقلالية القضاء وهيبته، وبالتالي فإن ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 2 يتجاوز مبدأ الفصل بين السلطات ويمس بصلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية.
واعتبر أن ما ورد في المادة الخامسة من القرار بقانون ينطوي على مساس خطير بأحكام القانون الأساسي وحقوق المواطنين/ات ويُشكل مخالفة صريحة للمادتين 10 و 32 من القانون الأساسي حيث حظر هذا النص على المواطنين/ات إقامة أية دعوى مدنية تتعلق بالتعويضات عن انتهاكات حقوق الإنسان والتي صانتها المادة 32 المذكورة والتي نصت على: "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حُرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر"، في حين أن نص المادة الخامسة من القرار بقانون حظر سماع المحاكم لأية دعوى (مدنية) ضد دوائر الدولة سواء كانت أصلية أو متقابلة إلاّ إذا كانت لغايات أوردها النص على سبيل الحصر ولم تتضمن دعاوى التعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان. خامساً: الإخلال بمبدأ المساواة بمخالفة صريحة لأحكام المادة 9 من القانون الأساسي وجوهر مبادئه الدستورية، والذي وُصف بِدُرّة الدساتير، وهذا التمييز وقع في المادة 5 و6 من القرار بقانون:أ. إذ اشترطت الفقرة الرابعة من المادة 5 على المواطن (المُدعي) الذي يُقيم دعوى منع المطالبة على دوائر الدولة أن يودع المبلغ المطالب به في صندوق المحكمة أو يقدم كفالة مصرفية أو عدلية، في حين أعفت المادة 6 دوائر الدولة من تقديم أية كفالة من أي نوع. ب. أعفت المادة 6 دوائر الدولة من سائر الرسوم ومصاريف الدعاوى التي تُقيمها ولم يرد ذلك الإعفاء للمواطنين/ات الذين يقيمون دعاوى ضد دوائر الدولة. ج. لم يُشر القرار بقانون إلى استحقاق المُدعي الذي يكسب دعواه في مواجهة دوائر الدولة لأتعاب محاماة، على الرغم من أن القانون الأردني رقم 25 لسنة 1958 الذي جاء هذا القرار بقانون لتعديله ضمن مثل هذا الحق ونص عليه صراحةً في المادة 10 منه، وبالتالي أسقط القرار بقانون حقاً من حقوق المتقاضين دون سند أو تبرير مشروع. د. المادة 8 من القرار بقانون نصت على للمحكمة بقرار منها أو بناء على طلب النيابة العامة النظر في دعاوى الدولة على صفة الاستعجال وحرمت المدعي أو المُدعى عليه في تلك الدعاوى من ذات الحق في طلب النظر فيها على صفة الاستعجال، وفي ذلك إخلال بمبدأ المساواة وضمانات المحاكمة العادلة وضمانات الوصول إلى العدالة.
وقال، إن ما نصت عليه المادة 7 من القرار بقانون من إلزام دوائر الدولة من بتزويد النائب العام أو من يُنيبه من أعضاء النيابة العامة بكل ما يلزم الدعوى من أوراق ومستندات وبيّنات ومعلومات فيه إرهاق وتشتيت للجهد وكان من الضرورة بمكان عدم إيراد كلمات "أو من يُنيبه من أعضاء النيابة العامة"، لأن دوائر الدولة تتعامل مع النائب العام وهو من عليه أن يُحيل الأوراق والمُستندات إلى من يُنيبه في متابعة الدعوى.
ولفت إلى أن ما ورد في المادة 13 من القرار بقانون من وقف نفاذ قانون دعاوى الحكومة رقم 25 لسنة 1958 وتعديلاته لا يقوم مقام الإلغاء أو التعديل بل ينصرف إلى تجميد العمل وهو ما يُناقض مبدأ التطبيق الزماني للتشريع.
وعليه وأمام هذه الثغرات والهنّات فإننا نرى بأن القرار بقانون فضلاً عن مخالفته للمبادئ الدستورية من حيث الاختصاص ومبررات الإصدار جاء منطوياً على عديد من الانتهاكات والمثالب التي تمس بحقوق الإنسان ومبادئ دولة القانون ما يوجب إلغاءه وعدم نشره.