الحدث الثقافي
الإنسان كإنسان، ليس بوسعه أن يكون أو يصير كذلك، وفق المعنى الخالص لدلالة سياق نوعي من هذا القبيل،سوى حين الإفلاح في مطابقة صورته الخارجية كما تتجلى للعيان مع حمولة جوهره الباطني، بحيث يبلور مواقفه وتصوراته ومبادئه ومشاعره وأحاسيسه، بالكيفية التي يريد،ومتى أراد،و بإرادة صادقة دون تمزق نفسي مفارق، ومواربة،وسوء الطَّوية، أو خذلان.
عندما يضيِّع الإنسان بوصلة مكامن حقيقته الأصيلة والمثلى تلك الجديرة به أولا و أخيرا؛ يتحول حينئذ إلى أيِّ شيء، سوى تمتعه حقا بنعت إنسان، فيغدو بالتالي مجرد نسخة مزورة، وهويَّة مخادِعة، يمارس في إطارها جرائم غير قابلة للوصف، باسم ادعائه أنه إنسان.
ضمن طليعة، أكثر البشر سموّا و تحضرا وتهذيبا وتنكرا لأمراض النفس، هؤلاء المتطلعون دوما نحو الابتعاد بكل السبل الممكنة، عن محرِّضات الشر القابعة ضمن خبايا كل واحد منا.هكذا، يكون الشخص شجاعا غاية اللانهائي بهزمه لذاته، وقويا تمام القوة بعدم استغلاله لحظات ضعف الآخرين، صانعا الأفضل فقط عندما تسلم البشرية من شروره ومساوئه.
في المقابل، يعتبر النموذج النقيض،أي الشخص الذي اكتسحته دون هوادة نزعة الاستذئاب الخبيثة، فأبان عن حقيقة مغايرة للمفترض، لاتبدو جلية للعيان، على الأقل من الناحية المظهرية؛ تتمثل في كونه فعلا ذئبا شرسا،لايرحم صغيرا ولا كبيرا، ولا شجرا أو حجرا؛تقمص بهتانا و زورا قناعا إنسانيا. يكشف هذا النموذج، على غرار باقي التصنيفات،عيِّنات حيوانية ووحوش تختلف وتتعدد إلى نماذج افتراسية، يتفاوت منسوب عدميتها القاتلة حسب قربها من مدى زخم الوازع الإنساني وكذا مسافات بعدها عنه.
بغض النظر، عن تحديد طبيعة مختلف ذلك، أعتقد بوجود صنف قائم الذات؛ ضمن هذه الزمرة السافلة، نظرا لجبنه ونذالته وحقارته وانحطاطه ووضاعته، أقصد هنا تحديدا، تجار المآسي البشرية. ضباع عفنة؛ تتنَفَّس نتانة وحقدا، تتحين كل صغيرة وكبيرة قصد الانقضاض وتحقيق مكتسبات دنيئة بما يكفي، في نهاية المطاف مهما توهموها انتصارا.
أوغاد وصعاليك، في غاية السادية والخِسَّة والحقارة والدناءة والجبن، يعيشون تلذذا بموت الآخرين. أرطال لحمية مشحونة بالخراء واللامعنى،وحوش سعيدة بتعميمهم الشقاء، يمدِّدون أرجلهم مرحا فوق المتعبين شقاء واستنزافا. يرتاحون بالتمام والكمال،كلما ترسخ أكثر فأكثر الجحيم لدى باقي غيرهم من البشر.
نصادف صيارفة المآسي، قابعين دون تردد بخبث ودناءة على امتداد جل الأمكنة،عبر مختلف الأزمنة،قياسا لمختلف المراتب والطبقات المجتمعية،يتحينون فرصا جبانة،ليست مشروعة بتاتا،كي يحققوا مآرب غرائزهم البدائية،يصلون إليها بتطاولهم الهمجي على حق باقي الناس في نعيم حياة مشتركة،وفق أسمى قيمتين بناءتين على امتداد تاريخ الحضارات :الحق والواجب.
تتوطد آفاق منظومات مرتزقة الضعف البشري،بكيفية عكسية،مع توخي العالم انتشال وضعيته من متواليات السلبي،بحيث تتماهى في المقابل،مع تدابير جرائم الاختلاس، السرقة، القتل، الابتزاز، القهر، الاستغلال، الإذلال، الترويض، الاستعباد،الاستبعاد، الاحتقار، التركيع، إلخ، أي شتى متواليات الجرائم المعنوية والمادية ذات الأعراض والمناحي العدمية التي يقترفها بكل عنجهية عُصَابية، إنسان في حق أخيه الإنسان.
فصائل غير بشرية حسب كل القواميس،منبعثة على امتداد خط الموت والرعب والترهيب، وقد قوضت كل النظريات والأفكار لصالح ترسيخ معالم الأدغال والبراري المتوحشة والفيافي، والتلويح بشتى عوالم غياهب الظلمات الهمجية؛حيث الإنسان ذئب لأخيه الإنسان،وقدر سيئ لأخيه الإنسان،وجحيم لايطاق لأخيه الإنسان.
إنهم المستذئبون خلف أقنعة آدمية باهتة،يشتد نشاطهم،تمتد أعمارهم،حين ازدهار ويلات الحروب،الأوبئة، المجاعات،الكوارث، شدة الكرب العظيم.عندما يكتم الموت أنفاس نداء الحياة،كما الشأن مع سياقنا الراهن،وقد تراجعت للأسف بكيفية خطيرة يدركها الطفل والمعتوه؛قبل الرجل العاقل،ينابيع الحياة لصالح فؤوس الموت والتدمير و اجتثاث كنه الجوهر الإنساني.هكذا،يرسخ منتعشو الفناء وبالإفناء،هامش وجودهم ضمن روافد تبعا لممكنات تتعارض جملة وتفصيلا مع وجهة تكريم الإنسان.
هؤلاء الحثالة،عبارة عن شرذمة أنذال انبثقوا من رحم هزائم التاريخ البنيوية،تبعا لتحولات جينية ممسوخة تجسيدا عن تعبيرات زمن موحش بلا ضفاف ولا مرافئ،يتصيدون ضعف الآخرين في كل مكان دون سأم يذكر أو مجرد وخز للضمير،وليس بوسعهم قط أن يكونوا في حيز زمكاني سوى سياق الغنيمة،لايعرفون من معاني الحياة غير تعديمها وانعدامها،لايتعبون قط بغاية ملاحقة كل شيء،الأحلام فالأقوات.