الحدث العربي والدولي
نشر معهد واشنطن مقالا لعومير كرمي تحت عنوان "خامنئي يخرج عن صمته بشأن المفاوضات النووية" وجاء فيه:
بعد شهور من تجنب التطرق العلني إلى القضية، ذكّر المرشد الأعلى المفاوضين الإيرانيين بضرورة التقيّد بإرشاداته ولكنه لم يدعم مجريات الأمور في فيينا أو يرفضها صراحةً.
في السابع عشر من شباط/فبراير، وسط تقارير مفادها أن المحادثات النووية الإيرانية تقترب من مرحلتها النهائية، ناقش المرشد الأعلى علي خامنئي القضية علناً للمرة الأولى منذ عدة أشهر. وكانت آخر مرة تناول فيها الموضوع بشكل معمق في تموز/يوليو 2021، عندما انتقد نهج الرئيس السابق حسن روحاني إزاء المفاوضات. وبعد ذلك، اكتفى فقط بإشارات رمزية أو ضمنية للقضية في آب/أغسطس وكانون الثاني/يناير. وكان الاتجاه نفسه المتمثل في عدم منح الأولوية للمحادثات علناً واضحاً في خطاب مسؤولين رئيسيين آخرين في النظام، بمن فيهم الرئيس ابراهيم رئيسي.
وجاءت التعليقات التي أدلى بها خامنئي في السابع عشر من شباط/فبراير في ذكرى الانتفاضة التي اندلعت في مدينة تبريز ضد الشاه عام 1978، وهي مناسبة غالباً ما يستغلها خامنئي للتعليق على الشؤون الخارجية والداخلية. ففي العام الماضي، كان خطابه في هذه المناسبة جزءاً من سلسلة الخطب التي هدفت إلى تحديد استراتيجية التفاوض اللاحقة التي سيعتمدها النظام. وإذ قال إن الولايات المتحدة وشركاءها قدموا لإيران الكثير من "الكلام المعسول والوعود" ليعودوا وينقضوها لاحقاً، فقد طالب باتخاذ إجراءات عملية في إطار أي عودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» المبرمة عام 2015.
وقبل عرض وجهات نظره حول الموضوع النووي، استهل خطابه هذا العام بالحديث عن كيفية الحفاظ على الثورة الإسلامية مع مرور الوقت. وأوضح خامنئي أن هذا الهدف يستلزم مجموعة محددة من المتطلبات والأدوات، مؤكداً على أهمية توخي الحذر فيما يتعلق بالاتجاهات والاحتياجات المستقبلية. ومن وجهة نظره، فإن إهمال توقع هذه الاحتياجات قد يخلق مشاكل في المستقبل، وقد دعم حجته هذه بأمثلة من مجالات مختلفة. على سبيل المثال، يُعتبر تدريب العلماء والباحثين أساسياً لضمان امتلاك إيران مجتمعاً علمياً راسخاً في غضون خمسة عشر إلى عشرين عاماً. كما أشار إلى ضرورة زيادة معدلات الخصوبة في خلال الفترة نفسها، وإلا لن تضم البلاد في النهاية شريحة كبيرة من السكان الشباب.
بعد ذلك، انتقل خامنئي إلى الحديث عن الملف النووي، مؤكداً أن العالم أصبح أكثر اعتماداً على الطاقة النووية، وأن إيران ستكون أيضاً "بحاجة إلى الطاقة النووية السلمية عاجلاً أم آجلاً". وأضاف أنه إذا لم تفكر إيران بهذه المشكلة اليوم، "فغداً سيكون قد فات الأوان، وما باليد حيلة". ولفت خامنئي إلى أن "العدو" يتصرف بطريقة قمعية لأنه يسعى إلى خلق صعوبات مستقبلية أمام الجمهورية الإسلامية عندما يحين الوقت لاعتمادها على الطاقة النووية. كما اتهم العدو بتقديم "ادعاءات تافهة حول مدى اقتراب إيران من صنع قنبلة"، مع الإصرار مرة أخرى على أن نية البرنامج سلمية.
وبعد ذلك أرسل خامنئي رسالة ضمنية إلى المفاوضين الإيرانيين حول التزام اليقظة والاستمرار في مراعاة إرشاداته، مكرراً إدانته لكيفية التعامل مع الأمر في عاميْ 2015 و 2016: "تمحور انتقادي حول ضرورة مراجعة بعض النقاط في «خطة العمل الشاملة المشتركة» لكي لا تنشأ مشاكل في المستقبل. فبعض هذه النقاط لم يتمّ احترامها، وبرزت مشاكل لاحقاً، كما يرى الجميع الآن". وأثنت فقرة أخرى على "الإخوة الصالحين والثوريين في مجال الدبلوماسية، الذين يعملون على رفع العقوبات وإقناع الطرف الآخر بالقيام بذلك". ومع ذلك، ذكرهم المرشد الأعلى أيضاً بأنه من الأهمية بمكان التغلب على العقوبات من خلال "الإنتاج المحلي والديناميكية الاقتصادية واستخدام الاقتصاد القائم على المعرفة" - وهي شعاراته المعتادة لزيادة اعتماد البلاد على الذات.
وفي خطابه كرّر خامنئي الحجة التي لطالما استخدمها بأن الإيرانيين الذين يفضلون الخضوع لـ"الغطرسة العالمية" - كما يمثلها الجانب الأمريكي في المفاوضات - لا يحترمون أهداف الثورة. وبرأيه، أن العدو يسعى لإحداث شروخات بين الشعب ومؤسسات الحكم من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية والقيام بحملة دعائية إعلامية مضللة حول مؤسسات النظام، بما في ذلك "المجلس"، و"مجلس صيانة الدستور" و «الحرس الثوري الإسلامي» وشخصيات بارزة مثل قائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني. وكانت النقطة الأخيرة التي أثارها خامنئي بمثابة إشارة ضمنية إلى شريط تم تسريبه مؤخراً يناقش قضايا الفساد في «الحرس الثوري» ذُكر فيه اسم سليماني على وجه التحديد. ولمواجهة هذه الأكاذيب والخداع، حث الشباب الإيراني على "رصد تحركات العدو والتصرف بشكل معاكس"، ثم كرر الدعوة للتصدي لـ"القوى المتغطرسة".
ويقيناً، لم يحمل خطاب خامنئي أي شيء جديد، كما لم يقدم اي توجيهات ملموسة أو يرسم خطوطاً حمراء أمام مفاوضيه في الملف النووي. ومع ذلك، فمن خلال إثارة القضية الآن بعد شهور من الصمت، فقد يحاول إرسال إشارة ضمنية وأكثر دقة إلى فريق فيينا - ولا سيما كبير المفاوضين علي باقري قاآني - بدلاً من مجرد تكرار مطالبه المفرطة الطموح علناً. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، غرّد الأمين العام لـ "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني علي شمخاني، بأن مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الباقري أكدت أن المفاوضين الإيرانيين يواجهون صعوبة متزايدة في تطبيق "التعليمات المنطقية والقانونية من طهران". وعلى مدى أشهر، حافظت إيران على خط صارم يقوم على الإصرار على ضرورة أن ترفع واشنطن جميع العقوبات، والتحقق من إزالتها وتقديم ضمانات مستقبلية قبل أن تستأنف طهران التزامها بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». وكرر وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان هذا الخط في السادس عشر من شباط/فبراير في مقابلة أجراها مع "الفاينانشال تايمز".
ومن هذا المنطلق، ربما سعى خامنئي إلى تذكير مفاوضيه بنوع الاتفاق الذي يتوقع منهم إبرامه - وبشكل خاص اتفاق يمنع إيران من تكرار ما حدث بعد عام 2015 - ولكن دون إنهاك الديناميكيات الدقيقة في فيينا بخطبة مسهبة مغالى فيها أخرى. كما قد يساعده تجنب إرسال إشارة صريحة على عدم جذب اهتمام محلي كبير بالاتفاق النووي، لأن إثارة توقعات الشعب بشأن العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» قد لا يصب في مصلحته في الوقت الحالي.