السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المرضى والإداريون ملفان لقضية واحدة| بقلم: عصام بكر

2022-02-22 10:09:46 AM
المرضى والإداريون ملفان لقضية واحدة| بقلم: عصام بكر
عصام بكر

مرة أخرى تعود للواجهة قضية الأسرى وتتصدر المشهد المحلي وهي التي لم تغب وإن شهدت من فترة لأخرى مدا وجزرا تبعا للتطورات داخل السجون وانعكاساتها على مجمل الأوضاع الحياتية، فإلى جانب ما يجري في الشيخ جراح في القدس المحتلة الذي يضيف للمشهد عنصرا آخر قابلا للانفجار في كل لحظة مع تصاعد حدة التوتر على ضوء الإجراءات الاحتلالية الهادفة لتطهير الحي عرقيا ضمن مخطط تهويد المدينة وإفراغها من سكانها في إطار مسلسل فرض الأمر الواقع فيها إلا أننا نتناول هنا قضية الأسرى ومعاناتهم المتفاقمة يوميا جراء اعتداءات إدارات السجون والإجراءات الانتقامية الحاقدة بحقهم.

قضية الأسرى التي تتنوع فيها شرائح وفئات هؤلاء القابضين على الجمر لا بد من تسليط الضوء على ما يعيشه المرضى منهم  من معاناة حوالي 1700 أسير وأسيرة من المرضى منهم حوالي 600 أسير يحتاجون للعلاج الطبي بشكل متواصل تنهش أجسادهم  الأمراض، وتتواصل سياسية الإهمال الطبي "المتعمد" من قبل إدارات السجون التي لا تفي بالحد الأدنى من الالتزامات التي تقع عليها وفقا لما نصت عليه وكفلته الاتفاقيات والمواثيق الدولية بضمنها اتفاقيات جنيف للعام 49 ومن بين الأسرى المرضى تم تشخيص حوالي 43 أسيرا مصابا بالسرطان ويعانون أوضاعا خطيرة (شريحة المرضى) صاحبة الصراع المرير من المعاناة لا يتم تقديم العلاج الطبي لهم إلا الوصفة السحرية التي تخصص لكل الأمراض وفي كل وقت وهي "الأكامول" المسكن الساحر (الحل لكل مرض) في أحسن الأحوال بمعنى آخر هذا وجه آخر للجريمة المرتكبة بإمعان وهي عدم تقديم العلاج الطبي للأسرى المرضى وهو ما يمثل مخالفة جسيمة للأعراف والمواثيق الدولية حوالي 74 أسيرا ارتقوا شهداء جراء هذه السياسة بسبب عدم تلقي العلاج أو اكتشاف المرض في وقت متأخر من بين 228 أسيرا شهيدا منذ العام 1967 ولم يتم إلى الآن فتح تحقيق دولي جاد في ظروف وملابسات ما جرى وبقيت ملفات استشهادهم في الأدراج دون تحريك ساكن. 

الأسير ناصر أبو حميد 49 عاما من مخيم الأمعري القريب من رام الله المحكوم بالسجن المؤبد 7 مرات وخمسين عاما هو اليوم أحد ضحايا هذه السياسة الإهمال الطبي المتعمد أخذت قضية إصابته بالسرطان وتردي وضعه الصحي منحى مغايرا بسبب توفر عدة عوامل اجتمعت معا باتت قضيته عنوانا هاما لنقل معاناة المرضى الذين يتوزعون على عدة سجون من بينها ما يعرف بمشفى سجن الرملة الذي لا يصلح للحد الأدنى من مقومات كونه مشفى بل يسميه الأسرى "بالمسلخ" نظرا لافتقاده لأدنى المقومات إضافة للمعاملة القاسية التي يعاني منها المرضى فيه، وهم من الأمراض المزمنة أو من فقدوا أطرافهم بفعل الإصابة بالرصاص أو الذين أصيبوا بالشلل، والأمراض الأخرى، فتح ملف الأسرى المرضى هو من الأهمية بمكان والأسير أبو حميد اليوم يمثل شكلا صارخا لمعاناتهم وما يقاسون في أقبية الاحتلال من قهر ومعاناة .

القضية الأخرى التي تمثل عنوانا بارزا اليوم لملف الأسرى هي قضية الاعتقال الإداري ومقاطعة محاكم الاحتلال هذه الخطوة التي اتخذت رفضا لواقع المعاناة التي يعيشونها وبمشاركة نحو 500 معتقل مقاطعة شارفت على الدخول للشهر الثالث على التوالي باتت هي الأخرى اليوم بما تمثل إحدى ركائز العمل النضالي والمطلبي للحركة الأسيرة التي تعكس تحديا لإجراءات الاحتلال وخطوة غاية في الأهمية لرفض الظلم الواقع عليهم حيث المعتقل الإداري يقضي حكما يجري تمديده دون سقف زمني قد يمتد لسنوات دون معرفة سبب اعتقاله ولا التهمة التي وجهت إليه، ولا يعرف تاريخ انتهاء اعتقاله وفي مقال سابق تم تناول هذه القضية بعنوان (مؤبد بالتقسيط).

قضية الأسرى المرضى والإداريون تطرق اليوم جدران الوجدان والضمير بقوة باعتبارها قضية إنسانية وطنية أخلاقية من الدرجة الأولى لا يمكن ولا يجوز لأي إطار أو جهة أو مؤسسة التغافل عن أهمية توفير كل الإسناد لها وتفعيل ركائز ومفاعيل العمل المنظم لها ضمن دوائر تتسع حلقاتها تباعا وفق خطة شاملة ينخرط فيها الكل الوطني وعلى كل الأصعدة الشعبية والقانونية والإعلامية والسياسية نظرا لتفاقم الأوضاع في كل السجون والخطوات النضالية التي شرعت بها الحركة الأسيرة وأصدرت عدة بيانات خلال الأيام الأخيرة من ضمن خطواتها إغلاق الأقسام بعد حل اللجان التنظيمية وعدم الخروج "للفورة" والعدد، والتجمع في الساحات والتوقف عن النمط اليومي المتعارف عليه للحياة الاعتقالية على أكثر من مستوى، وهي خطوات تنذر بقرب الوصول لإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام  في حال استمرار إغلاق أبواب الحوار من قبل إدارة السجون، وضربها بعرض الحائط للمطالب المشروعة للحركة الأسيرة في إحدى أهم المحطات الهامة التي تجمع عليها مختلف ألوان الطيف السياسي في السجون خلال السنوات الماضية دفاعا عن كرامتها وحقوقها، واستعادة الحركة الأسيرة دورها الطليعي في مواجهة محاولات "الترويض والتدجين" أي أنها تثبت مرة أخرى ومن جديد أنها قادرة على صناعة الفعل، واجتراح النموذج وهي رأس الحربة في مواجهة السجان كما توصف دائما أي أنها أيضا تملك الإرادة والمبادرة بما يمكنها ليس فقط من مواجهة إجراءات الاحتلال إنما أيضا حماية الحقوق والمنجزات التي حققتها بالدم والأمعاء الخاوية طوال عقود الرسالة التي ترسلها اليوم مفادها لا عودة للوراء وإن عدتم عدنا.

ملفان لقضية واحدة الأسرى المرضى والإداريون لا يمكن الفصل بأي حال من الأحوال أو التقليل من حجم وخطورة وضع الأسرى والأسيرات بشكل عام فالأسرى الأطفال، والأسيرات، وقدامى الأسرى، وأسرى العزل الانفرادي، والمؤبدات كلهم انعكاس لمعاناة واحدة القضية قضية الأسرى التي لا يمكن الفصل بينها حيث يجمعها كلها سجان واحد، ذات القيد والهم، ولا تقبل التجزئة أو الانقسام وهي تلتقي عند نقطة الألم الواحد، وتتطلب العمل هذه المرة بشكل مختلف سواء للمرضى أو الإداريين العنوان لم يعد تحسين شروط الحياة الاعتقالية ولا حتى تقديم العلاج الطبي على أهمية ذلك بطبيعة الحال ولا يمكن التنازل عنها إلا أن المطلب الملح هو بارتقاء الأداء سياسيا وشعبيا على مستوى الإقليم والعالم يتمثل بمطلب واحد إغلاق ملف الاعتقال الإداري نهائيا مستذكرين الإضرابات الفردية والجماعية التي خاضها الأسرى رفضا للواقع الجائر الذي مورس بحقهم، وأيضا المطلوب بموازاة ذلك وبما يعزز تقاطع هذه الخطوات وبالانسجام معها أيضا إغلاق ملف الأسرى المرضى بتأمين الإفراج عنهم جميعا دون قيد أو شرط  وإلى أن يتم ذلك فإن الخطوات المطلوبة هي تمكين لجنة طبية متخصصة من منظمة الصحة العالمية وبإشراف الأمم المتحدة، والصليب الأحمر الدولي من زيارة السجون والوقوف على ما يجري فيها ومتابعة الحالات المرضية، وإصدار تقرير رسمي متضمنا النتائج بصورة مهنية ومحايدة وموضوعية ونشر التقرير على الملأ .

ملف الأسرى بعد إصدار تقرير منظمة العفو الدولية "امنستي" مؤخرا بات يتطلب العمل بصورة مغايرة أسوة بملفات الاستيطان الاستعماري والتطهير العرقي بإرادة سياسية فاعلة من الجميع للعمل ليس فقط بالاستناد للتقرير من أجل فضح جرائم الاحتلال وحشد المناصرة والتأييد الدولي فقط، وإنما تجاه ملف الأسيرات والأسرى أيضا باعتبار هذه الملف إحدى صور المعاناة وجرائم الحرب التي اقترفت وما تزال بحق الشعب الفلسطيني تحت سمع وبصر العالم وعنوان ماثل أمام الجميع آن الأوان أن يتوقف باستخدام الأداة القانونية والمساءلة الدولية من أجل معاقبة قوة الاحتلال على جرائمها انتصارا للعدالة الدولية والإنسانية ومن منطلق مبادئ قوة الشرعية الدولية والأمم المتحدة (حفظ الأمن والسلم الدوليين).

ومن غير الواقعي والمقبول استمرار مطالبة العالم بالانتصار لقضايا شعبنا بينما نحن منشغلون في قضايا من شأنها إبعادنا أو تأخيرنا عن الهدف الأساس وهو إنهاء الاحتلال عن الأرض الفلسطينية من هذا الباب فإن ثقل الحراك برمته تقريبا ملقى على عاتقنا نحن وليس أي أحد سوانا وعلينا، ونملك القدرة إذا أردنا لتفعيل كل الأدوات للعمل الشعبي نصرة للأسيرات والاسرى لأن قضية الانسان لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع قضية المكان عندها تكون صرخة الشيخ جراح وحي البستان قد وصلت لاروقة صنع القرار العالمي في أرجاء الكون، والتقت لترسم لوحة لطالما ابدع الشعب الفلسطيني في نسج خيوطها على مدار العقود صورة الإنسان "الأسير" والمكان القدس لأنها حكاية شعب لا يغفل عن قضاياه يتجدد  دوما لا يموت فالبلاد حبلى والميلاد قريب .