الحدث الثقافي- إصدارات
يكشف الكتاب الذي أصدرته دار ترياق (الرياض) تحت عنوان "السيرة غير المعروفة لميلان كونديرا" كثيراً من المسكوت عنه في حياة الكاتب الإشكالي الأشهر عالمياً. وضم الكتاب سلسلة من التحقيقات الاستقصائية كتبتها آريان شومان محرر صحيفة "لوموند" الفرنسية "حول حياة كونديرا في تشيكيا، وترجمتها الشاعرة التونسية وئام غداس. وأول ما تلاحظه المقدمة التي حملت توقيع إقبال عبيد وعلي زين، أن الكاتب الذي قاوم الخلط بين الأدب والسياسة، معتبراً أن "الروايات يجب أن تكون مستقلة"، هو ذاته الذي ألهمته خبرة العيش في نظام شمولي، كثيراً من موضوعات رواياته، وظلت خبراته ضرورية بالنسبة إلى بعض قصصه كما يقول.
تؤكد المقدمة بوضوح أن كتابات صاحب "لمزحة" أنتجت ما يمكن تسميته بـ"الخيال التاريخي"، وظلت تقرأ كمادة خصبة وفاعلة حول تجربته، وفي الوقت نفسه أضاءت المشهد الروحي المعقد الذي تسكنه شخصياته. حدث هذا، على الرغم من أنه قاوم طويلاً نظرات القراء إليه دوماً كـ "كاتب منشق"، وزاد اختفاؤه وإصراره على تفادي الظهور الإعلامي من شعور القراء بـ "الشغف" تجاه إنتاجه.
في مقابل القراءات "الاستعمالية" لأدبه، طور كونديرا أساليب سردية مبتكرة، سمحت له بكتابة فقرات قصيرة، تفيض بكثافة شعرية استثنائية، واستطاع دمج تعليقات وتأملات فلسفية داخلها كشفت عن ثقافة رفيعة، منحت كتاباته سمة تأملية، يفتقر إليها كثير من النصوص المعاصرة.
وتلح مقدمة الكتاب على تأكيد قدرات الكاتب التشيكي، في دمج الفلسفة والأحلام والتاريخ والموسيقى والرومانسية في سبيكة سردية استثنائية، قابلة لأن تقرأ بمرونة. فبفضل قدراته الخلاقة على إثارة اهتمام القراء، ونجاحه في استعمال الإروتيكية الصريحة، كحالة تعبيرية إنسانية، حققت أعماله شعبية واسعة وترجمت إلى أغلب لغات العالم. وتفيض مواقع التواصل الإجتماعي بـ"اقتباسات" كثيرة من رواياته، و يأمل عشاق أدبه في كل عام أن يحظى بجائزة نوبل للآداب قبل أن يغادرنا إلى العالم الآخر.
تمكن الصحافي في "لوموند" صاحب الكتاب، من الاطلاع على أرشيف كونديرا الذي بلغ حوالى 2374 صفحة مثقوبة ومختومة بطابع "سري للغاية"، وقد تم حفظها في معهد دراسات الأنظمة الشمولية. وضمّن كتابه نصوصاً من التقارير الأمنية التي كتبت حول نشاطه في براغ.
اعتمد الأرشيف على تفريغ كل مكالماته ومكالمات زوجته وشهادات كثيرين من الوشاة، معظمهم كانوا من الأدباء الذين بدوا على استعداد للتعاون مع الشرطة. وظلت حياته تسير في شبكة من التعقيدات إلى أن تمكن ناشر "غاليمار" من الوصول إليه والتعاقد معه على نشر "فالس الوداع ". وبعد نشر الكتاب بقليل، أدركت السلطات أنه عبر متابعة نشاطه، يبحث عن فرصة للعيش في المنفى. فقامت الشرطة في تسهل مهمته التي بدأها في عام 1975، ومنذ ذاك الحين أصبح كونديرا محاطاً بكل أسباب الشهرة والنجاح، و لمع اسمه كما يليق بصانع "موضة" في بلاد تعشق هذا النمط من المتمردين.