خاص الحدث
تواصل شركة قدرة خططها للتوسع في مشاريع الطاقة الشمسية وفق رؤية مؤسسي الشركة، حيث يسعى كل من بنك فلسطين والشركة العربية الفلسطينية للاستثمار (أيبك)، من خلال تأسيس شركة قدرة قبل أكثر من عام، إلى توفير حزمة من مشاريع الطاقة البديلة تعتمد على أحدث التقنيات والحلول، وعلى الكفاءات والخبرات الفنية، بحيث تضمن تمكين فلسطين من الحصول على طاقة مستقرة بأسعار تنافسية وزهيدة، ومواجهة أزمة الكهرباء المستمرة.
ومنذ أكثر من خمس سنوات، كانت شركة نابكو لصناعة الألمنيوم والبروفيلات إحدى شركات مجموعة أيبك، قد قدمت إلى الحكومة الفلسطينية مقترحات لمشاريع طاقة شمسية، من شأنها الارتقاء بواقع هذا القطاع، وبما يتماشى مع خطة الحكومة للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال. وبعد تأسيسها، قدمت شركة قدرة عدة مقترحات لتنفيذ مشاريع في عديد المحافظات ذات الاحتياج العاجل، إلا أن هذه المشاريع ما تزال تراوح مكانها، بحسب رئيس مجلس إدارة الشركة المهندس عنان عنبتاوي، والذي قابلته صحيفة الحدث الفلسطيني للاطلاع على آخر التطورات في ملف الطاقة الشمسية.
يجمل المهندس عنبتاوي في هذه المقابلة، المعيقات التي تواجهها الشركة، وواقع تعامل الحكومة مع مشاريع الطاقة الشمسية، بعض التفاصيل صادمة، وأخرى تحتوي على مفارقات غريبة، لكنها في المحصلة تعطي نتيجة واحدة؛ إعاقة تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة.
يكشف المهندس عنبتاوي أن الشركات المطورة لمشاريع الطاقة الشمسية تواجه معيقات عديدة تبطئ سير المشاريع وقد توقف تنفيذها، ما يعرقل الهدف العام الذي كانت الحكومة أعلنته عبر العديد من القوانين وكررت تأكيدها في تصريحاتها حول تشجيع مشاريع الطاقة المتجددة، كما دعت القطاع الخاص للاستثمار في الطاقة البديلة للمساهمة في تقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة. ويؤكد عنبتاوي "نحن سارعنا للاستثمار في هذا القطاع لإيماننا بامتلاكنا الإمكانيات الفنية والمادية والخبرة لوضع الحلول حتى نساهم في مواجهة أزمة الكهرباء، وكنا نتطلع إلى العمل بشراكة متكاملة مع الحكومة ومع كافة الأطراف، إلا أننا نواجه عقبة تلو الأخرى تجعل الواقع مخالفاً لما جاء به القانون وما نسمعه في تصريحات".
ويبين عنبتاوي أن واحدة من أهم هذه الإشكاليات هي التوصل إلى اتفاقية قانونية عادلة تكفل حقوق جميع الأطراف وتوضح التزاماتهم بناء على ما نص عليه القانون الفلسطيني الخاص بمشاريع الطاقة المتجددة، وحسب القانون فإن المشاريع التي تزيد قدرتها عن 1 ميغاواط تتطلب توقيع الاتفاقية مع الشركة الفلسطينية لنقل الكهرباء، وهي شركة حكومية. كما تشمل الاتفاقية حسب القانون المتعلق بمشاريع الطاقة المتجددة، بند الكفالة السيادية الذي تتعهد به الحكومة لضمان حقوق المطور في حال تعثر السداد من الجهة المستفيدة، إلا أن شركة قدرة تواجه في هذا الجانب رفضاً من قبل شركة النقل لتوقيع الاتفاقية بحجة أن الكفالة السيادية لا تقع ضمن صلاحياتها. مشيراً إلى أن هذا الأمر يتكرر مع شركات مطورة أخرى.
وحسب ما أكده عنبتاوي، فإنه عند التعامل مع الحكومة لتنفيذ مشاريع طاقة شمسية بقدرات كبيرة، فإن الشركة تواجه الكثير من العراقيل وإعاقة تنفيذ المشاريع، لذا لم تتجاوز القدرة الإجمالية للمشاريع التي استطاعت شركة قدرة تنفيذها الـ 20 ميغاواط، والتي ليس للحكومة أي ارتباط بها بسبب رفض شركة النقل توقيع الاتفاقيات وذلك بشكل مخالف لما ورد في القانون، حيث تمكنت شركة قدرة من تنفيذ هذه المشاريع بتوقيع اتفاقيات مباشرة مع الموزعين، ما يشكل مخاطرة كبيرة بسبب عدم وجود ضمانة للسداد، ومما يعني أن محصلة المشاريع التي وقعتها شركة قدرة مع الحكومة إلى الآن هي صفر، وذلك على الرغم من تعهد الحكومة بحل أي إشكاليات حتى التوصل إلى توقيع اتفاقية تضمن الحقوق والمسؤوليات وتكون الحكومة طرفاً فيها وفق القانون.
ويلفت المهندس عنبتاوي إلى أن اهتمام الشركة بالاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، يأتي في صالح الحكومة، حيث يساهم ذلك في التخفيف من أعباء ديون الكهرباء على خزينة الحكومة وما يتم اقتطاعه للجانب الإسرائيلي مقابل هذه الديون، والأمر ذاته ينطبق على البلديات والهيئات المحلية، والتي ستتمكن من تقليل فاتورة الكهرباء المرتفعة وسد احتياجات المواطنين من الطاقة، فمصادر الطاقة الشمسية تلبي الاحتياجات طيلة ساعات النهار وبأسعار زهيدة، مما يخفف كذلك من تكاليف الكهرباء على كاهل المستهلك.
يشير م. عنبتاوي إلى أن نقاط الخلاف الرئيسية مع الحكومة تتمحور حول وجوب شمول الاتفاقات على الكفالة السيادية المقرّة بالقانون، والحماية من تغيّر القوانين المتعلقة بالطاقة، والمسألة الثالثة ذات علاقة بتحديد قيمة محطة الطاقة الشمسية في حال بيعها، وأيضا تحمل مسؤولية مالية عن الانقطاع في التوريد من المحطة لأسباب تتعلق بالمشتري لا البائع بما يشكل إخلالا بالاتفاق.
ويتساءل فيما إذا كانت الحكومة تريد أن تنأى بنفسها عن أي دور في مشاريع طاقة شمسية، وتدفع بشركات الطاقة الشمسية لتواجه تعقيدات الاتفاقيات مع الهيئات المحلية والبلديات دون ضمان للحقوق. وبخصوص المشاريع الأخرى التي تمكنت الشركة من تنفيذها، يوضح م. عنبتاوي أن الشركة اضطرت لاتخاذ حلول بديلة لتجاوز هذه المعضلة، وذلك بالتوجه إلى الدخول في علاقات تجارية مع شركات قطاع خاص (شركات توزيع الكهرباء) والتي بدورها تقوم ببيع الطاقة المنتجة إلى البلديات، والدافع من وراء هذا الإجراء البديل هو عدم توفر ضمانات حكومية ولا قوانين تلزم كافة الأطراف.
ومن وجهة نظر المهندس عنبتاوي، فإن غياب الإرادة السياسية لدى الحكومة هو المسبب الرئيسي لما تواجهه شركات القطاع الخاص المطورة لمشاريع الطاقة الشمسية. ويؤكد أنه في ظل غياب إرادة حكومية حقيقية سيبقى هذا القطاع يراوح مكانه، مقترحاً أن تكف الجهات الرسمية عن التصريح بشأن تطوير القطاع بينما الواقع مختلف على الأرض، حيث تكثر العقبات والثغرات وعدم وضوح الصلاحيات والمرجعيات، مما يعيق تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة ويضع المستثمر أمام خطر يهدد استثماره في الطاقة، ويدفعه للبحث عن بدائل من خلال الاتفاقيات المباشرة مع شركات التوزيع، حتى يتمكن من تنفيذ المشاريع لكن بدون حماية ولا مرجعية قانونية تكفل حقه.
ويطرح عنبتاوي أحد الأمثلة على ما واجهته الشركة بخصوص توقيع الاتفاقيات، حيث تقدمت الشركة منذ عامين لتنفيذ مشروع طاقة شمسية في طولكرم بقدرة 20 ميغاواط، وبعد مرحلة طويلة من النقاشات أدت إلى التوصل لاتفاق، توجهت الشركة لتوقيع الاتفاقية مع شركة النقل حسب ما يوجبه القانون، إلا أن شركة النقل رفضت منح شركة قدرة كفالة سيادية بل "رسالة تطمين" والتي تعني أن الحكومة لا تتعهد بالدفع في حال تخلف البلدية عن الإيفاء بالمستحقات المالية المترتبة عليها، وإنما ستساهم في الضغط على البلدية لكي تسدد هذه الاستحقاقات، وكان مبرر الحكومة حينها أنها لا تريد تحمل أعباء مالية نيابة عن أحد.
وقد اقترحت الحكومة حسب ما أوضحه عنبتاوي، توقيع اتفاق ثلاثي بين بلدية طولكرم وشركة قدرة وشركة النقل، حيث تتحمل الأخيرة مسؤولية فنية رقابية، بينما تبقى المسؤولية المالية لدى البلدية، وبذلك تصبح الحكومة خارج إطار الالتزام بأي ضمانات ذات علاقة بالاستحقاقات المالية، مفيداً أن النقاش في هذا الأمر استغرق أربعة أشهر. وبعد أن تم التوصل لموعد لتوقيع الاتفاقية بمشاركة الحكومة طلبت البلدية تأجيل التوقيع متذرعة بأن الدراسة تحتاج لتفاصيل ومراجعة أخرى، لذا جرى اقتراح عقد اجتماع قبيل نهاية العام الماضي، بين المستشارين القانونيين ويضم شركتي النقل وقدرة وبلدية طولكرم لبحث الملاحظات المتعلقة بالاتفاق، إلا أن هذا الاجتماع لم يعقد حتى اللحظة، والنتيجة أنه لا يوجد أي رد حتى الآن بخصوص مشروع طولكرم.
ومن جملة التحديات، يوضح عنبتاوي أن الشركة اصطدمت بإشكاليات حول توفر البيانات المتعلقة بالشبكات، ومعلومات حول الأراضي، هذا بالإضافة إلى المشكلة الرئيسية المتمثلة في ضمان حقوق المستثمر وفق اتفاقية قانونية.
ويتطرق عنبتاوي إلى الإشكالية التي واجهتها قدرة للحصول على معلومات حول الشبكة مع بدء العمل على تنفيذ دراسة لمشروع طولكرم قبل عامين، وذلك بعد أن تسلمت رسالة اهتمام من بلدية طولكرم لتنفيذ مشروع بقدرة 20 ميغاواط، وبعد أن حصلت قدرة على رخصة مؤقتة من سلطة الطاقة يتم تجديدها كل ثلاثة أشهر، حيث اضطرت الشركة إلى توزيع المشروع على 4 محطات في طولكرم، تنتج كل واحدة منها 5 ميغاواط، والسبب في عملية التوزيع هذه، هو عدم وجود معلومات كافية لدى سلطة الطاقة والبلدية ومجلس تنظيم قطاع الكهرباء وشركة النقل عن قدرة واستيعاب الشبكة الكهربائية في طولكرم.
كما أن هناك المزيد من العراقيل والتي تتمثل في توفير المعلومات والتحديثات حول الأراضي الحكومية والوقفية التي يمكن استغلالها لبناء محطات طاقة شمسية، ما يؤكد غياب الإرادة السياسية لتمكين الشركات من الحصول على المعلومات اللازمة وتسهيل الإجراءات حتى يتم تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية.
وكانت الحكومة أبدت استعدادها لتخصيص أراض حكومية ووقفية لتنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية، وتم اقتراح عدد من الأراضي في مناطق مختلفة، إلا أن المفاجأة كانت في عدم توفر الإمكانية العملية لتنفيذ المشاريع على هذه الأراضي. ويوضح عنبتاوي حول هذا الجانب، من خلال أحد الأمثلة، فحين توجهت قدرة لاستئجار أرض في إحدى قرى الخليل للبدء بتنفيذ أحد المشاريع، وبعد موافقة وزير الأوقاف، تكشف لاحقاً أن الأرض مملوكة من إحدى البلديات والمواطنين. وفي مثال صادم آخر، فقد تم توجيه الشركة من قبل وزارة الأوقاف لاستئجار أرض في طولكرم إلا أنه تبين أن مستوطنة أقيمت على هذه الأرض!.
وفي نابلس، يوضح عنبتاوي أن الشركة تقدمت لاستئجار 90 دونماً مملوكة لخزينة الدولة في إحدى القرى، ليتبين فيما بعد أن شركة كهرباء الشمال قد اتفقت مع الحكومة على إنشاء محطة طاقة شمسية بالشراكة، وذلك على أرض مجاورة، وبالتالي فإن كهرباء الشمال -بحسب ردها- ليست معنية بوجود مشروع طاقة شمسية آخر، مما دفع شركة قدرة للتراجع عن المشروع في تلك المنطقة.
مقابلة عنبتاوي هذه، تأتي بعد عام واحد بالضبط من مقابلة سابقة أجرتها معه صحيفة الحدث حول ذات الموضوع، ويبدو أن الثابت المشترك في المقابلتين، هو عدم توفر إرادة سياسية لدى الحكومة للنهوض بقطاع الطاقة الشمسية، وهذه الإرادة تحتاج بالضرورة إلى تعليمات ملزمة ولوائح تنظيمية وسن القوانين، وتوضيح المرجعيات والصلاحيات والمسؤوليات، ومن ثم توحيد المفاهيم والخطوط العريضة بشأن موضوع الطاقة الشمسية في فلسطين، حتى يتمكن جميع الشركاء في هذا القطاع من الاستمرار بتنفيذ مشاريع الطاقة البديلة وتوفير طاقة مستدامة واقتصادية لفلسطين لتحقيق استقلالها تدريجياً عن الكهرباء المستوردة مرتفعة التكاليف، والتخلص من سيطرة جهات خارجية على كميات الكهرباء المتاحة لمجتمعنا واقتصادنا الفلسطيني.
وعلى الرغم من هذه التحديات والمعيقات، إلا أن رئيس مجلس إدارة شركة قدرة يؤكد أن الشركة تواصل تنفيذ مشاريعها مع زبائنها ومع المستهلكين النهائيين مباشرة، لأنها تدرك أهمية التوسع بمشاريع الطاقة المتجددة للتخفيف شيئاً فشيئاً من الأعباء على الجميع. ولدعم وتشجيع مشاريع الطاقة الشمسية، يتابع عنبتاوي، فإن على الحكومة أن تتولى دورها لتقود التغيير والتقدم بهذا القطاع، وأن تضمن نجاعة هذه الاستثمارات مع المؤسسات المحلية والشركات، ومعالجة كافة المحاور العالقة، حتى لا يظل تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة مجرد شعار بدون إنجازات على الأرض تعود بالفائدة على الجميع وخاصة المواطن الذي يعاني من جراء نقص الكهرباء.