رواية "دون كيشوت" للإسباني "ميغيل دي سافيدرا"، تتحدث عن صاحب مزرعة ميسور الحال، كان يقضي معظم وقته، بقراءة الروايات والكتب عن فرسان العصور الوسطى، الذين يمتطون الخيل ويحاربون التنانين والعمالقه، فحَلِم أن يكون مثلهم، فإرتدى درعا وإمتطى فرسا، وتجول في الارياف بحثا عن المغامرات، ولأن اعداءه من التنانين والعمالقة ليسوا موجودين الا في رأسه، تخيل ان اعداءه هم طواحين الهواء.
و بإسقاط شخصية "دون كيشوت" في الرواية الاسبانية، على الحاله الفلسطينيه في مرحلتها الراهنه، فإن الـ "دون كوشوتيه" الفلسطينيه تعيش حالة من "الفانتازيا" بإنقطاعها عن الواقع، وإفتقادها لأوراقٍ سياسية تناور بها، وكل ما لديها "خطاب الضحية" الذي تستجدي به عطف ودعم قوى دولية، ما كبُرَ منها وما صغُر.
"الدون كيشوتيه" الفلسطينيه تخوض معارك المقاومة السلمية، وتردد ألأغاني والاهازيج الشعبية كأغنية "هبت النار والبارود غنى"، وتمنح موظفيها توصيفات دولة وعطوفة ولواء.. وتتجلى "دون كيشوتيتها" بإمتلاكها أجهزةُ أمن بميزانيات تفوق على سبيل المثال ميزانيات قطاعي الصحة والتعليم بأضعاف، وإدارتها لآلة إعلامية، تعمل على تمجيدها واستجداء التضامن الدولي، وشتم الإحتلال بأقذع الشتائم، كما حدث مع الراعي الذي سرق اللصوص قطيع اغنامه، وعندما سأله قومه أين القطيع؟ قال " أشبعتهم شتما وفازوا بالغنم "!! .
وكما خاض "دون كيشوت" في الروايه الاسبانيه معركة طواحين الهواء، بتوهمه أنها شياطين، ثم خاض بعد ذلك معركة مع الأغنام، التي ظن أنها جيش جرار، فإن "الدون كيشوتيه" الفلسطينيه التي تعيش في حدود وهم دولة الورق التي أنشئتها، خاضت معركة وقف الاستيطان، وكانت النتيجه أن زاد عدد المستوطنين في الاراضي المحتله، من 193 ألف مستوطن في العام 2000 ليصل لأكثر من 650 ألف في العام 2021 ، كما أنها زادت من حدة الانقسام مع "خصومها" في غزة، بدلا من إنهاءه اوتقليصه على الاقل، وأقصت سياسيين، وقائمة معاركها ضد طواحين الهواء تطول !!
إن "خطاب الضحية" عادة ما يتسم باليأس، وهو السمة الاساسية لخطاب "الدون كيشوتيه" الفلسطينيه، بحيث تقدم على إتخاذ سياسات خاسره، على اعتبار أنها مهام مقدسة، وهي مسكونة أيضا بتناقضات بين الوهم والحقيقه والتدحرج من السيء الى الأسوأ.
ومن سمات خطاب الضحية ممارسة إعلام تخديري، بالايحاء بأن "الدون كيشوتيه"، تسير على نهج سياسي سيؤدي الى الاستقلال لا محاله، بينما هي في الواقع تغرق في دوامة الاستلاب والتبعية، وبوهم إقامة دولة فلسطينية مستقله، لمجرد اعتقادها بأن فرش البسط الحمراء لها في مطارات العواصم، وتزاحم كاميرات الاعلام حولها، ولحصولها على قرارات إدانة واستنكارالمجتمع الدولي لسياسات قوة الاحتلال، بينما الدول المستقله في الواقع، لا تقام دون شعب يعيش على رقعة جغرافيه متواصله، ويتمتع بالسيادة عليها..