"الحقيقة هي أولى ضحايا الحروب"، مقولة لطالما ترددت في حروب الانسان ضد الانسان على مدى عصور، والحرب الروسية – الاوكرانية 2022 ليست إلإستثناء، حيث غابت في تغطية مجرياتها، المهنية والدقه والمصداقية، وازدهرت الاكاذيب والاشاعات والفبركات، كما شهدت تحيزا وعرضا لأنصاف الحقائق واحيانا التعتيم عليها كليا ..
صحيفة نيويورك تايمز مثلا، كانت قد اعتذرت لقرائها بعد الغزو الامريكي للعراق في العام 2003، قائلة انها انخدعت في مبررات الحرب، التي ساقتها إدارة الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش، وانها لم تحقق بها مهنيا كما يتطلبه العمل المهني الصحفي، واليوم تخالف هذه الصحيفة، ذات التقاليد المهنية العريقه، قاعدة لطالما هي تبنتها ودافعت عنها، وهي عدم نشر صور لضحايا العنف في مناطق الصراع، إذ نشرت على صدر صفحتها الأولى، صورة لأم اوكرانية واولادها، قتلوا بالقصف الروسي على مدينة "أربين" القريبة من العاصمة كييف، بينما كانت تحزم حقائبها للحروج من المنطقة، وبررت الصحيفه نشر الصورة، بأنها تهدف لإظهار الأبعاد الإنسانية المأساوية في اوكرانيا. ولتحقيق التوازن، الذي يعد واحدا من أهم مبادئ الصحافة المستقلة الحرة، لماذا لم تنشر النيويرك تايمز، صورة لأسرة ضحية للقصف الاوكراني على اقليم دونباس؟؟
وفي المقابل، فإن الإعلام الروسي غابت عنه المهنية عن تغطيته أيضا!! فالبرلمان الروسي "الدوما"، اصدر قانونا "يدفن الحقيقة مع قتلى الحرب"، ينص على فرض عقوبه بالسجن لـ 15 عاما، على كل من ينشر اخبارا تخالف البيانات الرسمية، المتعلقة بمجريات الحرب في اوكرانيا، وهو ما أدى عمليا، لتوقف غالبية وسائل الاعلام العالمية الكبرى، عن العمل من روسيا تجنبا لتعرض مراسليها للسجن.
وسيلة الاعلام المستقلة الوحيدة، التي لا تزال تعمل في روسيا، هي صحيفة "نوفايا غازيتا" التي فاز رئيس تحريرها "ديميتري موراتوف" في العام 2021 ، بجائزة نوبل للسلام، الا انها بغية البقاء على قيد الحياة، قررت عدم التطرق لما يجري في أوكرانيا وأزالت، من موقعها على الإنترنت كل المواد التي تتناول الحرب فيها، الا انها استمرت في تغطية تداعيات الحرب وعواقبها، على المواطن الروسي.
وكما فرضت روسيا قيودا على وسائل الاعلام، فإن دولا اوروبية، فرضت هي ايضا قيودا على وسائل اعلام للطرف الاخر، بهدف التحكم في رواية ما يجري على ارض المعارك، وتقديم ما ترى ضروريا من حجج ومبررات بشأنها، لكسب تعاطف الرأي العام، فبعد نحو أسبوع على بدء الحرب الاوكرانية، أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً حظر بموجبه قناة "روسيا اليوم" و "سبوتنيك" الروسيتين، ومنعهما من البث في دول الإتحاد، وأغلق مكاتبهما وحجب موقعيهما على الانترنت، وطلب من محرك بحث غوغل العملاق، عدم اظهار اسميهما في نتائج البحث، بدعوى نشرهما معلومات مضللة، وبذلك فإن تدفق المعلومات اصبح يأتي من اتجاه واحد، ولم يعد بمقدور المواطن الاوروبي، معرفة ما يجري في اوكرانيا من منظور روسي.
وإذا كانت العمليات العسكرية هي الشكل العنيف للحرب، فان الإعلام هو الشكل الناعم لها، لا سيما في ظل وجود الاعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث اصبح بإمكان اي شخص يمتلك كاميرا، وهاتف ذكي واتصال بالإنترنت، ان ينشر ويبث المقاطع الفلمية في الفضاء الرقمي، لكن دون اي مراعاة للقواعد المهنية، وفي كثير من الاحيان، يكون مضمون الاعلام الرقمي اقرب الى الاشاعه منه الى الخبر، ما ادى الى ملء الفضاء الرقمي بقمامة من الاكاذيب والتحريض والفبركة ..
موقع "مسبار" لمكافحة الاشاعات والاخبار الكاذبه، افاد في تقرير صدر عنه بعد ثلاثة اسابيع على اندلاع الحرب في اوكرانيا، بأن صورا وفيديوهات من مناطق الصراع في العالم العربي، (لا سيما من فلسطين وسوريا)، حضرت في الصراع الروسي – الاوكراني المسلح، تتضمن هذه الاخبار المضلله مثلا ، صورة زعم متداولوها انها لطفله اوكرانية، اصيبت نتيجة للقصف الروسي، لكن تبين انها تعود للعام 2018 لطفله سورية، جرحت في قصف جوي على الغوطة الشرقية، وكانت بحاجه لرعاية طبية..
فريق "مسبار" قال في تقريره، إن من بين المواد المضلّلة التي انتشرت مؤخرًا، على أنّها من الحرب الروسية – الاوكرانيه، فيديو زعم ناشروه أنه يوثق لحظة هجوم البحرية الروسية، على مواقع للجيش الأوكراني، في العاصمة كييف بصواريخ "كاليبر"، الا انه تبين أنه قديم، كانت قد نشرته وسائل إعلام روسية عام 2017، لعملية إطلاق صواريخ "كاليبر" من البحر الابيض المتوسط، على مواقع تنظيم داعش في محافظة حماة، وسط سوريا.