السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"سلطانة غير منسية".. فيلم سينمائي عن حياة فاطمة المرنيسي

2022-03-24 08:31:37 AM
فاطمة المرنيسي

الحدث الثقافي

اختار المخرج المغربي عبدالرحمن التازي أن ينطلق من عنوان كتاب "سلطانات منسيات" لعالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي، ليقترح فيلماً جديداً عنوانه "سلطانة غير منسية"، تتشكل تفاصيله وأحداثه من حياة المرنيسي وأفكارها، واختار في المقابل أن يكون العرض الأول في متحف محمد السادس في الرباط بدلاً من القاعات التجارية الكبرى.

وفي هذا الاختيار رسالة ثقافية وكأنما أراد المخرج المغربي أن تبقى المرنيسي قريبة أكثر من العالم الثقافي الذي خصصت حياتها بالكامل لأجله، وربما كان التازي يرى ومعه كثيرون أن فاطمة المرنيسي واحدة من تحف المغرب الحديث، لذلك فالمكان الأنسب للعرض الأول للفيلم الذي يتناول حياتها هو مجمع المتحف، إذ تحظى فاطمة المرنيسي بشهرة وتقدير في العالم العربي وخارجه، وترجمت كتبها إلى العديد من اللغات العالمية، وحصلت سنة 2003 على جائزة "أمير أستورياس" مناصفة مع الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ، وسنة 2004 على "جائزة إيراسموس" مناصفة مع المفكر السوري صادق جلال العظم.

وضعت الباحثة والسوسيولوجية المغربية التاريخ الإسلامي على كرسي المساءلة، واستنكرت تغييب نساء كانت لهن أدوار طلائعية في بناء الدولة الإسلامية، سواء داخل العالم العربي أو خارجه، ويبدو هذا الاستنكار مضاعفاً حين تشير الكاتبة إلى أن الذين غيبوا هؤلاء النساء المسلمات هم الباحثون والمؤرخون المسلمون أنفسهم، فضلاً عن النظرة الاستعلائية التي مارسها باستمرار رجال الدولة الذكور على هذا الصنف من النساء. ويمكن استحضار واحد من النماذج التي دعمت بها المرنيسي طرحها، إذ تورد قصة شجرة الدر التي تولت حكم مصر بعد رحيل زوجها، فكتب الخليفة العباسي إلى المماليك بهذه المناسبة "إن نفد عندكم الرجال أرسلنا لكم رجلاً يحكمكم".

وإذا كان كتاب "سلطانات منسيات" يتوقف عند نماذج منسية من النساء الرائدات سياسياً في التاريخ الإسلامي، فإن فيلم التازي يقف ضد هذا النسيان ليحتفي بواحدة من أبرز نساء العالم العربي الراهن وأكثرهن جرأة في تناول قضايا فكرية ودينية وسياسية حساسة، وهي الجرأة التي تستند إلى مرجعية معرفية كبيرة وبحث علمي رصين وممنهج.

طفولة رغيدة وشخصية قوية

ينطلق الفيلم من طفولة المرنيسي متعقباً التحولات الاجتماعية والفكرية في حياتها على مدى عقود، ويركز المخرج المغربي على اهتمام الباحثة بالتراث الإسلامي والإرث الثقافي العربي، متوقفاً عند تلك الأسئلة التي كانت تشغلها كلما تعلق الأمر بوضع أو مكانة المرأة في الحياة العامة داخل المجتمعات الإسلامية، فالمرنيسي نفسها وهي تتناول مثل هذه القضايا الشائكة تؤكد دائماً أن انتقاداتها موجهة إلى الإسلام السياسي، محاولة الفصل في ذلك بين توظيف السلطة للدين وبين الدين نفسه كرسالة سماوية روحية.

انصب الفيلم على شخصية المرنيسي وعلاقاتها الاجتماعية ثم على نظرتها إلى الثقافة الإسلامية ونضالها المعروف من أجل رفع الحيف الفكري والسياسي الذي طاول المرأة على مدى قرون من التاريخ الإسلامي، ويعود التازي بالكاميرا إلى الأحياء القديمة في فاس حيث عاشت المرنيسي طفولتها، متوقفاً عند نشأتها في إحدى العائلات الثرية في المدينة، متعقباً مراحل دراستها من مدرسة البنات التي كانت تشرف عليها سلطة الحماية خلال الفترة الـ "كولونيالية" إلى سنوات دراستها في الـ "سوربون" الفرنسية وجامعة "برانديز" بالولايات المتحدة، وينتقل من ثم إلى مرحلة انخراطها في تأليف كتب فكرية كان لها وقع داخل الساحة الثقافية في العالم العربي وخارجه، من قبيل "ما وراء الحجاب" و"الحريم السياسي" و"شهرزاد ترحل إلى الغرب" و"الخوف من الحداثة" وغيرها.

إرث ثقافي

 تناول الفيلم الجانب القوي في شخصية المرنيسي وقدرتها الهادئة على تجاوز كثير من العراقيل في مجتمعات تحمل إرثاً ثقافياً تهاب تجديده، كما توقف عند تأثيرها ووقع أعمالها الفكرية، فحين أصدرت المرنيسي كتابها الأول "ما وراء الحجاب" سنة 1975 تحول إلى مرجع أساس لكل باحث في سوسيولوجيا المرأة المسلمة، وقد صدرت نسخته الإنجليزية في بريطانيا ثم أميركا.

وحين أصدرت "الحجاب والنخبة الذكورية: تفسير نسوي للإسلام" منتصف الثمانينيات، تمت مصادرته في المغرب وفي عدد من الدول العربية، غير أن الترجمة الإنجليزية أسهمت في انتشاره.

 ولم تكن المرنيسي وهي تكتب باللغة الفرنسية وأحياناً الإنجليزية تتوقف عند انتقاد المجتمعات الإسلامية من الداخل، بل كانت تسعى أيضاً إلى تصحيح النظرة الغربية إلى المرأة المسلمة التي تختصرها في صورة المرأة المنقادة والمهزومة والعاجزة عن إحداث التغيير بنفسها.

أسند التازي دور البطولة إلى الممثلة المغربية مريم الزعيمي مؤمناً بقدرتها على تجسيد شخصية المرنيسي التي تتسم بكاريزما مميزة وبطء في الكلام ولهجة فاسية خالصة، فضلاً عن ابتسامتها الدائمة وحركات يديها وأشكال تفاعلها خلال محاضراتها العديدة، بل إن المخرج المغربي حرص بعد عدد من حصص الـ "كاستينغ" على أن تكون الممثلة المنتقاة في طول المرنيسي وشكلها الجسدي.

وإضافة إلى مريم الزعيمي التي جسدت دور المرنيسي تشارك مجموعة من الممثلين المغاربة من أجيال مختلفة من بينهم رشيد الوالي ونسرين الراضي ومالك أخميس ومليكة العماري وغيرهم، وقد أشرف على ماكياج مريم الزعيمي خبير التجميل الزبير ناش الذي بذل جهداً واضحاً كي يتطابق حضور الممثلة المغربية مع تحولات ملامح وجه المرنيسي مع تعاقب السنوات، وتحديداً منذ العقد الثالث من عمرها إلى السنوات المتقدمة في حياتها.

المصدر: إندبندنت بالعربية