قلنا بأن المحتل وبالذات في مدينة القدس وفي إطاره سعيه لحسم سيطرته وسيادته عليها،يعمل على "تفكيك" وعيا شعبنا و"كيه" من خلال نقلنا من الدفاع عن الوطن للدفاع عن المدينة ومن ثم القرية فالحي فالبيت ... تجريد أي قضية من بعضها الوطني وتحويلها الى قضية خاصة.
وهذا مرتبط بما يعمل عليه المحتل من "اسرلة" لوعينا من خلال أسرلة المناهج التعليمية وتفريغها من أية مضامين وطنية وتوعوية،ضمن خطط ممنهجة لدمج الإنسان الفلسطيني في القدس والداخل الفلسطيني - 48 – وبميزانيات ضخمة في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي...ولكن هذا المحتل يكتشف بأن هذا الإنسان الفلسطيني رغم كل ما يتعرض له من طرد وتهجير وإقتلاع وتطهير عرقي و"قوننة" و"شرعنة" و"دسترة" لقوانين عنصرية وسياسات "ابارتهايد مغرقة في التطرف والإقصاء، ما زال متمسكاً بهويته الوطنية وبكل مقومات وخصائص وجوده،رافضاً لسياسات الدمج و" التذويب" والطرد والتهجير.
ماكنة اسرائيلة بكل اجهزتها سياسية وعسكرية وامنية واعلامية ونفسية،تعمل ليل نهار من أجل "طحن" الإنسان الفلسطيني ..ولكن منذ الغزوة الصهيونية الأولى وحتى اليوم،والتي يدور فيها الصراع على الأرض،في ظل مشروع استيطاني تهويدي إقتلاعي إحلالي،يؤكد شعبنا الفلسطيني على قدرته على الصمود والبقاء والمقاومة ومن إنتفاضة يوم الأرض الخالد 30/ أذار 76 وحتى مشاريع " تحريش" النقب و"بستنة" أراضي سلوان وابتداع مشاريع في ظاهرها إنساني وخدماتي للسكان،تغطي وجه المحتل القبيح وعنصرية سياساته وممارساته، إبتدعوا في الشيخ جراح للسيطرة على الأرض وإقامة المستوطنات ما سموه بمصادرة الأرض من أجل إقامة مدارس للسكان العرب، في منطقة لا تحتاج للمدارس، ولعل تجربة قطعة الأرض التي جرى السيطرة عليها في حي واد الجوز تحت ذريعة ان المصادرة من أجل إقامة مدرسة تحل أزمة طالبات المرحلة الثانوية العربيات في القدس،ما زالت ماثلة في عقول وأذهان أبناء شعبنا ،فبعد مماطلة إمتدت لعدة سنوات،تحولت البناية الى مكاتب لوزارة داخلية الإحتلال.
المحتل الذي يتحدث ليل نهار بأن القدس "عاصمة أبدية" لدولته،بل لكل أبناء يهود العالم،مدعوماً ومستنداً الى دعم مطلق من قوى الإستعمار الأمريكية والأوروبية الغربية التي كشفت الأزمة الأوكرانية عن زيف وجهها القبيح ،وإزدواجية معاييرها وانتقائية تطبيق قراراتها وتوظيف المؤسسات الدولية لخدمة مشاريعها ومخططاتها واهدافها الإستيطانية التهويدية،بعيداً عن كل "الببروغندا" التي تتشدق بها عن الشرعية الدولية وقرارتها وقيم ومبادىء العدل والديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير،فحتى في قضايا المهاجرين،شاهدنا التمييز الصارخ بين المهاجرين من اصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الأشقر وبين المهاجرين من أصحاب البشرة السوداء والشعر الأسود والعيون العسلية والسوداء، تميز صارخ على أساس الجنس واللون والقومية والدين.
المحتل يدرك بأن تطبيق شعاراته ب"يهودية" القدس وحسم السيطرة والسيادة عليها،وجعلها عاصمة أبدية لدولته كما يزعم، لا يمكن أن يتحقق بدون قلب الموازين الجغرافية والديمغرافية فيها لصالح المستوطنين،وهذا يحتاج الى شن حرب شاملة وإرتكاب "مجازر" بحق الحجر الفلسطيني،وهذا يتجلى بأبشع صوره بعمليات الهدم الواسعة بحق الحجر الفلسطيني في القدس والداخل الفلسطيني- 48 - ومناطق "جيم" في الضفة الغربية والتي تشكل 60% من مساحتها.
المحتل هدم في العام الماضي أكثر من (178) بيت ومنشأة في مدينة القدس ،ومنذ بداية العام الحالي هدم أكثر من 55 بيت ومنشأة في القدس ،وهو يستعد لإرتكاب أكبر "مجزرة" حجر في بلدة جبل المكبر،حيث خطر الهدم يتهدد (132) بيت تحت ذريعة البناء غير المرخص،ووقوع (62) منها في مرمى ومجال ما يسمى بالشارع الأمريكي ،كمشروع تهويدي استيطاني مخطط له بعد إستكماله بمراحله الثلاثة،لكي يربط البؤر والمستوطنات الواقعة داخل جدار الفصل العنصري مع البؤر والمستوطنات الواقعة خارج هذا الجدار من مستوطنات مجمع " غوش عتصيون" في جنوب غرب الخليل،وحتى مستوطنات شمال شرق القدس،مجمع "معاليه أدوميم" الإستيطاني.
أهالي جبل المكبر في إطار مقاومتهم وتصديهم لمشاريع ومخططات وقرارات هدم منازلهم وطردهم وترحيلهم وتهجيرهم،قاموا بسلسلة متلاحقة من الأنشطة والفعاليات الإحتجاجية تنوعت بين إقامة الصلوات الإحتجاجية بأعداد كبيرة في ملعب نادي البلدة، والإحتجاج امام مقر بلدية الإحتلال وزيارات للبيوت المهددة بالهدم، وصولاً الى اعلان الإضراب الشامل وتعطيل العملية التعليمية والحركة التجارية في البلدة،مع دراسة سبل وطرق تطوير هذه الإحتجاجات الشعبية وتصعيدها،إذا لم تتراجع بلدية الإحتلال ووزارة داخليته عن قراراتها بهدم منازلهم.
خطوات اهالي المكبر الإحتجاجية ،رغم أنها كانت محلية،ولكنها تعبر عن مقاومة لمشاريع ومخططات وقرارات تستهدف كل سكان مدينة القدس،ولكنها لم تلق سوى تضامن ومشاركة خجولة من القرى المحيطة،واظهرت القوى والمؤسسات والمرجعيات الرسمية الفلسطينية للقدس والسلطة والمنظمة عجزاً في التقاط هذا الحراك والبناء عليه في تصعيد خيار المقاومة الشعبية،وتعميم هذه الخطوة على كل سكان مدينة القدس..وهذا سيعكس نفسه في " تفكيك" الوعي المقدسي خاصة والفلسطيني عامة في الحرب التي يشنها المحتل علينا في هذا الجانب،والذي يحاربنا على كل سم2 وينقلنا من و" يقزم" وعينا من الدفاع عن الوطن للدفاع عن المدينة فالقرية فالحي فالبيت، والهم الذاتي والخلاص الفردي... من بعد الهجمة المسعورة على الحجر الفلسطيني في جبل المكبر...إنتقل المحتل لتصفية وجود ما تبقى من مؤسسات فلسطينية في المدينة، التي أغلق منذ إحتلاله عام 1967 ما لا يقل عن 36 مؤسسة منها، وأجبر العشرات منها لنقل مركز عملها الى خارج ما يسمى بحدود بلدية الإحتلال .
اليوم يستهدف أحد أعرق أندية القدس،نادي هلال القدس، حيث بلدية الإحتلال تريد إغلاقه من خلال ضرائب باهظة تفرض عليه تصل الى 10 ملايين شيكل، الإحتلال يدرك جيداً بان طبيعة الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها هذا النادي، تسهم بشكل كبير في رعاية الأطفال والشبان و"تحصين" وعيهم" ومنع انجرافهم نحو ما يخطط له هذا المحتل بإخراج هؤلاء من الشبان من دائرة الفعل المقاوم والتمسك بهويتهم وقوميتهم، ولن يكون الإستهداف قصراً على نادي هلال القدس،بل سيطال بقية الأندية المقدسية،فالمحتل لديه مؤسساته في المدينة التي يرصد لها الميزانيات الضخمة من مراكز جماهيرية وغيرها،لكي تنفذ مشاريعه ومخططاته في المدينة من أسرلة و"كي" و"تطويع" لوعي أطفالنا وشبابنا ...ومن هنا فإن "فكفكة" هذا الوعي لن تمكن من بناء موقف وطني جمعي يرفض هذه المشاريع والمخططات، ويدافع ويحمي وجود المؤسسات المقدسية في المدينة،فمن لم ينجح في دعم ومساندة وتنبني شعار اهالي المكبر في رفض هدم بيوتهم " لا لسياسة الهدم الذاتي،ولن نهدم بيوتنا بأيدينا"،لن يستطيع حماية وجود لا نادي الهلال ولا المكبر ولا غيرها من اندية ومؤسسات القدس.
ولذلك من أجل منع " تفكيك" و" تطويع" وعينا، لا بديل عن إستعادة الوعي الجمعي وشمولية الإشتباك الشعبي السلمي،وهذا يحتاج الى قيادة جريئة وموثوقة لديها مبادرات خلاقة في النضال والمقاومة الشعبية، وإلا في المحتل سيصل الى اهدافه ومراميه في "تفكيك" هذا الوعي و"صهرة" وجعلنا نخوض معارك الدفاع عن وجودنا وأرضنا وبيوتنا بشكل فردي.