الحدث- ترجمة عن (فورين بوليسي فوكس إن)
كان كيفل في الصف الرابع في بيت سويرا، أي «مدرسة الثورة» التي تديرها «جبهة تحرير شعب إريتريا» في قاعدتها الخلفية في هاراريب، عندما وقعت المعركة الأخيرة ضمن 30 عاماً من الكفاح من أجل استقلال إريتريا عن إثيوبيا، عام 1991 خارج أسمرة، العاصمة الإريترية. وكان والده مقاتلاً، لقي مصرعه في الحرب، كما أن أمه وشقيقه الأكبر كانا في مكان آخر. ولكن كيفل لم يكن وحيداً، إذ إن عائلته كانت جبهة التحرير.
وأخوه الأكبر لاجئ في جنوب إفريقيا. وبقيت أمه في إريتريا. وكما هي الحال لدى معظم الإريتريين، فقد أجريت لكيفل أربع مقابلات في أربع من القارات خلال الأشهر الستة الماضية.وفي هذه الأيام يقبع كيفل في سجن محاط بإجراءات أمنية بسيطة، أطلق عليه مجازاً اسم «مركز الاعتقال في صحراء النقب، وهو لا يدري إلى أين سيؤول مصيره.
وكان يطلب أن يظل اسمه الحقيقي خافياً، خشية تعرض أقاربه للانتقام في بلده، وكذلك من نتائج غير محسوبة في إسرائيل، بعد ان قال أحد اعضاء حكومة بنيامين نتنياهو عن هؤلاء اللاجئين «إنهم مثل السرطان في الجسد»، وطالب بالتخلص منهم. ويوجد في إسرائيل نحو 35 ألف لاجئ إريتري، معظمهم يطلبون حق اللجوء. ولكن حتى الان لم يحصل سوى أربعة منهم على هذا الحق.
وسواء كان هو أو الآخرون صائبين في خوفهم، اذ إن العديد منهم يعلمون قصصاً كثيرة عن أفراد عائلاتهم الذين يتعرضون للعقوبات في إريتريا بعد مغادرتهم لها، إلا أن الخوف والشك هما رفيقاهما الدائمان، حيث علمتهم التجارب ذلك.
وأمضى كيفل عقداً من الزمان بعد التحرير في مدينة أسمرة، العاصمة الإريترية، وتخرّج في المدرسة العليا عام 2000. واستدعي للخدمة العسكرية في الفترة التي كانت تدور فيها الجولة الأخيرة من القتال، في حرب استمرت لمدة عامين على الحدود مع إثيوبيا. وتلقى برنامج تدريب قصيراً في مركز غاتلي للتدريب. ولكن القتال انتهى قبل أن يشارك فيه، وتم إرساله إلى مركز ساوا للتدريب العسكري لمدة شهرين لتدريبه كشرطي عسكري.
وخلال السنوات الاربع التي تلت، تم تعيينه في مدن عدة، منها ديكاماري، وبارينتو، وتسيرونا، بموجب برنامج الخدمة الوطنية الذي يتطلب قيام الشبان بالخدمة لمدة 18 شهراً، ولكن هذه الفترة كان يتم تمديدها بصورة الزامية، نظراً إلى الصراع الدائر مع إثيوبيا. وأدى ذلك إلى دفع عشرات الالاف من الإريتريين إلى العمل بأجور زهيدة، لا تسد الرمق، لمدة عقد من الزمن أو أكثر كجنود، أو مديرين بدرجات منخفضة، أو معلمين، أو عمال زراعيين، أو في أعمال حكومية أخرى.
من جهته، كان كيفل يأمل إنهاء خدمته في الجيش كي يتمكن من العودة إلى المدرسة. وفي عام 2005 تم تعيينه في معهد «ماي نيفي» للتكنولوجيا، ولكن قائده السابق في الشرطة العسكرية، تدخل وأمره بالعودة إلى موقع بارنتو. وجاءت هذه الخطوة بمثابة إعادته إلى الحفرة التي لن يستطيع الخروج منها. وبناءً عليه هرب إلى أسمرة، ومن ثم اختبأ. وبعد مرور عام تم اعتقاله وارساله إلى «ماي نيفي» مرة ثانية، ولكن هذه المرة كمعتقل تحت الحراسة العسكرية، ومن ثم تم وضعه في غرفة صغيرة مع 20 معتقلاً آخرين لمدة ستة أشهر. ولم يكن هذا المكان سجناً معروفاً، وانما مجرد غرفة فارغة ليس لها نوافذ ولا باب بأقفال.
وكانت كل منشأة حكومية او معسكر تابع للجيش يحوي مثل هذا المركز للاعتقال. وكان المعتقلون السابقون يطلقون عليها اسم «سجون»، ولكنها ليست سجوناً بالمعنى الحرفي للكلمة، وانما مجرد غرفة كبيرة يتم فيها احتجاز المخالفين للقانون من أجل التحقيق أو مجرد إبعادهم عن أنظار المجتمع. وهم لا يظهرون على قوائم أي سجن من السجون التي تراقبها منظمات حقوق الإنسان. وتعتبر هذه المراكز أسوأ من السجون، بالنظر إلى أن حراسها غير مدربين على التعامل مع المحتجزين، ولا توجد فيها خدمات ولا ترتيبات هيكلية، ولا حتى أثاث، لنوم أو جلوس المعتقلين.
وبعد نصف عام، وفي إحدى الليالي، تم نقل سيفا، دون سابق انذار، بواسطة شاحنة ضخمة إلى أحد السجون الرسمية في إريتريا. وعند إحدى إشارات المرور داخل أسمرة، تمكن العديد من المعتقلين من الهرب من السيارة، واندفع الحراس في مطاردتهم. واستغل كيفل هذه الفوضى وقفز من الشاحنة وهرب. وبعد مرور شهرين، اشترى رخصة سفر مزورة بـ2000 ناكفا (أي 150 دولاراً حسب السعر الرسمي)، وأخذ طريقه متجهاً نحو مدينة تسيرونا الجنوبية، حيث خدم هناك في وقت سابق.
ووصل إلى هناك في الرابعة صباحاً، وانتظر نحو ساعتين حتى بلوج النهار، ومن ثم انضم إلى مجموعة من المزارعين في طريقهم إلى سوق الجمعة. وعندما وصل إلى مقربة من الحدود، اختبأ في حرج من الأشجار. وعند منتصف الليل، سار عبر الحدود في قطار أوصله إلى إثيوبيا. ويعلق سيفا على ذلك بالقول: «دائماً افكر في ما تقوم به الحكومة»، حيث يشير إلى المناطق المحررة في إريتريا خلال حرب الاستقلال.
وأمضى كيفل ثلاثة اشهر في مخيم شيمبيلا للاجئين في شمال غرب اثيوبيا، قبل الانتقال إلى السودان. وهو يستطرد «أردت أن أكمل تعليمي. ولم يكن هناك أي أمل في مخيم اللاجئين، ولذلك دفعت 120 دولاراً لأحد المهربين، الذي نقلني إلى السودان، وانتهى بي المطاف في مخيم آخر للاجئين، يسمى «كيلو 26»، قرب مدينة كسلا، بعد أن حصلت على بطاقة هوية من الأمم المتحدة. وهو يقول عاكساً طموحه وقلة إدراكه، وهي سمة يشترك فيها مع الكثير من اللاجئين، لما ينتظرونه مستقبلاً: «اعتقدت أنها ستكون دولة حرة، أتمكن فيها من العمل والتعلم، ولكنها لم تكن كذلك»، ونظراً إلى أنه شعر بأنه علق في المخيم، حاول الذهاب إلى الخرطوم، العاصمة السودانية. وبعد مرور تسعة أشهر على ذلك، بدأ يخطط للانتقال إلى المحطة التالية.