تلاحقت اللقاءات متعددة الأطراف في شرم الشيخ والعقبة والنقب، وغاب الحضور الرسمي الفلسطيني عنها جميعا، إلا من لقاءات تعويضية ثنائية أداها مشكورا العاهل الأردني وأقول مشكورا لأنه فضّل رام الله على "قمة النقب"، وسبقه وزير الخارجية الأمريكي الذي كانت زيارته لمجرد القول إنكم في البال، مع طلبات يعرف هو أكثر من غيره عدم قدرة السلطة على تلبيتها.
غياب المنظمة أو السلطة عن اللقاءات المكثفة التي تمت خلال الأيام القليلة الماضية تزامن مع حضور قوي للقضية الفلسطينية عبر وسيلتين، الأولى حددها الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع حين قال إن استبعاد الفلسطينيين عن الموائد أدى إلى ظهورهم في العفولة وبئر السبع والقدس، ذلك قبل موقعة بني براك والهجوم الدموي على جنين.
أما الوسيلة الثانية فهي تكاثر الطلبات من السلطة كي تعمل على التهدئة خصوصا في شهر رمضان.
الوسيلتان لا صلة للسلطة بهما في الواقع، فلا هي وراء العمليات الكبرى بل استنكرتها، ولا هي بمالكة لوسائل تحقيق التهدئة.
المشهد السياسي الآن أفرز مقولات تحتاج إلى تدقيق، منها أن إسرائيل هي الكاسب الأكبر من التطورات الإقليمية والدولية فها هي تنظم اجتماعا يشارك فيه أربعة وزراء خارجية عرب إلى جوار ضريح بن غوريون، وها هي تدخل الحيز العالمي بوساطة بين روسيا وأوكرانيا رغم أنها باهتة من كل النواحي، وها هي تدعي تأسيس ناتو شرق أوسطي تكون فيه القوة المركزية وها هي.. وها هي.. الخ. مما يُقرأ من تباهٍ ممل يؤديه جنرالاتها ووزرائها والمسؤولون على كل مستوياتها ، غير أن ذلك لا يلغي الحقيقة الأهم التي تقض مضاجع القادة الإسرائيليين ولا ينفع معها كل الذي يُتباهى به، والحقيقة الأهم هي في الواقع جملة حقائق متصلة أولها أن إسرائيل تحتلنا وتحتل ذاتها، وهذا أمر غير طبيعي إذ لم يخلُ حي أو شارع إسرائيلي من جنود وبنادق، والذين هم تحت السلاح ويحملونه كواجب وضرورة، يشكلون نسبة مئوية عالية من عديد السكان، وثانيها لا علاج ناجع للقلق العميق والشامل الذي يعلن عنه القادة الإسرائيليون أنفسهم من غزة المحاصرة واحتمالات انفجارها في أي وقت إلى الضفة المليئة بالحواجز والبنادق كما لو أنها "دونباس" الشرق، مع الفوارق الهائلة بين الحالتين، ذلك مع مطالبة مصر بالتوسط لتهدئة غزة والأردن لتهدئة الضفة، والمحصلة معروفة للجميع.
ثالثها وقد لا تكون آخرها، تنامي شعور لدى قطاع واسع من الإسرائيليين بأن تصدير الجهد إلى أي مكان غير مكانه الصحيح أي الحل السياسي مع الفلسطينيين، لن يجلب الأمن والأمان فهو مجرد بناء على رمال تذروه هبة ريح.
هذه هي مفاعيل القضية العميقة التي تمتلك مقومات حضورها من ذاتها، وخصوصا من أجيالها الذين يتحدون على يقين بأن لا يهدأوا إلا حين يزول الاحتلال ويتحقق السلام الذي يرضى عنه الفلسطينيون ويقبلون به.