ارتفاع أسعار السلع في السوق الفلسطينية
تجار لـ"الحدث": الارتفاعات العالمية انعكست على السوق الفلسطيني
اتحاد المقاولات: هناك تقصير في مراقبة الأسعار وضبط السوق
جمعية رجال الأعمال: لا توجد سياسات واضحة ويتم التعامل مع الأزمة بردات فعل خاضعة في معظمها لوسائل التواصل الاجتماعي
وزارة الاقتصاد: نتابع ما يتعلق بالسلع الغذائية وملف مواد البناء لدى وزارة الإسكان
خاص الحدث
تأثرت فلسطين، مؤخرا، بارتفاع طرأ على عدد من السلع، طال الطحين والقمح والحديد والألمنيوم والحليب وغيرها، في الوقت الذي عزا فيه كثيرون جزءا من هذه الارتفاعات إلى الأزمة الأوكرانية الروسية التي بدأت في 24 فبراير 2022، وأخرى إلى الارتفاعات العالمية على أسعار السلع، بالإضافة إلى العرض والطلب.
رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين في المحافظات الشمالية أحمد القاضي، قال في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إن الارتفاعات العالمية كانت متفاوتة تبدأ من 10% وتنتهي بـ 45%، أبرزها على أسعار الحديد بنحو 30- 35%، والألمنيوم نحو 2500 شيقل في الطون، والنحاس 20%، والبلاستيك ومواد الدهانات كذلك ووحدات الإنارة والأعمال الميكانيكية بالكامل في كافة المدخلات الإنشائية والأسمنت والباطون.
وأكد القاضي، أن الارتفاعات الحاصلة على مستوى العالم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية؛ انعكست على فلسطين، ولكن الارتفاعات في فلسطين كانت كبيرة جدا مقارنة بالارتفاعات العالمية، بسبب تقصير وزارة الاقتصاد في مراقبة الأسعار وضبطها، وضبط الأسواق، واحتكار بعض التجار لبيع السلع وعدم الاهتمام بالمصلحة العامة.
وحول تأثير ارتفاعات الأسعار على قطاع المقاولات، أشار رئيس اتحاد المقاولات في المحافظات الشمالية، إلى أن قطاع المقاولات لم يلبث أن يخرج من آثار جائحة كورونا والتعافي منها، حتى جاء مطب الارتفاعات العالمية، وتأثير هذه الارتفاعات على قطاع المقاولات سيكون سلبيا جدا. وذكر أنه في حال لم تقم الحكومة بالإيفاء بالتزاماتها في الفترة المقبلة وعدم وضع آلية عمل واضحة للخروج من الأزمة؛ فإن هذا يهدد عددا من الشركات العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص أو الأهلي وقد يؤدي بها إلى الإغلاق لعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها سواء تجاه الموردين أو الموظفين العاملين لديها.
وأوضح القاضي، في لقائه مع "صحيفة الحدث"، أن عقد المقاولات يخاطب الجهة المشترية والمتعاقدة، "والحلول المقترحة اليوم تتمثل بـ: تعديل الأسعار التي ارتفعت، وتعديل هذه العقود، ووضع أسعار استرشادية للسلع في السوق الفلسطيني، وتعويض المقاولين عن هذه الفروقات، وكذلك تعويضهم عن تذبذب أسعار صرف العملات وتوفير أيدي عاملة وتحفيزها للبقاء في السوق الفلسطيني وعدم الذهاب للعمل لدى الاحتلال".
وبحسب القاضي، فإن هناك مجموعة من الحلول ترتكز على عدم الوقوع كل فترة وأخرى في معضلة جديدة، أهمها أن يكون هناك توجه من الحكومة لسن تشريعات لمواجهة هذه الظروف وأن يكون اتحاد المقاولين ونقابة المهندسين شركاء في وضع التشريعات، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، والمطلوب اليوم وضع رؤية مشتركة، وفي الأزمات الكبيرة مطلوب قرارات وليس توصيات أو لقاءات بروتوكولية أو كلام منمق.
وشدد، على أن "الأزمة الحالية حقيقية وأكبر من الجميع في هذه المرحلة، وعلى الجهات الحكومية القيام بالتزاماتها وعدم رمي الكرة في ملعب القطاع الخاص، فالحكومة لديها مسؤوليتها بتسيير المرفق العام وإدارة البلد خاصة في الأزمات ووضع رؤية خلاقة للخروج من هذه الأزمة، ونحن اليوم على المحك".
وأردف القاضي: نحن ندعم دعم الحكومة للسلع الأساسية، لكن الموضوع أكبر من ذلك، وله علاقة بالاقتصاد الوطني المعرض للخطر، خاصة وأن قطاع المقاولات هو المشغل الأكبر للأيدي العاملة في فلسطين بمعدل 25%، إلى جانب 100 قطاع آخر مساند يعمل معه، والإضرار بقطاع المقاولات نتيجة هذه الأزمة سيؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني ككل.
وبشأن الجهود التي تبذل مع الجهات الرسمية، قال رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين في المحافظات الشمالية، إنه تم عقد مجموعة من الاجتماعات مع وزارة الاقتصاد ووزارة المالية ووزارة الحكم المحلي والأشغال العامة، ولكن لقاء وزير الاقتصاد كان غير موفق بحسب القاضي، الذي أشار إلى أن نظرة وزارة الاقتصاد ترتكز على توفير السلع الغذائية، "ونحن ندعم بشكل كامل جهود الحكومة في توفير السلة الغذائية خاصة للطبقات الضعيفة والمهمشة، لكننا نؤكد أن الاقتصاد الوطني الفلسطيني اليوم هو كله معرض للخطر وليس فقط السلة الغذائية، ونرى أن الإضرار بالاقتصاد الوطني هو إضرار بالفئات المهمشة والفئات الضعيفة لأنه بالمحصلة النهائية إذا عجز قطاع المقاولات عن الدفع لموظفيه والعاملين لديه فلن يستطيعوا حتى شراء الخبز، ومن هنا نرى أن الإضرار بقطاع المقاولات هو إضرار بالقطاع الخاص بشكل عام وسينعكس سلبا على المستهلكين وعلى الطبقات الضعيفة والمهمشة".
وأضاف، أن وزراء الحكم المحلي والأشغال العامة، كانوا متفهمين للأضرار الواقعة على قطاع المقاولات وطبيعة الأزمة، "ونحن ننتظر منهم الحلول". وأردف: تم تشكيل لجنة تضم وزير الأشغال العامة ووزارة الحكم المحلي والاقتصاد والمالية ونقابة المهندسين واتحاد المقاولين والمجلس الأعلى لسياسات الشراء العام، وكنا نتوقع أن تنعقد هذه اللجنة يوم الأحد 6 مارس 2022، ولكنها لم تنعقد، ونأمل أن لا يتجاوز الموضوع ذلك وأن ينعقد الاجتماع والخروج بقرارات يرفعها إلى مجلس الوزراء لإقرارها، ونرجوا أن لا تكون هذه اللجنة كنوع من التسويف.
وطالب القاضي، بالنظر إلى قطاع المقاولات في ظل هذه الظروف التي يعانيها نتيجة الظرف الطارئ والاستثنائي والظروف المادية غير المتوقعة والتي كانت أكبر من تنبؤات الجهات المشترية والجهات المتعاقدة، لأخذ قرارات جريئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا القطاع، والعمل على ضخ مبالغ إضافية في هذا القطاع من المتأخرات.
وتبلغ المستحقات على الحكومة لصالح قطاع المقاولات نحو 140 مليون شيقل، و60 مليون شيقل استرجاعات ضريبية، حيث تم دفع ما يقارب 85 مليون في الأشهر الست الأخيرة، بحسب القاضي، الذي قال إن على السلطة عمل توزيع عادل بين القطاع العام ومستحقات القطاع الخاص، حيث تدفع الحكومة الجزء الأكبر من إيراداتها لفاتورة رواتب الموظفين العموميين، "وهذه معضلة أساسية في الاقتصاد الفلسطيني".
وحول الطرح الخاص بوقف البناء بسبب الارتفاعات العالمية، أشار القاضي، إلى أنه أحد الحلول المطروحة، "ولكن إيقاف المشاريع تترتب عليه مشاكل كبيرة، خاصة وأن عقود المقاولات عقود معقدة والالتزامات التعاقدية فيها متشعبة فالموضوع ليس سهلا ويحتاج إلى قرار جريء.
ووفقا لـ القاضي، فإن كافة الخيارات ستؤثر سلبا على قطاع المقاولات، "لكن هناك خيارات ناقشناها مع الحكومة -ونحن نتحاور مع الحكومة والقطاع الخاص والأهلي-، منها التعويض، وتم تقسيم المشاريع إلى ثلاثة؛ 1. مشاريع قيد التنفيذ، 2. مشاريع قيد الإحالة، 3. مشاريع ستطرح مستقبلا، فالمشاريع الثانية والثالثة لم يبدأ العمل بها بعد، وبالتالي على الجهات المشترية أن تعيد تكلفة هذه المشاريع وإعادة طرحها بما يتناسب وينسجم مع الأسعار الجديدة، وسن أنظمة وتشريعات تكون ضامنة وحافظة لحقوق طرفي العقد بشكل متوازن. أما المشاريع قيد التنفيذ، فهي الأصعب ومطلوب من الجهة المشترية أن تأخذ بعين الاعتبار هذا الغلاء الفاحش والعمل على تعويض المقاولين".
تجار: الارتفاعات العالمية انعكست على السوق الفلسطيني
من جانبه، قال صاحب شركة أبعاد للمقاولات المهندس أسامة عمرو، في مقابلة مع صحيفة الحدث، إن الارتفاع الجاري سيؤثر على المستهلكين بكل تأكيد، وله أثر سلبي على الجميع، مضيفا، أن هناك ارتفاعا عالميا في أسعار مواد البناء، وذلك يعود لأسباب عدة، من بينها الحرب الروسية الأوكرانية، وهما دولتان منتجتان لمواد خام كثيرة من بينها الحديد والألمنيوم وغيرها.
وأوضح عمرو، أن الكل لديه تصور بضرورة شراء أكبر قدر ممكن من المواد، لأن استمرار الأزمة يعني انخفاض كمية المواد، وهذا بدوره أثر على نسبة الطلب، وبالتالي ارتفعت الأسعار، كما أن المواد الموجودة عند التجار هي بالأسعار القديمة، ولكن بيع المواد بالسعر القديم، يقلل القدرة الشرائية للتاجر، وهذا لا يعني عدم وجود رغبة لدى التجار بزيادة الربح.
وأشار المقاول ورجل الأعمال، عمرو، إلى أن الحكومة تتحرك فقط لضبط الأسعار عندما يتعلق الأمر بالسلع الأساسية، والحديث هنا عن الخبز تحديدا بالإضافة لبعض المواد الأساسية، مشددا على أن التعامل مع المواد الأخرى غير المذكورة (الخبز والسلع الأساسية) بطيء، وفي العادة تقوم الحكومة بتحميل المقاولين العبء، وتتعامل مع قطاع المقاولات من منطق أنه "قطاع الربح" وبالتالي يمكن تحميله العبء المالي عن الارتفاع.
وتابع عمرو بأن قطاع المقاولات يعاني من السياسات الحكومية التي لا توفر له أي نوع من أنواع الحماية، رغم أنه قطاع صناعي ويشغل آلاف العمال الفلسطينيين، وبالتالي فالتعامل معه يجب أن يكون على نحو مختلف، وبيّن أن الارتفاع في الأسعار شمل كل المواد، الألمنيوم والحديد والخشب، وبعض المواد ارتفعت جذريا، والارتفاعات التي بدأت مع جائحة كورونا، وأسعار العملات، وأخيرا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي السياق، قال أستاذ الاقتصاد وتاجر الألمنيوم، توفيق نصار، لـ صحيفة الحدث إن ارتفاع سعر الألمنيوم لم يكن دفعة واحدة، والارتفاع كان تدريجيا، كما أن الارتفاع الأخير بنحو 2000 شيقل مقارنة بالارتفاعات التي حدثت خلال السنة الماضية، هو مبلغ قليل. وأشار إلى أن سعر التكلفة على شركة نابكو ارتفع لطن الألمنيوم خلال العام الماضي 6405 شواقل، وارتفع سعر الطن الخام حوالي 1000 دولار، والبريميوم ارتفع 700 دولار تقريبا، يضاف إلى ذلك ضريبة القيمة المضافة وارتفاع قيمة الشحن.
وتابع أن المشكلة الأساس تكمن في الاعتقاد أن هذا الارتفاع جاء دفعة واحدة وبدون مقدمات، لكنه في الحقيقة تراكمي، وتخفيض قيمة هذا الارتفاع يحتاج إلى تدخل حكومي يشمل تخفيض ضريبة القيمة المضافة وأسعار الوقود والغاز، التي ارتفعت هي الأخرى، وأثرت بدورها على هذا الارتفاع لأنها تدخل في تكاليف الإنتاج.
وأوضح أنه تاجر وليس مصنعا للألمينيوم، وبالتالي فإن مصلحة التجار تكمن في انخفاض الأسعار، لكن ما يجري لا علاقة له بالشركات التي تستورد وتصنع، بل بالبورصة العالمية، وفي حالة الألمنيوم كان الارتفاع تدريجيا، ومدخلات الإنتاج لها علاقة بالسعر، وسعر الألمنيوم شهد حالة من الارتفاع في الأشهر الماضية. وشدد على أن هذا الارتفاع سيؤثر على المقاولات والمقاولين، والشركات غير قادرة على تخفيض الأسعار لأن ذلك مرتبط بالبورصات العالمية وحجم التخزين الموجود لدى الشركات والتجار، وبالتالي فإن الحل الوحيد لدى الحكومة، التي عليها أن تتحرك من خلال تشريعات معينة لخفض تكاليف الإنتاج حتى تكون الشركات قادرة على خفض الأسعار، الأمر الذي سيخفف عن المستهلك.
في السياق أكد عدلي حسونة، مدير عام شركة حسونة لمواد البناء ومقرها مدينة الخليل، أن الارتفاع في أسعار مواد البناء مرتبط بارتفاع أسعار الشحن، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضاعف من هذا الارتفاع، إضافة إلى شح الموارد عالميا، وهذا بكل تأكيد ينعكس على ارتفاع الأسعار، وخاصة البضاعة التي تستورد من الصين وتركيا، حيث شهدت ارتفاعا بنسبة 10 - 15%.
وأوضح أن سعر الشحن في الأشهر الماضية ارتفع من 6 آلاف دولار إلى 20 ألف دولار للكونتينر الواحد، وهناك أيضا خلاف مع وزارة المالية على إعادة التخمين من قبل وزارة المالية، وتحديدا ضريبة الدخل، التي ترفض تخمين التجار، وتضيف مبالغ كبيرة، ما يؤدي بكل تأكيد لارتفاع الأسعار.
في حين أكد المدير التنفيذي لشركة أسعد حسونة، علاء الدين حسونة، لـ صحيفة الحدث، أنه مع نهاية الأسبوع الماضي، ارتفع سعر الحديد على الموردين المحليين بحوالي 500 شيقل من المصدر، بسبب ارتفاع أسعار الحديد في البورصة العالمية.
وأشار حسونة إلى أن طن الحديد على المورد يصل إلى 4300 شيقل في الوقت الحالي، والربح الذي يحققه المورد في كل طن لا يتجاوز الـ 100 شيقل، والارتفاع ليس لأسباب محلية، وإنما لأسباب خارجية أهمها الحرب الأوكرانية والروسية. مشددا حسونة على أنه من حق الناس التساؤل عن أسباب الارتفاع لأنهم بالنهاية هم المتضررون، والارتفاع ليس بسيطا، ويصل إلى 1000 شيقل، لكن هذا غير مرتبط بالتاجر المحلي، وله علاقة بالارتفاعات العالمية، حيث إن المستورد سيبيع على السعر الجديد، حتى لو كانت البضاعة الموجودة بحوزته قديمة، لأنه سيشتري لاحقا على السعر الجديد، وقدرته الشرائية ستتضرر إذا باع على الأسعار القديمة، ولن يكون قادرا على سد الفجوة الناجمة عن هذا الفارق في الأسعار.
وفي الوقت ذاته، قال مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، إبراهيم القاضي لـ"صحيفة الحدث"، إن الوزارة تتابع وتراقب كل الأسعار ذات العلاقة بالسلع الغذائية، وسط توقعات بارتفاع سعر الزيت النباتي. مؤكدا أن قضية متابعة أسعار السلع غير الغذائية تقع على عاتق وزارة الأشغال العامة والإسكان، وحاولت "صحيفة الحدث" التواصل مع وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية؛ لكن دون رد، والتي كانت قد أصدرت قرارا، بتشكيل لجنة لدراسة ارتفاع أسعار المواد الإنشائية عالميا على قطاع الإنشاءات يكون اتحاد المقاولات طرفا فيها إلى جانب وزارة المالية والاقتصاد والحكم المحلي ونقابة المهندسين ومجلس السياسات، والتي تهدف إلى الخروج بتوصيات ورفعها للحكومة لاتخاذ القرارات اللازمة لتلافي الأضرار الناجمة عن هذه التأثيرات على قطاع المقاولات وتحقيق المصلحة الوطنية.
الارتفاعات العالمية.. الأسباب والحلول
أكد أمين سر جمعية رجال الأعمال معاوية القواسمي، أن هناك عدة أسباب تؤدي إلى ارتفاع الأسعار السلع، أولها التضخم ويعني زيادة السيولة لدى المواطنين وبالتالي زيادة الطلب على السلع والشراء وهو ما يؤدي بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إلى جانب الظروف غير الطبيعية التي طرأت على العالم في الفترة الأخيرة مثل جائحة كوفيد 19 التي أدت في مرحلة ما إلى توقف الإنتاج في ظل زيادة الكثافة السكانية وبقاء الإنتاج عند حد معين، وارتفاع تكاليف النقل مما أثر بشكل كبير على ارتفاع الأسعار.
وقال القواسمي في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إن الحرب الروسية في أوكرانيا لا ينحصر تأثيرها بالضرورة على روسيا وأوكرانيا فقط بل يمتد إلى باقي دول العالم، وهو الأمر الذي يؤدي بالكثيرين إلى أخذ الاحتياطات من السلع التي تصدرها الدولتان، لضمان العقود المستقبلية مع دول أخرى وهو ما يؤدي إلى رفع الأسعار كذلك.
وأضاف القواسمي، أن ارتفاع الضرائب والجمارك واحد من الأسباب التي أدت إلى رفع الأسعار مؤخرا كما جرى حينما رفعت الحكومة الفلسطينية قيمة ضريبة الشراء على الأصناف المحلاة (ضريبة السكر)، يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف الإنتاج ورفع الحد الأدنى للأجور، وانخفاض قيمة العملات خاصة فيما يتعلق بالدولار الأمر الذي أثر على الصادرات ولاحقا أدى إلى ارتفاع الأسعار.
وذكر القواسمي، أن جشع التجار في بعض الأحيان يعتبر أحد الأسباب كذلك، ففي ظل التوقعات بارتفاع الطلب وبالتالي ارتفاع الأسعار في البلاد المصدرة او المنتجة؛ يقوم التجار ببيع الشحنات القديمة بالسعر الجديد من أجل شراء شحنات جديدة بثمن أعلى، وهذا فعليا يعد بمثابة احتكار للبضاعة الموجودة لدى التجار، وهو أمر غير محمود ويجب أن تكون هناك رقابة عليه.
وأوضح القواسمي، أن الدور الأساسي يقع على عاتق وزارة الاقتصاد الوطني التي لديها دائرة خاصة بحماية المستهلك ومراقبة الأسعار، ويجب عمل موازنة ومواءمة بين حاجة المواطن وما بين الموجود لدى التجار. وأشار، إلى أن هناك غيابا للسياسات التي من شأنها الحفاظ على الأسعار، خاصة وأن هناك سلعا يعتبرها العالم كله جزءا من أمنه سواء الغذائي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، والتي يجب أن تكون متوفرة على الدوام في الأسواق لأنها ذات صلة بحياة الناس. مطالبا الحكومة بوجود سياسة واضحة للتعامل مع الأزمات.
وبحسب أمين سر جمعية رجال الأعمال، فإنه على الحكومة أن تأخذ دورها الأساسي، بأن تكون لديها سياسات واضحة واستراتيجية معمولة مسبقا وجاهزة للتنفيذ مع الظروف المستجدة، "وفي فلسطين هناك تغييب لهذه السياسات ويتم التعامل مع الأزمات كردات فعل معظمها خاضع لوسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى وضع رؤية واستراتيجية واضحة وموضوعة مسبقا للتعامل مع أي أزمة، وما يدل على ذلك إصرار الجهات الرسمية على مدار شهرين على عدم وجود ارتفاع في الأسعار".
وأكد، أن الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزراء المالية والاقتصاد والإسكان والتنمية الاجتماعية؛ هم من يتحملون المسؤولية عن ما يجري كونهم مرتبطين بحالة السوق ولديهم الأدوات المناسبة لمعالجة مثل هذه الظروف.
ووفقا للقواسمي، فإن معالجة الحكومة لارتفاع أسعار القمح والطحين والخبز، لم تكن الأمثل ولا الأفضل، ولغاية اليوم لم تتخذ الحكومة قرارات جريئة للتعامل مع أزمة ارتفاع الأسعار خاصة فيما يتعلق بالخبز، الذي اعتبره أنه حديث على ورق، بسبب عدم تخصيص الدعم بخصوص الفقراء والطبقات الأكثر فقرا. مشيرا، إلى أن هناك خللا واضحا في التعاطي مع الأزمة من قبل جهات الاختصاص وإذا كانت غير قادرة على وضع خطة لمواجهة ارتفاع الأسعار.
وشدد على أن من يقود الأزمة هي وسائل التواصل الاجتماعي، "ويجب البحث عن الطرق الأمثل لإدارة الأزمة، ولغاية الآن هناك نقص، ونحن مقبلون على وضع قاتم في العالم كله نتيجة التهافت على شراء السلع الأساسية وتدارك ذلك بشكل مسبق، وهو ما لا يؤخذ بالحسبان.
وحول دور القطاع الخاص، أوضح: التفتنا للأزمة وبدأنا نتعاطى معها بشكل كبير وعقدنا عددا من الاجتماعات على مستوى جمعية رجال الأعمال وعلى مستوى القطاعات المختلفة، وشاركنا في اجتماعات مع وزيري الاقتصاد والمالية ووضعنا رؤية للتعامل مع الأزمة، ونأمل الأخذ بهذه الرؤية والبحث عن حقيقة ما يجري، ونرى أن الوضوح والشفافية جزء من حلّ أي أزمة، ويجب على الحكومة والمؤسسات كافة أن تأخذ دورها بشكل أكبر وعدم انتظار الأزمة الحقيقية للبحث عن الحلول.
"وقبل أشهر، ارتفعت أسعار الأعلاف في العالم، وهو ما أدى إلى رفع ثمن الحليب ومنتجات الألبان في فلسطين وبعض دول العالم من بينها تركيا والأردن، ولم يقف أحد من الجهات الرسمية ليشرح سبب هذا الارتفاع، الذي لحق بالمصانع الوطنية الفلسطينية جراء ارتفاع التكاليف ومدخلات الإنتاج، ويجب تقديم دعم مخصص للفئات الفقيرة، وتقديم الحوافز للتجار مقابل عدم رفع الأسعار"، أردف القواسمي.
والأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار الحليب في العالم بوتيرة سريعة على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأشارت صحف أمريكية، أن سوق الحليب حول العالم يمر بفترة متوترة جراء الاضطرابات في إمدادات الأعلاف والأسمدة والضغوط التضخمية، كما أن ارتفاع أسعار الغاز عالميا والاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا في سلاسل الإمداد، كانت قد زادت من الضغط على منتجي الحليب عالميا وفلسطينيا.
اتحاد الصناعات: المواد الغذائية أولوية
نور الدين جرادات، أمين سرّ الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية ورئيس غرفة تجارة شمال الخليل، قال إن المواد الأساسية ارتفعت من أصولها إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن. مضيفا: نحن في اتحاد الصناعات والغرف التجارية والقطاع الخاص، التقينا بوزارتي المالية والاقتصاد، واجتمعنا معهم أكثر من مرة، لبحث إمكانية تخفيض الأسعار وتوصلنا إلى الاتفاق المعلن بشأن الخبز والطحين.
وذكر جرادات في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، أن التهافت على شراء السلع في بداية الأزمة بغرض تخزينها، أدى إلى رفع أسعارها.
وأشار، إلى أن المواد الإنشائية تتعرض للارتفاع في أسعارها وهو ما إلى تعاون بين القطاع الخاص والعام لضبط هذه الحالة، في ظل ما يتهدد هذا القطاع من خسائر جراء الارتفاعات في الأسعار.
وأشار جرادات إلى أن التركيز في التعامل مع الأزمة الحالية ينصب باتجاه السلع الغذائية الأساسية، على رأسها الطحين والخبز، مشددا على ضرورة مراقبة الأسعار في الأسواق خاصة قبيل شهر رمضان.
وأردف جرادات، أن هناك تعاون موجود للحد من الارتفاعات، وأن وزارة المالية أسقطت جميع الضرائب على الطحين الذي يزيد وزنه عن 25 كيلوغرام، وقال: نأمل أن يتم التعامل مع باقي السلع بهذه الطريقة، ولكن أعتقد أنه أمر الصعب أن تكون هناك تدخلات مرتقبة فيما يخص أسعار المواد الأخرى لأنها مرتبطة بأسعار السوق العالمي.
خبير اقتصادي: الجهات الرسمية مغيبة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي هيثم دراغمة، لـ"صحيفة الحدث"، إن الارتفاعات الحاصلة على أسعار السلع، ذات علاقة بشكل مباشر بالعرض والطلب، خاصة ما يتعلق بأسعار النفط حول العالم والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأن بعض السلع حول العالم تأثرت أسعارها نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ما أدى إلى ارتفاع أسعار تكلفة إنتاجها، الأمر الذي انعكس بشكل أو بآخر على كل السلع على مستوى العالم.
وأضاف دراغمة: في فلسطين، ما يجعل التأثير مضاعفا، أنها دولة استهلاكية وليست مصنعة، إلى جانب حالة من الخوف من تطور الأوضاع الجارية في بعض الدول كروسيا وأوكرانيا، ما خلق حالة من الحذر، وهو ما ساهم في رفع أسعار السلع عالميا.
واعتبر دراغمة أن "الوزارة المسؤولة عن الرقابة على الأسعار، مغيبة إلى حد ما، ولا تقوم بدورها بشكل كاف، وحتى لو قامت الوزارة المختصة بدور فعال بأن مظاهر الجشع والتهريب والاحتكار ستؤثر على الأسعار بشكل عام". منوها إلى أن العلاقة بين التاجر والمستهلك في فلسطين تشوبها ظاهرة الاستغلال.
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإنه في كثير من الأحيان يتشارك المستوى الرسمي في كثير من القطاعات مع المستثمرين، بمعنى أن المستوى الرسمي (الرقيب) يكون مستثمرا.
وأكد، على حاجة الفلسطينيين إلى سياسة اقتصادية من شأنها أن تذهب باتجاه تعزيز الدور الرقابي على موضوع الأسعار والتجار بشكل عام، بالإضافة إلى العمل على الإطار القانوني الناظم للمخالفات في القضايا ذات العلاقة والذي لا يرتقي إلى مستوى الجرم، ومعالجة الخروقات بشكل لائق.
ووفقا لدراغمة، فإن الارتفاعات الحاصلة عالميا، غير متكافئة مع الارتفاعات الحاصلة في فلسطين، وفي ظل غياب المواءمة بين الدخل وارتفاع الأسعار، مردفا، أنه لا يوجد راسم سياسات في فلسطين، وهو ما يدفع ضريبته المواطن الفلسطيني خاصة أصحاب الدخل المتدني.
ارتفاع أسعار الطحين والقمح والدجاج وإغلاق مزارع المواشي
وبحسب تقارير اقتصادية، بلغ إجمالي حصص روسيا وأوكرانيا من صادرات القمح العالمية أكثر من 25%، وتعتبر روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، بحيث بلغت قيمة صادراتها للعام 2021 8.8 مليار دولار، في حين تعرف أوكرانيا بسلة الخبز في أوروبا، وتبرز باعتبارها خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.
وقال رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات الغذائية عبد الحكيم فقهاء، إن هناك ارتفاعا عالميا كان قد حصل قبل بدء الحرب الأوكرانية الروسية، نتيجة الارتفاع العالمي في البورصات العالمية على الحبوب بنحو 30 - 40%، وأنه بعد بدء الحرب، حدث ارتفاع كبير آخر على أسعار القمح والطحين.وبحسب فقهاء في لقاء خاص مع صحيفة الحدث، فإن روسيا وأوكرانيا مسؤولتان عن 30% من التجارة العالمية في سلعة القمح وأن فلسطين تعتمد بنسبة 95% على القمح والطحين المستورد من أوكرانيا وروسيا، ما يجعل تأثير الحرب كبيرا جدا على السوق الفلسطينية خاصة في مسألة الأسعار.
وحول بدء هذا التأثير بشكل مباشر على الأسواق الفلسطينية، أوضح فقهاء: لو لم ترتفع الأسعار مسبقا قبل الحرب، لكان يجب أن تكون هناك فسحة من الوقت قبل انعكاسها على السوق الفلسطيني، ولدينا مشكلتان؛ الأولى أن الأسعار كانت بالأصل مرتفعة، والثانية أنه ليس لدينا مخزون كبير من القمح والطحين، وكما تشير بيانات وزارة الاقتصاد بأن لدينا مخزونا يكفي إلى شهرين كحد أقصى، وهذا المخزون غير كاف لامتصاص التقلبات الكبيرة.
وتوقع رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات الغذائية، أنه "لن يكون هناك انقطاع في الطحين كسلعة حساسة، ولا خوف من ذلك لأن عمليات التوريد مستمرة والسحنات التي كانت موجودة في الموانئ دخلت.
وأشار فقهاء، أن هناك اجتماعات مع الجهات الرسمية لدراسة كيفية امتصاص الفرق في السعر بحيث لا ينعكس بشكل كبير على المواطن الفلسطيني، حيث أعلنت وزارة الاقتصاد في 13 مارس 2022، عن عدد من القرارات بهدف عدم رفع السلع الأساسية، والتي كانت أبرزها: يتم إعفاء جميع مبيعات الطحين المغلفة بأكياس 25 كيلو فما فوق من ضريبة القيمة المضافة البالغة 16% حيث سيتم إخضاعها الى ضريبة قيمة مضافة بنسبة 0% وذلك عن الأشهر 3 و 4 و5 لعام 2022، وإعفاء جميع المخابز من ضريبة القيمة المضافة للأشهر ذاتها، وتحديد سعر كيلو الخبز الواحد بحد أعلاه 4 شواقل، وهي القرارات التي أقرها مجلس الوزراء بجلسته الأسبوعية المنعقدة في رام الله بتاريخ 14 مارس 2022.
وبشأن الارتفاع الحاصل في أسعار الطحين في السوق الفلسطينية، قال فقهاء إنه "يتم الحديث عن رفع ثمن كيس الطحين بوزن 50 كيلو إلى 140 شيقلا، بواقع 25%، وهذا ليس بالضرورة أن يؤثر على سعر رغيف الخبز". وأكد أن الحكومة والجهات الرسمية معنية بنوع من التدخل لضمان بقاء الأسعار كما هي أو عدم رفعها بنسبة عالية خاصة الخبز، على الأقل للأشهر الثلاثة المقبلة، في ظل توقعات بحدوث متغيرات جديدة تتعلق بالحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات الغذائية، إلى أن "أسعار القمح حاليا مجنونة ومرتفعة جدا، والارتفاع بالأسعار، جزء منه ارتفاع حقيقي نتيجة ارتفاع التكلفة وشق يتعلق بالتحوط من ارتفاعات مستقبلية".
ولم يسلم الدجاج اللاحم كذلك من ارتفاعات الأسعار؛ فقد ارتفع ثمن الكيلو الواحد منه إلى 15- 16 شيقلا في الأسواق، وهو ما عزته وزارة الزراعة إلى جائحة إنفلونزا الطيور التي انتشرت في أوروبا ولدى الاحتلال الإسرائيلي وهي مصادر توريد بيض التفريخ إلى فلسطين، كسبب مباشر في ارتفاع الأسعار، والذي أدى إلى انخفاض الكميات الموردة إلى فلسطين في الشهرين الأخيرين بنسبة 25%، في ظل استقرار الكميات الموردة من المزارع الفلسطينية.
ونوه أبو لبن في اتصال هاتفي مع "صحيفة الحدث"، إلى أن السوق الفلسطيني يحتاج إلى مليون و200 ألف طير لاحم، والمتوفر حاليا هو مليون طير، والفجوة تقارب الـ 200 ألف طير. مشيرا إلى أن النقص من الممكن أن يستمر حتى الأسبوع الثاني من شهر رمضان، وعليه سمحت وزارة الزراعة باستيراد الصوص من المزارع الإسرائيلية وتربيتها في المزارع الفلسطينية لسد الفجوة، وأن وزارته ستوجد مسارات بديلة لإدخال الدجاج الطازج المبرد إلى الأسواق الفلسطينية للحفاظ على توازن الأسعار خاصة.
وأوضح، أن ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم غير مرتبط بارتفاع أسعار السلع الأخرى، لأن لها أسبابا مختلفة، وأن سعر الدواجن يختلف بين يوم وآخر وأسبوع وآخر حسب مجريات العرض والطلب.
وحول إغلاق أسواق المواشي لمدة شهر، قال أبو لبن، إن القرار جاء بسبب انتشار وباء الحُمّى القلاعية لضمان عدم تفشي المرض في مزارع المواشي، مؤكدا أنه لن يؤثر على أسعار اللحوم في السوق الفلسطينية، وستتم متابعة الأسعار لضمان عدم المغالاة بها.