الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عملية أوكرانيا أو حدود القوة الروسية| بقلم: ناجح شاهين

2022-04-10 10:57:35 AM
عملية أوكرانيا أو حدود القوة الروسية| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

في ضوء ما يجري: أدى الروس دوراً مهماً في الجو السوري، ولكن النصر على الأرض صنعه الجيش السوري والمقاومة اللبنانية حصرياً

أعرف أن ما أقوله لا يتلاءم مع رغبات وأهواء المتعاطفين مع روسيا، والحالمين بأن تكون العملية الروسية في أوكرانيا فاصلة في إقصاء أمريكا عن موقع الهيمنة.

بداية نقول إن روسيا ليست المرشح التاريخي الراهن لاستبدال الهيمنة الأمريكية، وإنما الصين الشعبية. روسيا دولة صغيرة اقتصادياً وعلمياً قياساً لحجمها وعدد سكانها. وقد كان عنوان ثقل روسيا الاستراتيجي هو قوتها العسكرية بحسب التقديرات التي كانت تضعها دائماً بعد الولايات المتحدة مباشرة. ولكن إذا كانت تلك التقديرات خاطئة كما يبدو الآن، فإن ذلك يعني ان روسيا تحظى بتقدير مبالغ به على نحو أشد من التقدير المبالغ به الذي حظي به الاتحاد السوفييتي بعد الحرب الثانية وحتى تفككه.

كنا قد كتبنا منذ البداية أن روسيا قد تورطت في الحرب التي أرادتها لها أمريكا، وأنها قد خسرتها بالفعل نيتجة للاصطفاف "الكوني" الشامل وراء الولايات المتحدة في جهدها المزعوم لحماية أوكرانيا. الحق يقال إننا في المقال المشار إليه لم نتوقع أن تسير الأمور بهذا السيناريو السيء جداً الذي انتهى كما نلاحظ بتراجع القوات الروسية واضطرارها إلى محاولة البحث عن إنجاز ما مهما كان صغيراً لحفظ ماء الوجه.

بدون لي ذراع الوقائع نحاول أن نرسم "سيناريو" ما جرى منذ انطلاق العمليات قبل 45 يوماً بالتمام والكمال.

انطلقت العملية الروسية وسط إجماع تام أن أوكرانيا ستنهار في وقت سريع، ساعات أو أيام أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير. أنذرت روسيا أوكرانيا بضرورة نزع السلاح الشامل للجيش الأوكراني وتسليم السلطة عبر انتخابات "نزيهة" ما. أما أوكرانيا فجسد موقفها رئيسها زيلنسكي الذي ظهر في أكثر من فيديو مسجل يعلن أن حياته تقترب من نهايتها وأن المشاهدين قد لا يبصرونه على قيد الحياة مرة أخرى. كذلك توقع العالم "الغربي" أن الانهيار وشيك، وبدأ يحشد ويحضر لحرب "التحرير" الطويلة الأمد على نسق ما جرى ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان. بدا أيضاً أن الدول الغربية هيابة جداً تجاه التدخل المباشر في الصراع خشية ردة فعل روسية قد تخرج الأمور إلى حيز المواجهة المباشرة مع الغرب.

اليوم بعد شهر ونصف من محاولة روسيا إنجاز النصر وصلنا إلى نقطة التوازن الدقيق بين النصر والهزيمة. من الواضح أن روسيا لم تربح الحرب. ويبدو الآن جلياً أنها لن تربحها أبداً. لكن السؤال يظل قائماً حول إمكانية أن تتمكن أوكرانيا من تحقيق النصر عن طريق الدعم الغربي الهائل لها. بالطبع قد لا تربح أوكرانيا الحرب، ولكننا في هذه الحالة سنكون أقرب إلى سيناريو حرب العراق/إيران لثماني سنوات التي انتهت دون رابح لكن مع تدمير هائل لمقدرات البلدين وضحايا بالملايين على الجانبين. في هذه الحال يكون الغرب بقيادة الولايات المتحدة هو المنتصر الحقيقي في المواجهة حتى لو تطلب الأمر أن يقدم المعونات الاقتصادية لأوكرانيا من أجل إعادة البناء. الموارد الغربية هائلة إلى حد أن إعادة بناء أوكرانيا لن يشكل عبئاً جدياً أبداً. وقد تتمكن أمريكا من تجنيد أموال الخليج أيضاً في هذه العملية.

كان أحد الأوهام الرئيسة لدى الجانب الروسي هو انهيار الجيش الأوكراني معنوياً وانفضاض الجماهير من حول الحكومة والرئيس. لكن الأسبوع الأول من الحرب كشف عن التفاف شعبي كثيف حول القيادة ومشاعر فياضة للدفاع عن الوطن ضد "العدوان" الروسي. ظهر أن الجمهور المدني جاهز للمقاومة في المدن. وبدأت الاستعدادات للمواجهة في كل مكان. بالطبع ساهم بطء التقدم الروسي وغياب القوة الجوية الفعالة في عدم انتشار حالة من الهزيمة والتسليم والرعب الشعبي على غرار ما جرى عند احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة حيث استخدمت قوة جوية مفرطة أدت إلى صدمة نفسية هائلة لم تسمح لأحد بالتفكير في تنظيم أعمال المقاومة التي تأجلت وقتاً طويلاً إلى ما بعد الاحتلال بأشهر.

لقد بالغ صانع القرار الروسي في التهوين من شأن القوة الأوكرانية مثلما بالغ كما يبدو في تقدير القوة الروسية. لا شك أن روسيا كما تخبرنا الأرقام تمتلك القوة العسكرية الثانية في العالم. ولكن من الواضح أن هذه القوة تفتقر في الميدان إلى الفاعلية والتنظيم وإدارة الموارد العسكرية على نحو مجد يؤدي إلى تحقيق الإنجازات السريعة. ونميل إلى القول إن قوة مثل روسيا كان متوقعاً منها أن تنجز شيئاً يضاهي النصر العسكري الاسرائيلي الخاطف سنة 1967 أو الاجتياج الأمريكي للعراق في 1990 و 2003 أو اجتياح هتلر لبولندا ناهيك عن فرنسا التي تمكن من احتلالها وهي من هي في ذلك الوقت في ثلاثة أسابيع.

اتضح الآن تماماً عدم فاعلية الجيش الروسي في الحرب الهجومية على الأقل. قد يكون الجيش الروسي أفضل في الدفاع، لكنه يهاجم بشكل رديء تماماً. لذلك اقتنعت القيادة الروسية بعدم جدوى مواصلة الهجوم الواسع الشامل الهادف إلى السيطرة على أوكرانيا كلها. ومن الواضح أن الهدف المتواضع الآن يقتصر على دونباس التي يحاول منذ بضعة أيام اقتحامها دون نجاح يذكر. إذا فشل الروس في دونباس فهذا سيعني كارثة كاملة بعد الخسائر الاقتصادية والعسكرية الهائلة التي لحقت بالبلاد. ولا بد أن ذلك يعني أن روسيا قد خسرت على نحو مريع سيترتب عليه تغيير موقعها في الخريطة السياسية/الاستراتيجية لأوروبا والعالم على السواء. وقد بدأ بعض المحللين منذ الآن التراجع عن فكرة شائعة فحواها أن سورية قد صمدت بفضل الجيش الروسي. الآن يتم إعادة اكتشاف الحرب في سورية: لقد كان هناك دور مهم للروس في حماية الجو السوري، ولكن النصر على الأرض صنعه الجيش السوري والمقاومة اللبنانية تقريباً على نحو حصري.

أخيراً لا بد من ملاحظة التراجع الواضح في رغبة أوكرانيا في المفاوضات. وقد ردد الروس في الأيام الأخيرة مراراً وتكراراً أن الأوكرانيين يتهربون من اقتراحات سابقة كانوا قدموها في أوقات سابقة. بالطبع عندما تقتنع القيادة السياسية أن بإمكانها أن تستفيد من حرب استنزاف طويلة تتلقى فيها فيضاً من الدعم الغربي، فإنها ستجنح حتماً إلى مواصلة المواجهة. وما لم يتمكن الروس من إخراج شيئ ما غير قابل للتوقع من طاقيتهم السحرية، فإن هذه الحرب ستكون الحد الفاصل بين روسيا الدولة العظمى الكونية الآفلة وروسيا الدولة الإقليمية المحدودة التي قد لا يتعدى أثرها وقيمتها في الميزان الدولي دولاً مثل تركيا، والهند وإسرائيل.