الحدث- غزة
دون أن تتناول أقراص مسكنات الألم، تبدو مهمة التعامل مع 4 أطفال، وتلبية احتياجاتهم "مهمة شاقة"، بالنسبة للشابة راوية عليان، التي تسكن في منزل يعود لأحد أقارب زوجها، بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة منزلها المكون من طابقين.
وتفقد عليان (27 عاما) أعصابها وإحساسها بمن حولها جراء ما وصفته بـ"الواقع الإنساني الصعب" الذي تعيشه منذ الصيف الماضي، بسبب "انعدام الخصوصية".
وتضيف إنها تسكن في بيت يعود لأحد أقارب زوجها بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، برفقة 3 من أشقاء زوجها، وأبنائهم وزوجاتهم.
وفي معظم أوقات النهار، لا يفارق الشابة عليان غطاء الرأس، واللباس المحتشم، ما أفقدها التحكم بأعصابها.
وتستدرك بالقول: "انعدام الخصوصية، وفقدان الشعور بالذات دفعني لتناول الحبوب المسكنة للآلام، فالصداع لا يفارقني"، قبل أن تضيف "فقدت القدرة على التعامل مع أطفالي الأربعة، أتوق لمنزلي، بعيدا عن أجواء الفوضى، والتشتت الاجتماعي".
وتعترف سهير عجور (32 عاما)، وهي أم لخمسة أبناء، أنّها لم تعد تحتمل العيش في منزل آخر برفقة عائلات أخرى، مضيفة أن الحياة بعيدا عن منزلخاص بها وبزوجها وأبنائها أصابتها بـ"التوتر".
وتتابع: "لا يمكن لي أن أتابع دروس أولادي، ومذاكرتهم اليومية، بالشكل الذي كنت أفعله سابقا، وكل حركة لنا مُقيدة، المطبخ ليس ملكي، والخروج في ساحة المنزل ممنوع لوجود أسلافي (إخوة زوجها)، الحرب دمرت بيتنا، ونفسيتنا أيضا".
وتقول دراسة تناولت أوضاع المرأة في قطاع غزة، خلال الحرب الأخيرة، مؤخرا إن النساء دفعن "الفاتورة" الأعلى جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، وما خلفه من آثار "جسدية ونفسية".
وأظهرت الدراسة التي أصدرها "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (مؤسسة حقوقية غير حكومية) أن "المآسي" التي أصابت النساء بغزة لم تقتصر على "الإصابة المباشرة"، المتسببة بالقتل أو الجرح، لكن آثارها امتدت إلى الكثير من الجوانب النفسية والروحية.
وتتوق الشابة هدى سمارة (25 عاما) إلى غرفتها، وأن تكشف عن "الحجاب" الذي ترتديه معظم الوقت، داخل منزل حميها (والد زوجها) الذي يأوي 20 شخصا.
وتضيف سمارة، أن "الخصوصية، وتفاصيل الحياة الزوجية، ضاعت مع ركام ما خلفته الحرب".
وتستدرك: "بت أشعر أني غريبة عن زوجي، لا أراه إلا نادرا، هو دائم الخروج من المنزل، المكان مكتظ بالنساء والأطفال، اشتقت لحياتنا بعيدا عن أجواء التشرد، والضياع، لم نعد نحتمل هذا الألم النفسي".
وفي داخل بيت لا تتجاوز مساحته الـ100 متر، يقطن المواطن رأفت فلفل (45 عاما)، برفقة عائلته (زوجته و5 من أبنائه) إضافة لأشقائه الثلاثة المتزوجين، في منزل عمهم.
ويقول فلفل، إنه تعثر عليهم إيجاد شقق للإيجار، ما اضطرهم للسكن عند عمهم، واصفا المعيشة بـ"القاسية".
ويضيف: "يتوق كل منا لحياته الخاصة، نفتقد للراحة والخصوصية، الرجال يبيتون في غرفة واحدة، والنساء يتجمعن في مكان منفصل، الإعمار لم يبدأ بعد، والحرب تبدو وكأنها لم تنتهِ".